حكم التعبير عن الحزن على بلدٍ برسم صورة سوداء ، وكتابة عبارات أسف عليها ؟
السؤال: 220482
أخت قامت بتغيير صورتها الشخصية على الفيسبوك ، بصورة سوداء مكتوب عليها حداد على بلد معين ، فقلت لها : إن الحداد في الاسلام لا يجوز إلا في حالتين فقط :
– المرأة التي توفي عنها زوجها فتحد مدة العدة أربعة أشهر وعشرا.
– المرأة التي توفي أحد أقاربها تحد ثلاثة أيام، فليس للمرأة حداد في غير ما ذكر.
فضلا عن ان تخصيص السواد للحداد لا أصل له.
فقالت : ما أدين الله به أن هذه الصور ليس بها ما يناقض الشرع لأنها ليست فعل يؤكد الحداد الشرعي أو ينفيه ، والأمر فيه سعة ، حيث إني أعيش حياة طبيعية ( أي أضع الزينة والطيب .. طبعا في البيت .. وأفعل كل ما لا تفعله المعتدة ) ، وما أعرض علي الصفحة من الصورة السوداء : ما هو إلا تعبير عن إحساس أشعر به.
فما حكم الشرع في ذلك ؟ وهل هي على صواب فيما قالت ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا شك أن الإحداد مصطلح شرعي له معناه المعروف ، وقد جاء في
بعض الأحاديث النبوية ، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لاَ يَحِلُّ
لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ
فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) رواه البخاري (1280) ومسلم (1486) .
غير أن مثل هذه الصور التعبيرية ، والكلمات التي تكتب عليها لا
يراد بها حقيقة معناها ، ولذلك ذكرت صاحبة الواقعة أنها تعرف الإحداد ، ومقتضاه في
الشرع ، وأنها لا تلتزم بشيء من ذلك كله ؛ وإنما قصارى الأمر أن يكون صورة رمزية ،
تعبر بها عن حالة الحزن أو التحسر أو التألم .. أو نحو ذلك .
ومثل هذا الاستعمال لا بأس به ، ولا يظهر لنا في الشريعة
الإسلامية ما يمنعه .
لكن ينبغي التنبه إلى أن استعمال مثل هذه الصورة : قد يكون
ممنوعا شرعا إذا كان المقصود تزكية الإنسان نفسه ، أو حزبه ، أو جماعته ، والإشارة
إلى هلاك سائر الناس سوى من ذكر .
فقد روى مسلم (2623) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ
الرَّجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) .
نقل أبو داود عن الإمام مالك أنه قال : إِذَا قَالَ ذَلِكَ
تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي النَّاسِ ، يَعْنِي فِي أَمْرِ دِينِهِمْ ، فَلَا أَرَى
بِهِ بَأْسًا ، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ عُجْبًا بِنَفْسِهِ ، وَتَصَاغُرًا لِلنَّاسِ
: فَهُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :
“قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ
الرَّجُل : هَلَكَ النَّاس فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ ) … مَعْنَاه : أَشَدّهمْ
هَلَاكًا …
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّمّ : إِنَّمَا
هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيل الْإِزْرَاء عَلَى النَّاس , وَاحْتِقَارهمْ ,
وَتَفْضِيل نَفْسه عَلَيْهِمْ , وَتَقْبِيح أَحْوَالهمْ , لِأَنَّهُ لَا يَعْلَم
سِرّ اللَّه فِي خَلْقه .
قَالُوا : فَأَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى
فِي نَفْسه وَفِي النَّاس مِنْ النَّقْص فِي أَمْر الدِّين : فَلَا بَأْس عَلَيْهِ
… هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَام مَالِك , وَتَابَعَهُ النَّاس عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ : لَا يَزَال الرَّجُل
يَعِيب النَّاس , وَيَذْكُر مَسَاوِيَهُمْ , وَيَقُول : فَسَدَ النَّاس ,
وَهَلَكُوا , وَنَحْو ذَلِكَ ؛ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ . أَيْ :
أَسْوَأ حَالًا مِنْهُمْ ، بِمَا يَلْحَقهُ مِنْ الْإِثْم فِي عَيْبهمْ ,
وَالْوَقِيعَة فِيهِمْ , وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْب بِنَفْسِهِ ,
وَرُؤْيَته أَنَّهُ خَيْر مِنْهُمْ . وَاَللَّه أَعْلَم ” انتهى .
والله تعالى أعلم .
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