0 / 0

حكم الأكل من الطعام الذي يصنعه أهل الميت في العزاء أو الأربعينية

السؤال: 220923

يطبخ الناس عندنا طعاماً خاصاً في اليوم الأربعين لوفاة الميت ، ونحن نعتبر هذا حراماً وبالتالي لا نذهب إلى مثل هذه الوليمة ، إلا أنهم ، أي : جيراننا أصحاب الميت ، أرسلوا الطعام إلى بيتنا وأعطوه لأبنائي ، ولأني لا أتحدث لغتهم ، ولا أريد أن أجرح مشاعرهم ، قمت بأخذه وإعطائه لعمتي أمّ زوجي ، وأخبرتها أنه حرام وأن عليها أن تتخلص منه ، إما بإعطائه للحيوانات ، أو إعادته إلى أصحابه ، فأعطته بدلاً من هذا وذاك لزوجها الذي يقول إن ممارسة هذه العادة حرام أما الطعام فلا ، وبالتالي لا بأس من تناوله . فأريد أن أعرف حكم الطعام نفسه ، هل يجوز أكله أم لا ؟ وإذا كان لا يجوز أكله فماذا نصنع به ؟ وهل يقع عليّ ذنب إن أعطيته لشخص أخر فأكل منه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
السنة أن يبادر الجيران والأقارب والأصدقاء بصنع الطعام وإهدائه لأهل الميت ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال : ( اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ ) رواه الترمذي (998) ، وحسنه ، وأبو داود (3132) ، وابن ماجه (1610) ، وحسنه ابن كثير ، والشيخ الألباني.
قال الإمام الشافعي : " وَأُحِبُّ لِجِيرَانِ الْمَيِّتِ أَوْ ذِي قَرَابَتِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِ يَمُوتُ وَلَيْلَتِهِ طَعَامًا يُشْبِعُهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ ، وَذِكْرٌ كَرِيمٌ ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْخَيْرِ قَبْلَنَا وَبَعْدَنَا ". انتهى من "الأم " (1/317) .
وقال ابن قدامة : " يُسْتَحَبُّ إصْلَاحُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ، يَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ، إعَانَةً لَهُمْ ، وَجَبْرًا لِقُلُوبِهِمْ ؛ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا اشْتَغَلُوا بِمُصِيبَتِهِمْ وَبِمَنْ يَأْتِي إلَيْهِمْ عَنْ إصْلَاحِ طَعَامٍ لَأَنْفُسِهِمْ ". انتهى من "المغني" (3/496) .
وينظر جواب السؤال : (213425) .

 

 

ثانياً :
كره جمهور العلماء لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً لتقديمه للناس ، سواء كان ذلك يوم الموت أو في اليوم الرابع أو العاشر أو الأربعين أو على رأس السنة ، فكل ذلك مذموم .
قال ابن الهمام الحنفي: " وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ ". انتهى من "فتح القدير" (2/142).
وقال الحطَّاب المالكي : " أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا ، وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ : فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَدُّوهُ مِنْ الْبِدَعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَائِمِ ". انتهى من "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (2/228).
وقال النووي : " وَأَمَّا إِصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا ، وَجَمْعُهُمُ النَّاسَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ ". انتهى من "روضة الطالبين" (2/145).
وقال ابن قدامة : " فَأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ : فَمَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ ، وَشُغْلًا لَهُمْ إلَى شُغْلِهِمْ ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ". انتهى من "المغني" (3/ 497).
وقال شيخ الإسلام : " وَأَمَّا صَنْعَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا يَدْعُونَ النَّاسَ إلَيْهِ ، فَهَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِدْعَةٌ ، بَلْ قَدْ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَتَهُمْ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ مِنْ النِّيَاحَةِ ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِهِ طَعَامٌ ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/316) .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (9/ 145) : " أما صنع أهل الميت طعاما للناس واتخاذهم ذلك عادة لهم : فغير معروف فيما نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن خلفائه الراشدين ، بل هو بدعة ، فينبغي تركها ؛ لما فيها من شغل أهل الميت إلى شغلهم ، ولما فيها من التشبه بصنع أهل الجاهلية ، والإعراض عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم ". انتهى .
وقالوا : " أما ما يفعله أهل الميت اليوم من عشاء وأربعينية فلا أصل له ، وإذا أرادوا الصدقة عن الميت بإطعام الطعام فينبغي أن لا يتقيدوا بيوم معين ، ولو تصدقوا على الفقراء بنقود فهو خير لهم ؛ لأنه أبعد عن الرياء وأنفع للفقراء وأبعد عن التشبه بغير المسلمين ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/ 149).

