0 / 0

شرح حديث : ( من شفع لأخيه شفاعة …. )

السؤال: 220599

أريد شرحاً لهذا الحديث : عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له عليها هدية فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا ) حسَّنه الألباني . سنن أبي داود (3541) .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الشفاعة هي : ” التوسُّط للغير، بجلب منفعة له أو دفع مضرَّة عنه ” . القول المفيد لابن عثيمين (1/ 330، 2/ 506) .
وهذه الشفاعة إن كانت في الخير بجلب نفع للناس يستحقونَه ، أو دفع ضرر وقعَ عليهم ظلمًا ؛ فهي عمل صالح يؤجَر عليه الإنسان ؛ كما قال تعالى: ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ) النساء/85.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ : ( اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ) رواه البخاري (1432) ، ومسلم (2627).
فمعنى الحديث : أنَّ مَن شفع لأخيه المسلم شفاعة ، بأن توسَّط له عند الغير لقضاء مصلحة بجلب منفعة أو دفع مضرَّة ، فأَهْدَى المشفوع له هديَّة للشافع ، نظير هذه الشفاعة والوساطة ، فقَبِلها الشافِع ؛ فحرامٌ عليه ؛ لأنه أمرٌ يسيرٌ لا يجوز أخذ العِوَض عليه في الدنيا ، وقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا .
قال العلماء : ” وَذَلِكَ لأَنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا ، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً ، فَأَخْذُ الْهَدِيَّةِ عَلَيْهَا يُضَيِّعُ أَجْرَهَا ، كَمَا أَنَّ الرِّبَا يُضَيِّعُ الْحَلَالَ “. انتهى من “عون المعبود” (9/ 331).
وهناك وَجْهٌ آخر لجعل قبول الهديَّة على الشفاعة من الرِّبا ، وهو أنَّ ” الرِّبا هو الزيادة في المال من الغير ، لا في مقابلة عِوَض ، وهذا مثله “. “سبل السلام” للصنعاني (2/ 58) ، وينظر أيضًا : “مرقاة المفاتيح” للملا علي القاري (6/2438) . يعني : أن الشافع أخذ مالاً بدون مقابل فهو يشبه المرابي الذي أخذ الزيادة بدون مقابل .
وممَّا جاء عن السلف في معنى الحديث :
قول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى عن اليهود : ( أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) : ” السُّحت : أَن تطلبَ لأخيك الْحَاجة فتُقضَى ؛ فيهدي إِلَيْك هَدِيَّة فتقبلها مِنْهُ ” . تفسير الطبري (8 /433) ، ومجموع الفتاوى (31 /286).
وقد رُوي أنَّ أبا مسعود عُقْبَةُ بْنُ عمرو جاء إِلَى أَهْلِهِ فَإِذَا هَدِيَّةٌ ، فَقَالَ: ” مَا هَذَا ؟ ” ، فَقَالُوا : الَّذِي شَفَعْتَ لَهُ ، فَقَالَ : ” أَخْرِجُوهَا ، أَتَعَجَّلُ أَجْرَ شَفَاعَتِي فِي الدُّنْيَا ؟ “مصنف ابن أبي شيبة” (21261).
وعن مَسْرُوق رحمه الله تلميذ ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه شفعَ لرجل في حاجةٍ ، فأهدى له جاريةً ؛ فغضبَ مسروقٌ غضبًا شديدًا ، وقال : ” لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَفْعَلُ هَذَا مَا كَلَّمْتُ فِي حَاجَتِك ، وَلَا أُكَلِّمُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِكَ . سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَرْفَعَ بِهَا ظُلْمًا ، فَأُهْدِيَ لَهُ ، فَقَبِلَ ؛ فَهُوَ سُحْتٌ “. “تفسير الطبري” (8/ 432).
وقد أخذ بعض العلماء بظاهر هذا الحديث ، فمنعوا أخذ الهدية على الشفاعة ، سواء كانت الشفاعة واجبة أو غير واجبة ، وذهب آخرون إلى جواز أخذ الهدية على الشفاعة إذا كانت غير واجبة ، وحملوا هذا الحديث على : الشفاعة الواجبة – كالشفاعة عند السلطان في إنقاذ مظلوم من يد ظالم – ، أو الشفاعة المحرَّمة – كالشفاعة عند السلطان في تولية ظالم على الرَّعيَّة – .
لأنَّ الشفاعة إذا كانت في واجب فهي واجبة ، فأخذ الهديَّة في مقابلها محرَّم .
