ما حكم الحيوانات التي تتغذى على النجاسات ؟
السؤال: 221752
ما حكم الحيوانات التي تتغذى على النجاسات ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
الحيوان الذي يتغذى على النجاسات ، يسمى عند الفقهاء بـ ” الجلَّالة ” .
وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ ) رواه الترمذي (1825) وصححه ،
وكذلك صححه النووي ، وقال ابن حجر في ” الفتح ” (9/649) : ” على شرط البخاري ” ،
وصححه الألباني .
وعَنْ ابن عمر رضي الله
عنهما قال : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
أَكْلِ الْجَلَّالَةِ ، وَأَلْبَانِهَا ) رواه الترمذي (1824) ، وصححه الألباني في
” صحيح سنن الترمذي ” .
وعَنْ عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى
يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَعَنْ الْجَلَّالَةِ ،
وَعَنْ رُكُوبِهَا ، وَعَنْ أَكْلِ لَحْمِهَا ) رواه النسائي (4447) وحسنه ابن حجر
في ” الفتح ” (9/648) ، وكذا حسنه الألباني في ” صحيح سنن النسائي ” .
ومن هذه الأحاديث يتبين لنا
أن المنهي عنه ثلاثة أمور : أكل لحم الجلالة ، وشرب لبنها ، وركوبها .
ويلحق بها : بيضها ، عند جمهور العلماء ، ينظر : ” الإنصاف ” (10/366) ، ” الموسوعة
الفقهية ” (8/266) .
والْجَلالَة هِيَ الَّتِي
تَأْكُل الجِلَّة ، والجلة : البَعر . ينظر : ” غريب الحديث ” للقاسم بن سلام
(1/78) ، و ” غريب الحديث ” لابن قتيبة (1/276) .
وقال أبو داود رحمه الله : ”
الْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ ” انتهى من ” السنن ” (3719) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله
: ” الْجَلَّالَةُ : مَا أَكَلَتِ الْعَذِرَةَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ” انتهى
من ” مسائل الإمام أحمد ” رواية أبي داود (ص/ـ345) .
فالجلالة : اسم يشمل أي
حيوان يتغذى على النجاسات ، سواء كان من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو الدجاج ،
أو الإوز ، أو غيرها من الحيوانات المأكولة .
قال النووي رحمه الله : ”
وَتَكون الْجَلالَة : بَعِيرًا ، وبقرةً ، وشَاةً ، ودجاجةً ، وإوزة ، وَغَيرهَا ”
انتهى من ” تحرير ألفاظ التنبيه ” (ص/170) .
ثانياً :
الحيوان الذي يتغذى على النجاسات له أحوال :
الأولى : أن يكون تغذيه عليها قليلا ، وأغلب طعامه من الطيبات ، فهذا لا يشمله حكم
الجلالة .
قال الخطابي رحمه الله : ”
فأما إذا رعت الكلأ ، واعتلفت الحَبَّ ، وكانت تنال مع ذلك شيئاً من الجِلَّة ،
فليست بجلالة ، وإنما هي كالدجاج ونحوها من الحيوان الذي ربما نال الشيء منها ،
وغالب غذائه وعلفه من غيرها : فلا يكره أكله ” انتهى من ” معالم السنن ” (4/244) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : ” فإذا كانت تأكل الطيب والقبيح ، وأكثر علفها الطيب ، فإنها ليست جلالة ،
بل هي مباحة ، ومن هذا ما يفعله بعض أرباب الدواجن يعطونها من الدم المسفوح من أجل
تقويتها أو تنميتها فلا تحرم بهذا ولا تكره ؛ لأنه إذا كان الأكثر هو الطيب ،
فالحكم للأكثر ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (6/434) .
الثانية : أن يكون أكثر
طعامه من النجاسات ، ويظهر تأثير ذلك على الحيوان في نتن لحمه ورائحته ، فهذا يشمله
النهي ، فلا يجوز أكل لحمه وبيضه ، ولا شرب لبنه ، ولا ركوبه .
قال الكاساني رحمه الله : ”
إنَّمَا تَكُونُ جَلَّالَةً إذَا تَغَيَّرَتْ وَوُجِدَ مِنْهَا رِيحٌ مُنْتِنَةٌ ،
فَهِيَ الْجَلَّالَةُ حِينَئِذٍ ، لَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا ، وَلَا يُؤْكَلُ
لَحْمُهَا ” انتهى من ” بدائع الصنائع ” (5/40) .