والقول بالكراهة هو الذي عليه مذاهب الأئمة الأربعة ، كما سبق نقل أقوالهم ، وذهب بعض العلماء إلى التحريم .
قال ابن مفلح : " وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ : مَا يُعْجِبُنِي ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا ". انتهى من " الفروع" (3/408).
ويتوجه القول بالتحريم إذا كان ثمن الطعام من أموال اليتامى والقصر .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : " وقد صرح الفقهاء رحمهم الله أنه يكره لأهل الميت صنع الطعام للناس ، وأن هذا طعام المأتم المنهي عنه.
وإن كان الطعام في تركة الميت ، وفي الورثة قصار ، أو غائبون ، أو من لم يرض من الورثة : فهو حرام ؛ لما فيه من التصرف بأموال الغير بدون إذن شرعي" انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/ 232).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي : " فتكليف أهل الميت بصنع الطعام خلاف السنة، وهو إلى البدعة أقرب ، بل قد يكون حراماً إذا كان من أموال اليتامى والقصار كما يفعله بعض الجهال ، حيث يقدمون على تركة الميت التي فيها حق اليتامى والأرامل ، ويأخذون منها الأموال لوضع الفرش والبسط وكلفة العزاء وكأنه حدث عرس ، فيتكلفون في ذلك ويضرون بآل الميت ، فيكون هذا الطعام من أكل أموال اليتامى ظلماً ، والفاعلون لذلك وصفهم الله بأنهم : ( إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) ، نسأل الله السلامة والعافية ". انتهى من "شرح زاد المستقنع " (86/ 15، بترقيم الشاملة آليا) .
وقال: " وأما بالنسبة لصنع الطعام من أهل الميت صدقةً عن موتاهم أو نحو ذلك مما ابتلي به بعض الناس في هذا الزمان فهذا هو الذي قال عنه العلماء : إنه لا يشرع ، وإذا كان من أموال اليتامى فإنه أشد حرمة ، ويجب على الولي أن يضمن المال الذي أنفقه ، فإذا أنفق من مال اليتيم في مثل هذه الأمور فإنه يجب عليه الضمان ؛ لأن اليتيم غير مسئول عن هذا الطعام ، ولا يجوز أن يحمّل ماله هذه النفقة التي لا وجه لها في الشرع ، فيجب على المنفق ضمان المال وعزمه " انتهى من "شرح زاد المستقنع" (86/ 17، بترقيم الشاملة آليا)

ثالثاً :
يستثنى من الكراهة : صنع الطعام لمن ينزل بهم من الضيوف إذا كان صنعه على سبيل الإكرام ، لا بسبب الوفاة .
قال ابن قدامة : " وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ جَازَ ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ " انتهى من "المغني" (3/497).
قال الشيخ ابن باز : " أما إن نزل بأهل الميت ضيوف زمن العزاء : فلا بأس أن يصنعوا لهم الطعام من أجل الضيافة ، كما أنه لا حرج على أهل الميت أن يدعوا من شاؤوا من الجيران والأقارب ليتناولوا معهم ما أهدي لهم من الطعام " انتهى من "فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز" (9/325).
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/ 378) : " وأما صنع الطعام من أهل الميت للناس فهو خلاف السنة ، بل هو منكر… إلا إذا نزل بهم ضيف : فلا بأس " انتهى.
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي : " هنا مسألة عمت بها البلوى ، وهي مسألة الضيف إذا نزل على آل الميت ، فإذا كان هناك ضيف ، خاصةً من القرابات : كأبناء عمٍ أو إخوانٍ نزلوا وجاءوا من سفر ونزلوا على الإنسان ، وهم ضيوف لهم حق الضيافة ، فذبح لهم ، لا لأجل الموت ولا صدقةً على الميت ، بل إكراماً للضيف : فلا حرج ؛ لأن هذا منفكٌ عن أصل مسألتنا ، فليس من العزاء ولا هو متعلق بالعزاء ، وإنما هو من باب إكرام للضيف الذي أمر الله به ورسوله ، فيكرم الضيف ولا حرج ". انتهى من "شرح زاد المستقنع" (86/ 15، بترقيم الشاملة آليا)

رابعاً :
كما يكره لأهل الميت صنع الطعام لمن يقدم لعزائهم ، كذلك يكره الأكل من الطعام الذي أعدوه لهذا السبب ، وإن كان الطعام من مال الورثة الصغار فالأكل منه : حرام .
قال البهوتي : " وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ، أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ : حَرُمَ فِعْلُهُ ، وحَرُمَ الْأَكْلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، أَوْ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ". انتهى من "كشاف القناع" (2/149) .
وقال ابن حجر الهيتمي : " وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ جَعْلِ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِيَدْعُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ ، كَإِجَابَتِهِمْ لِذَلِكَ " انتهى من "تحفة المحتاج" (3/207).
وفي "الفواكه الدواني " (1/285) : " وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي صَنَعَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ بَالِغًا رَشِيدًا : فَلَا حَرَجَ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ ".
وفي "الموسوعة الفقهية" (16/ 44) : " وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الضِّيَافَةُ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ ؛ لأِنَّهَا شُرِعَتْ فِي السُّرُورِ ، لاَ فِي الشُّرُورِ… وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الأْكْل مِنْ طَعَامِ أَهْل الْمَيِّتِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ : حُرِّمَ فِعْلُهُ ، وَالأْكْل مِنْهُ .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ ، بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَهْيِئَةُ الطَّعَامِ لِنَائِحَاتٍ ؛ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ فِي أَيَّامٍ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهَا كَالْيَوْمِ الأْوَّل ، وَالثَّالِثِ ، وَبَعْدَ الأْسْبُوعِ " انتهى .

والحاصل :
أن صنع أهل الميت الطعام لمن ينزل بهم معزياً : مكروه ، ويكره لمن حضر للعزاء : الأكلُ من هذا الطعام ، بل يحرم إن كان مصنوعاً من أموال اليتامى والصغار .
وأما الطعام الذي أهدي لك من أهل الميت : فكان ينبغي عليك نصحهم وعدم قبوله زجراً لهم عن العودة لمثل هذا الفعل ، وبما أنك قد قبلته فلا حرج عليك من الأكل منه أو التصدق به على من يحتاجه ؛ لأن هذا الطعام – وإن كان يكره صنعه – ليس محرماً لذاته ، فليس هو ميتة ، ولا نحوها من المحرمات ؛ وإنما كره لأجل ما ذكر من العادة المبتدعة ؛ فأما من أهدي إليه : فلم يشارك في البدعة المذكورة .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android