0 / 0
127,74912/01/2015

هل يعفى عن النجاسة اليسيرة؟

السؤال: 221756

هل يعفى عن النجاسة اليسيرة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يعفى عن شيء من النجاسات إلا يسير الدم والقيح ، لأن الأدلة لم تفرق بين كثير النجاسة وقليلها .
قال ابن قدامة : ” وَلَا فَرْقَ بَيْنَ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهَا ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَسِيرُ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ [أي : يراه الإنسان بعينه] أَوْ لَا يُدْرِكُهُ مِنْ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ … وَقِيلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ : إنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ مِنْ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ؛ لِلْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِهِ ” انتهى من “المغني” (1/ 46).
وهو اختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، فقد قالوا : ” النجاسة من غير الدم والقيح والصديد لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها.
أما الدم والقيح والصديد فيعفى عن اليسير منها إذا كان خروجاً من غير الفرج ؛ لأن في الاحتراز من قليلها مشقةً وحرجاً ، وقد قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، وقال: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (5/396) برئاسة الشيخ ابن باز.
وذهب الحنفية إلى العفو عن يسير جميع النجاسات ، كالدم والبول وغيرهما . ينظر: “الاختيار” (1/31).
لأن اليسير من النجاسات يشق التحرز منه ، فعفي عنه ، كرشاش البول اليسير الذي لا يدركه الطرف إذا أصاب الثوب أو البدن.
قال ابن المنذر : ” وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ الْيَسِيرِ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ يُصِيبُ الثَّوْبَ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَجِبُ غَسْلُ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ.
وقال مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (صاحب أبي حنيفة) لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ …
وَقَدْ .. قِيلَ لِمِسْعَرٍ: إِنَّ أَبَا يُوسُفَ (صاحب أبي حنيفة الثاني) يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ إِذَا كَانَ مِثْلَ عَيْنِ الْجَرَادِ وَرُءُوسِ الْإِبَرِ ، فَجَعَلَ يَسْتَحْسِنُهُ ” انتهى من “الأوسط” (2/138).
ويدل على العفو عن هذا اليسير من الرذاذ ، ما رواه مسلم (403) عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ ، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ [ خوفًا من أن يصيبه شيء من رشاشه ] ، وَيَقُولُ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمَقَارِيضِ .
فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى ، فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ .
قال النووي : ” مَقْصُود حُذَيْفَة أَنَّ هَذَا التَّشْدِيد خِلَاف السُّنَّة ; فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا ، وَلَا شَكّ فِي كَوْن الْقَائِم مُعَرَّضًا لِلرَّشِيشِ ، وَلَمْ يَلْتَفِت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَال ، وَلَمْ يَتَكَلَّف الْبَوْل فِي قَارُورَة كَمَا فَعَلَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (3/167) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ ، حَتَّى بَعْر فَأْرَةٍ ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَطْعِمَةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّارِعِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ ، .. وَمَا تَطَايَرَ مِنْ غُبَارِ السِّرْجِينِ (هو الروث النجس) وَنَحْوِهِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ : عُفِيَ عَنْهُ “. انتهى من “الفتاوى الكبرى” (5/ 313).
وقال الكاساني الحنفي: ” وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّجَاسَةِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، فَإِنَّ الذُّبَابَ يَقَعْنَ عَلَى النَّجَاسَةِ ، ثُمَّ يَقَعْنَ عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عَفْوًا لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ ” انتهى من ” بدائع الصنائع” (1/79) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : ” والصَّحيح : ما ذهب إِليه أبو حنيفة ، وشيخ الإِسلام … ومن يسير النَّجاسات التي يُعْفَى عنها لمشَقَّةِ التَّحرُّز منه : يسير سَلَسِ البول لمن ابتُلي به ، وتَحفَّظ تحفُّظاً كثيراً قدر استطاعته ” انتهى من “الشرح الممتع” (1/ 447).
وهذا القول هو الموافق ليسر الشريعة الإسلامية ، غير أن الأحوط للمسلم أن يتطهر من جميع النجاسات كثيرها ويسيرها ، خروجاً من الخلاف وطلباً للبراءة والسلامة ، وخصوصا لفعل الصلاة.
قال ابن عبد البر : ” الِاحْتِيَاطَ لِلصَّلَاةِ وَاجِبٌ ، وَلَيْسَ الْمَرْءُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا إِلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ ، وَبَدَنٍ طَاهِرٍ مِنَ النَّجَاسَةِ ، وَمَوْضِعٍ طَاهِرٍ عَلَى حُدُودِهَا ، فَلْيَنْظُرِ الْمُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ وَيَجْتَهِدْ ” انتهى من ” التمهيد ” (22/241).
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android