وقال الإمام إبراهيم الحربي
: ” وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ أَلْبَانِهَا , لِأَنَّ آكِلَهُ يَجِدُ فِيهِ طَعْمَ
مَا أَكَلَتْ ، وَكَذَلِكَ فِي لُحُومِهَا , وَنُهِيَ عَنْ رُكُوبِهَا , لِأَنَّهَا
تَعْرَقُ , فَتُوجَدُ رَائِحَتُهُ فِي عَرَقِهَا , وَرَاكِبُهَا لَا يَخْلُو أَنْ
يُصِيبَهُ ذَلِكَ , أَوْ يَجِدَ رَائِحَتَهُ , فَإِنْ تَحَفَّظَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ
رُكُوبُهَا , وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ أَلْبَانِهَا ، وَلَا أَكْلُ لُحُومِهَا إِلَّا
أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا يُزِيلُهَا ” انتهى من ” غريب الحديث ” (1/115) .
الثالثة : أن يكون أكثر
طعامه من النجاسات ، ولكن لا يظهر تأثير ذلك على الحيوان في لحمه ورائحته ، فهل يعد
جلالة أم لا ؟
مذهب الحنابلة : أنه يعد جلالة ؛ لأن الجلالة عندهم هي الحيوان الذي أكثر طعامه من
النجاسات ، سواء ظهر أثر ذلك على لحم الحيوان ورائحته أم لا .
قال ابن قدامة رحمه الله : ”
فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ ، حُرُمَ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا ،
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا الطَّاهِرَ ، لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا وَلَا
لَبَنُهَا ” انتهى من ” المغني ” (9/413) .
وأما الحنفية والشافعية :
فلم يعدوها من الجلالة ؛ لأن شرط الجلالة أن يظهر تأثير أكلها للنجاسات في لحمها
ورائحتها .
قال السرخسي رحمه الله : ” وَتَفْسِيرُ الْجَلَّالَةِ : الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ
الْجِيَفِ .. فَيَتَغَيَّر لَحْمُهَا ، وَيَكُونُ لَحْمُهَا مُنْتِنًا فَحَرُمَ
الْأَكْلُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ … وَأَمَّا مَا يَخْلِطُ فَيَتَنَاوَلُ
الْجِيَفَ وَغَيْرَ الْجِيَفِ عَلَى وَجْهٍ لا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ مِنْ
لَحْمِهِ ، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ ” انتهى من ” المبسوط ” (11/255) .
وقال النووي رحمه الله : ”
لَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالرَّائِحَةِ
وَالنَّتْنِ ، فَإِنْ وُجِدَ فِي عَرَقِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ
فَجَلَّالَةٌ ، وَإِلَّا فَلَا ” انتهى من ” المجموع شرح المهذب ” (9/28) .
وقال أبو المعالي الجويني
رحمه الله : ” لا تعويل على الاستكثار من النجاسة والاستقلال منها ، وإنما التعويل
على ظهور الرائحة ، وذلك يَبِينُ عند الذبح ” انتهى من ” نهاية المطلب ” (18/214) .
ومما يقوي هذا القول : أن
النجاسة التي تستحيل [ أي : تتحول إلى مادة أخرى ] لا حكم لها ، وإنما يكون لها
اعتبار إذا ظهر أثرها ، وقد سبق في جواب السؤال : (131185)
بيان أن النباتات والمزروعات التي تتغذى على النجاسات لا حرج فيها ؛ لأنها قد
طَهُرت باستحالتها إلى غذاءٍ طيب تغذَّت به الشجرة إلا أن يظهر أثر النجاسة في الحب
والثمر ، وكلا الأمرين من باب واحد .
قال البيهقي رحمه الله : ”
وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْجَلَّالَةِ ، وَمَا قَالَ فِيهَا
أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا : إِذَا ظَهَرَ رِيحُ الْقَذَرِ فِي
لَحْمِهَا ” انتهى من ” شعب الإيمان ” (7/429) .
وقال الشيخ خالد المشيقح
حفظه الله : ” فالصواب في هذه المسألة أنه إذا كان للنجاسة أثر في طعم اللحم أو
رائحته ، أو اللبن ، أو يسبب أمراضاً ، ونحو ذلك ، فإنه محرم ، وأما إذا لم يكن لها
أثر فإنه جائز ؛ لأن النجاسات تطهر بالاستحالة ، وهذه الأشياء قد استحالت إلى دم ،
ولحم ، وحليب ، ونحو ذلك ، هذا هو الصواب الأقرب من قولي العلماء رحمهم الله فيما
يتعلق بالجلالة ” انتهى من ” فتاوى الشيخ خالد المشيقح ” (1/89) .
