ولدت وترعرعت في السعودية ، لذا فإني أصلي على منهج السلف ، لكن منذ أن انتقلت للعيش في بلدي الأصلي واجهت بعض المشاكل ، لأن المسجد الذي في الجوار حنفي متشدد ، ولا يسمحون لأحد بقول : ” آمين ” بصوت مرتفع ويصرون على رفع اليدين وعلى جعلهما تحت السرة بدلاً من وضعهما على الصدر ، وإذا وجدوا شخصاً خالف ذلك أتوا إليه بعد الصلاة غاضبين وانتقدوه وقالوا إن صلاته لن تقبل ، بل وينتقدون باستمرار ما يطلقون عليه اسم ” اللامذهبية ” ، ويعلنون بمكبرات الصوت أن من أراد أن يرفع صوته بالتأمين فعليه مغادرة المسجد والبحث عن مسجد آخر ليصلي فيه ، وهو أمر حسن بالنسبة لي غير أنه لا يوجد مسجد قريب في الجوار ، فما العمل ؟ هل أصلي مثلهم ؟ أخشى أن يمنعوني من الصلاة في المسجد إن لم أنصع لنصائحهم ، وأخشى أن أنسلخ من السلفية إن عملت بقولهم ، فماذا ترون ؟
يصلي مع جماعة من الأحناف يلزمونه بعدم الجهر بالتأمين ووضع اليدين تحت السرة
السؤال: 220662
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
أما بالنسبة للجهر بالتأمين ، فهو من مسائل الخلاف بين أئمة أهل العلم ، وإن كان الراجح هو استحباب الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية .
قال ابن قدامة رحمه الله :
” ويسن أن يجهر به الإمام والمأموم فيما يجهر فيه بالقراءة ، وإخفاؤها فيما يخفي فيه .
وقال أبو حنيفة ، ومالك في إحدى الروايتين عنه : يسن إخفاؤها ؛ لأنه دعاء . فاستحب إخفاؤه كالتشهد .
ولنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( آمين ) . ورفع بها صوته ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتأمين عند تأمين الإمام ، فلو لم يجهر به لم يعلق عليه ، كحالة الإخفاء .
وما ذكروه : يبطُل بآخر الفاتحة ، فإنه دعاء ويجهر به ، ودعاء التشهد تابع له . فيتبعه في الإخفاء ، وهذا تابع للقراءة فيتبعها في الجهر ” انتهى من ” المغني ” (2/162) .
وأما محل وضع اليدين في الصلاة حال القيام : فقد اختلف فيه سلفنا الصالح ، فالخلاف فيه واسع .
قال الإمام الترمذي رحمه الله :
” والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والتابعين ومن بعدهم : يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة .
ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة ، وكل ذلك واسع عندهم ” انتهى من ” سنن الترمذي ” (2/33) .
وينظر جواب السؤال رقم : (41675) ، وجواب السؤال رقم : (5770) ، وجواب السؤال رقم : (6109) .
ثانيا :
تبين مما سبق أن :
1 – هذه المسائل من مسائل الخلاف بين أئمة أهل العلم من السلف الصالح ، ومن أخطأ في اجتهاده فيها لا يخرج بذلك إلى حد الابتداع .
2- هذه المسائل متعلقة بسنن الصلاة ، أما صلاة الجماعة الراجح فيها الوجوب ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (120) ؛ فلا يصح التمسك بسنة ، قد تؤدي إلى ترك واجب ؛ فإن عدم الصلاة في هذه المساجد ، مع عدم تيسر غيرها ، قد تعود الإنسان على ترك الجماعة بالجملة ، فالذي ننصحك به أن تصلي معهم ، وإن أدى ذلك لترك بعض السنن .
3- أن تآلف المسلمين ، واجتماعهم ، وتواددهم ، ورفع الشحناء من صدورهم : كل هذا ونحوه ، هو من المقاصد الشرعية الجليلة ، ولو أدى ذلك إلى ترك شيء من نوافل العبادات ، ومستحبات الهيئات ، فما يحصل بهذا الترك من ائتلاف المصلين ، وانتظام جماعتهم وصفوفهم ، أعظم أجرا عند الله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فالصواب أن ما لا يجهر به قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع للإمام أحيانا لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا .
ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب ، واجتماع الكلمة ، خوفا من التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف ، مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم .
وقال ابن مسعود – لما أكمل الصلاة خلف عثمان ، وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال – الخلاف شر؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل ، إلى الجائز المفضول ، مراعاة ائتلاف المأمومين ، أو لتعريفهم السنة ، وأمثال ذلك ، والله أعلم ” (22/436 – 437) .
وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
” هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة ، وعدم رفع اليدين ؟
فأجاب : نعم ، إذا كان بين أناس لا يرفعون ، ولا يجهرون بالتأمين ، فالأولى أن لا يفعل تأليفًا لقلوبهم ، حتى يدعوهم إلى الخير ، وحتى يعلمهم ويرشدهم ، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم ، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا ؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين ، يرون أن عدم رفع اليدين ، فيما عدا تكبيرة الإحرام ، يرون أنه هو الدين ، وعاشوا عليه مع علمائهم .
وهكذا عدم الجهر بالتأمين ، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم ، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين ، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته ، وفي بعضها أنه خفض صوته ، وإن كان الصواب أنه يستحب الـجهر بالتأمين ، وهو شيء مستحب ، ويكون تَركَ أمرًا مستحبًّا ، فلا يفعل مؤمن مستحبًّا يفضي إلى انشقاق وخلاف وفتنة ، بل يترك المؤمن المستحب .. إذا كان يترتب على تركه مصالـح أعظم .
من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة ، وبناءها على قواعد إبراهيم ، قال: لأن قريشًا حديثو عهد بكفر ، ولهذا تركها على حالها ، ولـم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز ” (29/278 – 279) .
فالحاصل : صلاتك معهم في المسجد ومحافظتك على الجماعة مع تركك لهذه السنن ، لا يخرجك هذا عن منهج السلف الصالح ، بل بهذا تكون متبعا لمنهجهم في الدعوة ، وتقديم العمل الفاضل على المفضول .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة