0 / 0

يصلي مع جماعة من الأحناف يلزمونه بعدم الجهر بالتأمين ووضع اليدين تحت السرة

السؤال: 220662

ولدت وترعرعت في السعودية ، لذا فإني أصلي على منهج السلف ، لكن منذ أن انتقلت للعيش في بلدي الأصلي واجهت بعض المشاكل ، لأن المسجد الذي في الجوار حنفي متشدد ، ولا يسمحون لأحد بقول : ” آمين ” بصوت مرتفع ويصرون على رفع اليدين وعلى جعلهما تحت السرة بدلاً من وضعهما على الصدر ، وإذا وجدوا شخصاً خالف ذلك أتوا إليه بعد الصلاة غاضبين وانتقدوه وقالوا إن صلاته لن تقبل ، بل وينتقدون باستمرار ما يطلقون عليه اسم ” اللامذهبية ” ، ويعلنون بمكبرات الصوت أن من أراد أن يرفع صوته بالتأمين فعليه مغادرة المسجد والبحث عن مسجد آخر ليصلي فيه ، وهو أمر حسن بالنسبة لي غير أنه لا يوجد مسجد قريب في الجوار ، فما العمل ؟ هل أصلي مثلهم ؟ أخشى أن يمنعوني من الصلاة في المسجد إن لم أنصع لنصائحهم ، وأخشى أن أنسلخ من السلفية إن عملت بقولهم ، فماذا ترون ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أما بالنسبة للجهر بالتأمين ، فهو من مسائل الخلاف بين أئمة أهل العلم ، وإن كان الراجح هو استحباب الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية .

قال ابن قدامة رحمه الله :
” ويسن أن يجهر به الإمام والمأموم فيما يجهر فيه بالقراءة ، وإخفاؤها فيما يخفي فيه .
وقال أبو حنيفة ، ومالك في إحدى الروايتين عنه : يسن إخفاؤها ؛ لأنه دعاء . فاستحب إخفاؤه كالتشهد .
ولنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( آمين ) . ورفع بها صوته ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتأمين عند تأمين الإمام ، فلو لم يجهر به لم يعلق عليه ، كحالة الإخفاء .
وما ذكروه : يبطُل بآخر الفاتحة ، فإنه دعاء ويجهر به ، ودعاء التشهد تابع له . فيتبعه في الإخفاء ، وهذا تابع للقراءة فيتبعها في الجهر ” انتهى من ” المغني ” (2/162) .

وأما محل وضع اليدين في الصلاة حال القيام : فقد اختلف فيه سلفنا الصالح ، فالخلاف فيه واسع .

قال الإمام الترمذي رحمه الله :
” والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والتابعين ومن بعدهم : يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة .
ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة ، وكل ذلك واسع عندهم ” انتهى من ” سنن الترمذي ” (2/33) .
وينظر جواب السؤال رقم : (41675) ، وجواب السؤال رقم : (5770) ، وجواب السؤال رقم : (6109) .

ثانيا :
تبين مما سبق أن :
1 – هذه المسائل من مسائل الخلاف بين أئمة أهل العلم من السلف الصالح ، ومن أخطأ في اجتهاده فيها لا يخرج بذلك إلى حد الابتداع .
2- هذه المسائل متعلقة بسنن الصلاة ، أما صلاة الجماعة الراجح فيها الوجوب ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (120) ؛ فلا يصح التمسك بسنة ، قد تؤدي إلى ترك واجب ؛ فإن عدم الصلاة في هذه المساجد ، مع عدم تيسر غيرها ، قد تعود الإنسان على ترك الجماعة بالجملة ، فالذي ننصحك به أن تصلي معهم ، وإن أدى ذلك لترك بعض السنن .
3- أن تآلف المسلمين ، واجتماعهم ، وتواددهم ، ورفع الشحناء من صدورهم : كل هذا ونحوه ، هو من المقاصد الشرعية الجليلة ، ولو أدى ذلك إلى ترك شيء من نوافل العبادات ، ومستحبات الهيئات ، فما يحصل بهذا الترك من ائتلاف المصلين ، وانتظام جماعتهم وصفوفهم ، أعظم أجرا عند الله تعالى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فالصواب أن ما لا يجهر به قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع للإمام أحيانا لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا .
ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب ، واجتماع الكلمة ، خوفا من التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف ، مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم .
وقال ابن مسعود – لما أكمل الصلاة خلف عثمان ، وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال – الخلاف شر؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل ، إلى الجائز المفضول ، مراعاة ائتلاف المأمومين ، أو لتعريفهم السنة ، وأمثال ذلك ، والله أعلم ” (22/436 – 437) .

وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
” هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة ، وعدم رفع اليدين ؟
فأجاب : نعم ، إذا كان بين أناس لا يرفعون ، ولا يجهرون بالتأمين ، فالأولى أن لا يفعل تأليفًا لقلوبهم ، حتى يدعوهم إلى الخير ، وحتى يعلمهم ويرشدهم ، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم ، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا ؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين ، يرون أن عدم رفع اليدين ، فيما عدا تكبيرة الإحرام ، يرون أنه هو الدين ، وعاشوا عليه مع علمائهم .
وهكذا عدم الجهر بالتأمين ، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم ، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين ، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته ، وفي بعضها أنه خفض صوته ، وإن كان الصواب أنه يستحب الـجهر بالتأمين ، وهو شيء مستحب ، ويكون تَركَ أمرًا مستحبًّا ، فلا يفعل مؤمن مستحبًّا يفضي إلى انشقاق وخلاف وفتنة ، بل يترك المؤمن المستحب .. إذا كان يترتب على تركه مصالـح أعظم .
من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة ، وبناءها على قواعد إبراهيم ، قال: لأن قريشًا حديثو عهد بكفر ، ولهذا تركها على حالها ، ولـم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز ” (29/278 – 279) .

فالحاصل : صلاتك معهم في المسجد ومحافظتك على الجماعة مع تركك لهذه السنن ، لا يخرجك هذا عن منهج السلف الصالح ، بل بهذا تكون متبعا لمنهجهم في الدعوة ، وتقديم العمل الفاضل على المفضول .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android