0 / 0

تسأل عن لباس الصحابيات في الأعراس كي تقتدي به

السؤال: 220626

أصبحت ملابس الأعراس باهظة الثمن وفارهة هذه الأيام ، وصار الناس يرون ذلك كأنه أمر عادي ، لكنني لا أرى ذلك ، ولا أريد أن أحذو حذو هذا المثال ، ولا يمكن أن أتصور أن الصحابيات كنّ ينفقن أموالاً طائلة ليرتدين لباساً باهظ الثمن ليوم واحد .
لذا أريد أن أعرف مواصفات ملابس عرس الصحابيات رضي الله عنهن حتى أتمكن من الاقتداء بهن ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

شريعة الإسلام شريعة الوسطية والاعتدال في كل شيء ، ومدار التكليف فيها يوازن بين تلبية حاجات الإنسان وإشباع رغباته ، وبين رسم الحدود التي تضمن عدم الطغيان في الأرض ، وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء .

ولذلك كان الاعتدال والتوسط من أهم مقاصد الشريعة في أبواب النفقات ، فقال الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان/67 .

قال ابن كثير رحمه الله :
” ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم ” (6/124) .

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله :
” ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا ) النفقات الواجبة والمستحبة ( لَمْ يُسْرِفُوا ) بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة ، ( وَلَمْ يَقْتُرُوا ) فيدخلوا في باب البخل والشح ( وَكَانَ ) إنفاقهم ( بَيْنَ ذَلِكَ ) بين الإسراف والتقتير ( قَوَامًا ) يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي ، من غير ضرر ولا ضرار ، وهذا من عدلهم واقتصادهم ” انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن ” (ص/586) .

ويقول الله سبحانه وتعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا . وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا . وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا . إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) الإسراء/26-30 .

ونحن ندعوك إلى الالتزام بهذه الوصية الربانية ، الاقتصاد والاعتدال في تحضيرات الزفاف ، فلا تهملي في لبس الجميل من الثياب ، واختيار اللائق الذي تحبه النساء وترغب به ، فالالتزام لا يعني أن يحرم المرء نفسه متعة الدنيا وزينتها بالحلال ، وخاصة في مثل يوم الزفاف الذي لا يتكرر كثيرا ، وتعارف الناس فيه على أخذ كامل الزينة المباحة .
وليس من المرغوب فيه أن يخالف المسلم أعراف الناس وعاداتهم التي لا تصادم الشرع ، ولا توقعه فيما حرم الله ؛ خاصة وأن التزين والتجمل في هذا اليوم ثابت ، حتى في السنة النبوية ، فقد قالت عائشة رضي الله عنها : ( ثُمَّ أَخَذَتْ [تعني أمها] شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ ، فَقُلْنَ عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي ) رواه البخاري (3894) ، ومسلم (1422) ، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ( حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ ، جَهَّزَتْهَا [تعني صفية] لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ ) رواه البخاري (371) .

فهذه الأحاديث تدل على تزين أمهات المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم عند زواجه بهن ، وأمر الزينة يتغير بتغير الزمان والمكان ، وليس تعبديا يجب الالتزام به كما كان في العهد الأول ، وليس له – أيضا – ضابط محدد في الشرع ، لكنه داخل في الإطار الذي سبق بيانه : أن يكون في حد التوسط ، وعدم الإسراف .
وفي الحديث : عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جده عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلُوا ، وَاشْرَبُوا ، وَتَصَدَّقُوا ، وَالْبَسُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ ، وَلَا مَخِيلَةٍ ) رواه الإمام أحمد (6695) وغيره ، وحسنه الألباني .

والخيارات اليوم كثيرة والحمد لله ، فيمكن للزوجين تحقيق الزينة المطلوبة باللباس ، ومكان الحفل ، ونحو ذلك على الوجه المقتصد ، الذي يحقق المطلوب ، ويبدو للناس بالجمال الموافق لعاداتهم ، وفي الوقت نفسه لا يخرج إلى إطار البذخ والإسراف .

كما ننبه إلى ضرورة التزام اللباس بالضوابط الشرعية ، التي أهمها أن لا يكشف عورة المرأة بين يدي النساء .
وللتوسع ينظر في موقعنا الفتاوى الآتية : (12853) ، (112124) ، (171265) .

والخلاصة : أن لباس الصحابيات في الأعراس لم تنقل لنا أوصافه مفصلة ، ثم هو ليس محلا للتعبد أو الاقتداء في نفسه ، وإنما الواجب هو الاعتدال والتوسط ، من غير إسراف ولا تقتير ، مع الالتزام بالضوابط الشرعية العامة في ملابس المرأة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android