وإذا كانت في أمر محرَّم ؛ فأخذ الهديَّة في مقابلها محرَّم .
أما إذا كانت الشفاعة في أمر مباح ؛ فأخذ الهديَّة عليها مباح ؛ قالوا : لأنها مكافأة على إحسانٍ غير واجب. انظر: “سبل السلام” (2/ 58).
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (220023) .
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله : ” وأما الهديَّة في الشفاعة ، مثل أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة أو يوصل إليه حقَّه ، أو يولِّيه ولاية يستحقها ، أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك ، أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القرَّاء أو النُّسَّاك أو غيرهم ، وهو من أهل الاستحقاق ، ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرَّم ؛ فهذه أيضًا لا يجوز فيها قَبول الهديَّة ، ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصَّل به إلى أخذ حقِّه أو دفع الظلم عنه .
هذا هو المنقول عن السلف والأئمَّة الأكابر .
وقد رخَّص بعضُ المتأخِّرين من الفقهاء في ذلك ، وجعل هذا من باب ” الجَعالة ” ، وهذا مخالف للسُّنَّة وأقوال الصحابة والأئمة .
فهو غلط ؛ لأنَّ مثل هذا العمل هو من المصالح العامَّة التي يكون القيام بها فرضًا ، إما على الأعيان وإما على الكفاية …”. انتهى من “مجموع الفتاوى” (31/ 286).
أما إذا كان كانت الهديَّة مقابل جهدٍ وعملٍ قام به الشافع ؛ فلا حرجَ في أخذها .
وقد سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله : قمتُ بإحضار بعض الناس ؛ لكي يعملوا في إحدى دول الخليج ، أخذتُ منهم بعض النقود برضاهم ، فهل يحق لي ذلك ، وإن كان غير ذلك فماذا أفعل ؟
فأجاب : ” إذا كنتَ اتفقتَ معهم على مال معلوم من بلادهم حتى توصلهم إلى الخليج ، وتقوم بما يجب من قيمة التذاكر وغير ذلك ، هذا شيء لا حرج فيه ؛ لأنَّك أديت عنهم مالاً حتى توصلهم إلى إحدى دول الخليج بسبب خدمتك لهم ، وسعيك لهم في إيصالهم إلى دول الخليج حتى يعملوا هناك .
أما إن كانت الأموال التي أخذتها من أجل الشفاعة لهم بأن يعملوا عند فلان أو عند فلان ، والنفقة على حسابهم ، لكن أعطوك المال للشفاعة عند فلان أو فلان حتى يستخدمهم ، فلا ينبغي لك أن تأخذ المال ، في الحديث : ( مَن شفع لأخيه شفاعة ، فأهدى له هديَّة ، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا ) ؛ فلا تأخذ عن شفاعتك مالاً .
أما إن كنتَ خدمتهم في شيء ، أعطوك المال عن خدمة ، أخذت لهم الجوازات ، تعبت لهم في الإقامة ، عملتَ لهم أعمالاً كفيتهم إياها ، وأعطوك المال لخدمتك فقط ؛ فلا نعلم حرجًا في ذلك في مقابل الخدمة التي خدمتهم إياها ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (19/ 291).
فالخلاصة :
أنَّ أخذ الهديَّة أو المال على الشفاعة الواجبة – لأخذ حق أو دفع ظلم – ، أو الشفاعة المحرَّمة ؛ محرَّم ، وعليه يتنزَّل الحديث المسئول عنه .
ويزداد التحريم في حقِّ الوُلاة والقُضاة والحُكَّام ؛ لأنَّ السَّعيَ في إيصال الحقِّ إلى مُستحِقِّه ودَفع الظُّلم عنه واجبٌ عليهم لا يجوز لهم أخذُ المال عليه .
فلا يجوز للوالي أو الحاكِم أو القاضي أو المدير ونحوهم قبولُ الهديَّة مُطلقًا ممَّن له عندَهم عمل أو قضية .
ينظر : “مجموع الفتاوى” (31 /286) ، و”مختصر الفتاوى المصرية” (ص 553)، و”مرقاة المفاتيح” (6 /2437)، و”نيل الأوطار” للشوكاني (8 /309).
أما أخذ الأجر أو الهدية على الشفاعة المباحة ، التي تسمَّى ” ثمن الجاه ” ؛ فقد اختلفَ العلماءُ فيها ؛ فذهب البعض إلى تحريمها مستدلِّين بعموم هذا الحديث .
وذهب آخرون إلى جوازها ، وأجابوا عن الحديث بأنَّه ضعيف ، وإمَّا بحمله على الشفاعة الواجبة أو الشفاعة في شيء محرَّم .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android