كيف كان الحرير يصنع أيام الرسول صلى الله عليه وسلم فصنع الحرير يتطلب في يومنا الحالي يتطلب غلي ما يقارب 300 دودة قز لصنع باوند واحد من الحرير فقط ، وفي الإسلام يحرم حرق الحيوانات ، وبالتالي كيف يجوز امتلاك الحرير والجلد لأغراض الزينة ؟
إنتاج الحرير بإلقاء شرانق دود الحرير في الماء الساخن
السؤال: 221843
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
لم يكن الحرير ينتج ولا يصنع في مكة ولا المدينة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان الناس يشترونه من البلاد المحيطة بهم .
قال الأستاذ جواد علي رحمه الله :
” كان الأغنياء وسادات القبائل يلبسون الألبسة المنسوجة من الحرير ، وهي ثمينة غالية ، يستوردونها من الخارج ، وينسج بعض منها في اليمن ” انتهى من ” المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ” (7/605) .
ولأخذ خيوط الحرير سليمة لابد من قتل اليرقة قبل أن تخرج من الشرنقة ، لأنها إن خرجت مزقت خيوط الحرير .
جاء في ” الموسوعة العربية العالمية ” (9/312-313) .
” بعد اكتمال نمو دودة الحرير ، تتوقف عن الأكل وتستعد لنسج الغلاف الخارجي للشرنقة وهي الحرير ، لعمل ذلك تقوم الدودة بتحريك رأسها من جانب إلى آخر في مجموعات من الحركات ، كما تقوم غدتان بالقرب من الفك السفلي للدودة بإفراز سائل يتجمد عل شكل خيوط حريرية رفيعة عند ملامسته للهواء ، وفي نفس الوقت ، تقوم الدودة بإفراز مادة صمغية تسمى سرسيون ، ويعمل السرسيون الناتج على لصق خيطي الحرير معا .
وبعد حوالي ثلاثة أيام من النسج ، تكتمل الشرنقة . وبعد ذلك تتحول الدودة إلى يرقة وهي المرحلة الثالثة من دورة حياة دودة القز . وإذا سمح لليرقة بالاستمرار في الحياة ، فإن اليرقة تتحول إلى عثة ، وعند تحول اليرقة إلى عثة ، فإنها تخرق الشرنقة وتقطع خيوط الحرير الطويلة إلى قطع قصيرة وكثيرة ، ولإنقاذ الحرير تقتل اليرقات قبل خروجها من الشرنقة ” انتهى .
و ” لتفكيك خيوط الحرير من الشرنقة ولفها ، يتم نقع الشرانق في حمامات ماء ساخن لإزالة السرسيون الصمغي الذي يمسك الخيوط بعضها ببعض . وتفكيك الخيوط من عدة شرانق في نفس الوقت ، لأن الخيط يكون رفيعا جدا لدرجة يصعب لفها على حدة . ومع غمس الشرانق في حمام الماء الساخن ، يتم سحب شعيراتها معا ولفها حول بكرات … ” انتهى .
فقتل اليرقات بالماء الساخن القصد منه الحفاظ على خيوط الحرير من التلف والتقطيع . وفي الوقت ذاته فإن الماء الساخن يزيل المادة الصمغية التي على الحرير .
ثانياً :
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الحيوانات بالنار .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ” بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ ، فَقَالَ : ( إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حِينَ أَرَدْنَا الخُرُوجَ : ( إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا ) رواه البخاري (3016) .
قال النووي رحمه الله :
” وأما في شرعنا ، فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان” انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (14/239) .
وهذا النهي إنما هو عند عدم الحاجة لحرق الحيوان بالنار ، فإذا وجدت الحاجة كان ذلك مباحا ، ولذلك أجاز الحنابلة قلي الجراد وشيه حيا ، للحاجة إلى ذلك ” وإن كان فيهما تعذيب ، لأنه تعذيب للحاجة ، فإن حياته قد تطول فيشق انتظار موته ” انتهى من ” الموسوعة الفقهية ” (5/142) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ثم إنه ينبغي أن نعرف أنه ليس استعمال النار محرماً في كل حال بل إنما يكون إذا قصد به التعذيب يعني أن يعذب الإنسان الحيوان بالنار هذا هو المحرم ، وأما إذا قصد إتلاف المؤذي ولا طريق إلى إتلافه إلا بالإحراق فإن هذا لا يعد تعذيباً بالنار بل إنما هو قتل بالنار ، ففرق بين التعذيب الذي يقصد به إيلام الحيوان والعنت عليه والمشقة وبين إتلاف الحيوان بطريق لا نتوصل إليه إلا بالنار ، ولهذا في قصة نبي من الأنبياء أنه لسعته نملة فأمر أن تحرق قرية النمل كلها فأوحى الله إليه : ( هلا نملة واحدة ) . يعني : هلا أحرقت نملة واحدة ، وهذا دليل على أنه إذا لم نتوصل إلى الخلاص من أذية بعض الحيوان إلا بالنار فإن ذلك لا بأس به ، وها هو الجراد يؤخذ ويشوى بالنار ويؤكل كما جاء ذلك عن السلف ولا ريب أن شيه بالنار هو إتلاف له عن طريق النار ، والذي لا يحرق بالنار أي لا يشوى بها هو يغمس في الماء الذي يغلي حتى ينضج ويؤكل ، فالمهم أنه يجب علينا أن نعرف الفرق بين كوننا لا نتوصل إلى دفع أذية الحشرة أو الحيوان إلا بالنار أو لا نتوصل إلى الانتفاع به إلا عن طريق النار كما في شي الجراد وغمسه بالماء الحار وبين أن نتخذ النار وسيلة تعذيب لهذا الحيوان ، والمحرم إنما هو تعذيب الحيوان بالنار لا الوصول إلا الغاية منه أو التخلص منه عن طريق النار إذا كان لا يمكن التوصل إلا بها ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” لابن عثيمين .
وإلقاء الشرنقة في الماء الساخن لا يقصد منه تعذيب الحيوان ولا العبث بقتله ، وإنما يقصد بذلك الانتفاع بالحرير وأخذه سليما ، فهذا الفعل جائز لا حرج فيه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب