0 / 0

أهل الحديث هم أهل الأخلاق الفاضلة

السؤال: 221892

أهل الحديث هنا في الهند وقحون جداً ، ويتصرفون كما لو أنهم قد ضمنوا جنة الله ، إنهم ليسوا كأهل السنة ، إنهم يرفضون التقليد والفقه ،إذا كانوا على حق فما بالهم يتصرفون هكذا ؟!

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الواجب على المسلمين عامة ، وطلبة العلم والمنتسبين إلى السنة والحديث خاصة ، أن يتزينوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، فتلك حليتهم التي يرتفعون بها عند الله ، وينالون بها مراتب الجنان ، لا بالانتساب اللفظي إلى أهل الحديث ، ولا بالانتساب الشكلي إلى أهل العلم والفقه ، فكل هذه العلوم إنما هي وسائل لتحقيق العبودية لله سبحانه ، وأعظم العبودية أن تراقب الله تعالى في معاملتك لخلقه ، فتحسن إليهم ، وتشفق عليهم ، وتتواضع لهم ، وتتجنب الاستطالة عليهم ، حتى لو اعتقدت أنك على الحق والسنة ، وغيرك على المعصية والبدعة ، فليس ذلك بمجيز لك أن لا تعاملهم بما أمرك الله عز وجل به ، قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125، وقال سبحانه : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ) المؤمنون/96، وقال جل وعلا : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/34-35، وقال عليه الصلاة والسلام : ( خالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي (1987) وحسنه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
وهذا ما امتثله أصحاب الحديث الأوائل ، فقال ابن سيرين رحمه الله : كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم ، وقال الحسن البصري : إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين ، وقال أيضا : كان طالب العلم يرى ذلك في سمعه وبصره وتخشعه ، وقال مخلد بن الحسين لابن المبارك : نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث ، وكان الليث بن سعد كثيرا ما يقول لأصحاب الحديث : تعلموا الحلم قبل العلم ، انظر هذه الآثار وغيرها في كتاب ” تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ” لابن جماعة .
وقد جعل المحققون من أهل الحديث والسنة الأخلاق الفاضلة في صلب تعريف أهل السنة ، وفي أركان مذهبهم ومنهجهم . فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في خواتم العقيدة الواسطية :
” ثم هم مع هذه الأصول يدينون بالنصيحة للأمة ، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ) وقوله : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )، ويأمرون بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بمر القضاء ، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ويعتقدون معنى قوله : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا )، ويندبون إلى أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ؛ ويأمرون ببر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وحسن الجوار ، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك ؛ وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي ، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ؛ ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها ” .
انتهى باختصار من ” مجموع الفتاوى ” (3/ 159) .
ويقول أيضا رحمه الله :
” نحن لا نعني بـأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته ، بل نعني بهم : كل من كان أحق بحفظه ، ومعرفته ، وفهمه ظاهراً أو باطناً ، واتباعه باطناً وظاهراً ، وكذلك أهل القرآن .
وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث ، والبحث عنهما وعن معانيهما ، والعمل بما علموه من موجبهما ، ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم ، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم ، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم ، وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم .
وأهل العلم فكانوا يقولون : هم الأبدال ؛ لأنهم أبدال الأنبياء ، وقائمون مقامهم حقيقة ، ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة ، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه: هذا في العلم والمقال ، وهذا في العبادة والحال ، وهذا في الأمرين جميعاً . وكانوا يقولون : هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ، الظاهرون على الحق ؛ لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم . وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله ، وكفى بالله شهيداً ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (4/95-97) .
هذه هي أخلاق أهل الحديث الذين عرفهم علماؤنا عبر التاريخ ، وصنفوا المصنفات الكبار في بيان معتقدهم وصفاتهم وأخلاقهم ، ومن أجمل ما قالوه أيضا في ذلك ما جاء في كتاب ” المحدث الفاصل ” (ص/1-4) للإمام الرامهرمزي رحمه الله (ت360هـ) حيث يقول :
” اعترضت طائفةٌ ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله ، فقالوا بتنقص أصحاب الحديث والإزراء بهم ، وأسرفوا في ذمهم والتقوّل عليهم ، وقد شرّف الله الحديث وفضّل أهلَه ، وأعلى منزلته ، وحكمه على كل نحلة ، وقدّمه على كل علم ، ورفع من ذكر من حمله وعني به ؛ فهم بيضة الدين ، ومنار الحجة ، وكيف لا يستوجبون الفضيلة ، ولا يستحقون الرتبة الرفيعة ، وهم الذين حفظوا على الأمة هذا الدين ، وأخبروا عن أنباء التنزيل ، وأثبتوا ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وما عظمه الله عز وجل به من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنقلوا شرائعه ، ودوّنوا مشاهده ، وصنفوا أعلامه ودلائله ، وحقّقوا مناقب عترته ، ومآثر آبائه وعشيرته ، وجاءوا بسير الأنبياء ، ومقامات الأولياء ، وأخبار الشهداء والصديقين ، وعبروا عن جميع فعل النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وحضره ، وظعنه وإقامته ، وسائر أحواله من منامٍ ويقظة ، وإشارة وتصريح وصمت ونطق ، ونهوض وقعود ، ومأكل ومشرب ، وملبس ومركب ، وما كان سبيله في حال الرضا والسخط والإنكار والقبول ، حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها ، والنخاعة من فيه أين كان وجهتها ، وما كان يقوله عند كل فعل يحدثه ويفعله ، وعند كل موقف ومشهد يشهده ، تعظيمـًا له صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة بأقدار ما ذكر عنه ، وأسند إليه ؛ فمن عرف للإسلام حقّه وأوجب للرسول حرمته أكبر أن يحتقر من عظم الله شأنه ، وأعلى مكانه ، وأظهر حجته ، وأبان فضيلته ، ولم يرتق بطعنه إلى حزب الرسول وأتباع الوحى وأوعية الدين ونقلة الأحكام والقرآن الذين ذكرهم الله عز وجل في التنزيل فقال : ( والذين اتبعوهم بإحسان ) فإنك إذا أردت التوصل إلى معرفة هذا القرن لم يذكرهم لك إلا راو للحديث متحقق به ، أو داخل في حيز أهله ، ومَن سوى ذلك فربك بهم أعلم ” انتهى .
ونحن بهذا ندعو أنفسنا وجميع المسلمين ، ومنهم السائل المكرم ، ومن وصفهم أيضا في سؤاله، ومن اتهمهم من المنتسبين إلى أهل الحديث ، ندعو الجميع أن يتحلى بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي النجاة لنا جميعا ، وهي الاختبار الحقيقي لمن يدعي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ، كما قال سبحانه وتعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/31.
كما ندعو السائل الكريم إلى الحذر من الميل في الحكم على من يخالفه ، أو يشاحنه ، بل الذي عليه ، كما على كل مسلم ، أن يتحلى بالإنصاف في أمره كله ، ولو مع عدوه ، فضلا عن أن يكون أخاه في الدين ، ولو خالفه في أمر من أمره ؛ قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8 .
وليحذر من سعي الشيطان الحثيث ، وكيده ، لإيقاع العداوة والشحناء بين المؤمنين ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) رواه مسلم (2812) .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى !! قَالَ : صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) رواه الترمذي (2509) وقال : هذا حديث صحيح ، وصححه الألباني “صحيح وضعيف الترمذي” (2509) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android