ثالثاً :
الجلالة لا يحل أكل لحمها حتى تزول منها آثار النتن والخبث ، وذلك بحبسها ، وعلفها
طعاماً طيباً طاهراً .
قال ابن قدامة رحمه الله : ”
وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِحَبْسِهَا اتِّفَاقًا ” انتهى من ” المغني ” (9/414) .
وقال النووي : ” وَلَوْ
حُبِسَتْ بَعْدَ ظُهُورِ النَّتْنِ ، وَعُلِفَتْ شَيْئًا طَاهِرًا ، فَزَالَتْ
الرَّائِحَةُ ، ثُمَّ ذُبِحَتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا قَطْعًا .
وَلَيْسَ لِلْقَدْرِ الَّذِي تُعْلفُهُ مِنْ حَدٍّ ، وَلَا لِزَمَانِهِ مِنْ ضَبْطٍ
، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يُعْلَمُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّ
رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِهِ .
وَلَوْ لَمْ تُعْلَفْ لَمْ يَزُلْ الْمَنْعُ بِغَسْلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ ،
وَلَا بِالطَّبْخِ وَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ بِهِ ” انتهى من ” المجموع ” (9/
29) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله : ” فَإِذَا حُبِسَتْ حَتَّى تَطِيبَ كَانَتْ حَلَالًا بِاتِّفَاقِ
الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي
لَبَنِهَا وَبَيْضِهَا وَعَرَقِهَا ، فَيَظْهَرُ نَتْنُ النَّجَاسَةِ وَخُبْثُهَا ،
فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ طَاهِرَةً ، فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةِ
زَالَ بِزَوَالِهَا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21/618) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه
الله : ” وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ : زَوَالُ رَائِحَةِ
النَّجَاسَةِ بَعْدَ أَنْ تُعْلَفَ بِالشَّيْءِ الطَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيحِ ”
انتهى من ” فتح الباري ” (9/648) .
ومن العلماء من وَقَّت
لحبسها قدرا معيناً ، ففِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أربعين يَوْمًا ، وَفِي الْغَنَمِ
سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَفِي الدَّجَاجِ ثَلَاثَة .
وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ
الْجَلَّالَةَ ثَلَاثًا ، انتهى من ” مصنف ابن أبي شيبة ” (5/148) ، وسنده صحيح كما
قال الحافظ في ” الفتح ” (9/648) .
رابعاً:
هل أكل لحم الجلالة محرم أم مكروه ؟
مذهب الحنابلة : تحريم أكل لحمها وبيضها وشرب لبنها ، وكراهة ركوبها . ينظر : ”
الإنصاف ” (10/356) ، ” شرح منتهى الإرادات ” (3/411) .
ومذهب الحنفية والشافعية
ورواية عن أحمد : كراهة الأكل والشرب والركوب . ينظر: ” بدائع الصنائع ” (5/40) ، ”
مغني المحتاج ” (4/304) .
قال الخطابي رحمه الله : ” كُرِهَ أكلُ لحومها وألبانها تنزهاً وتنظفاً ، وذلك أنها
إذا اغتذت بها وُجِدَ نتنُ رائحتها في لحومها ” انتهى من ” معالم السنن ” (4/ 244)
.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه
الله : ” وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ
: إِلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ ، وَبِهِ جَزَمَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنِ
الْفُقَهَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ
وَالْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ
وَأَلْحَقُوا بِلَبَنِهَا وَلَحْمِهَا : بَيْضَهَا ” انتهى من ” فتح الباري ”
(9/648) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : ” فالنهي فيها عن الركوب للتنزيه ، وأما عن الأكل فهو إما كراهة تنزيه وإما
كراهة تحريم على خلاف بين العلماء في ذلك ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (6/435)
.
والحاصل :
أن الجلَّالة هي الحيوان الذي يتغذى على النجاسات ، ويظهر أثر النجاسة عليه ، فلا
يجوز في هذه الحال أكل لحمه ولا بيضه ولا شرب لبنه .
والله أعلم .
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة