0 / 0

مسلمة جديدة تشك في وجوب لبس الحجاب في الصلاة

السؤال: 222000

اعتنقت الإسلام حديثا ، وأريد معرفة ما هو اللباس الذي يجب على المسلمة التزامه في الصلاة ، فأنا لم أجد أي آية تنص على لبس الحجاب في الصلاة ، فهل تصح صلاتي إن صليت دون أن ألبس الحجاب ، أو مع كشف جزء من جسمي ، مع العلم أنني ملتزمة بالحجاب ، ولكن أود معرفة السبب في فرض الحجاب على المرأة في الصلاة بالرغم من انتفاء الفتنة ، فلا يوجد أحد يراني غير الله في الصلاة ، كما أنني لن يلف جسمي إلا الكفن بعد وفاتي ، وسوف أبعث عارية ، وسوف أقف أمام الله عارية يوم القيامة ، فكيف يجوز ذلك في كل هذه المواقف ولا يجوز في الصلاة . كما أن الله هو البصير ، وهو يرى كل شيء ، وبالتالي فهو يراني عارية في الدنيا أيضاً ، فما الداعي للحجاب ؟ أليس من المفترض أن تكون الصلاة سهلة ! فمسألة لبس الحجاب في الصلاة بدأ يؤثر على إيماني ، ودفعني لعدم الصلاة منذ مدة ، ولا زلت لم أجد الإجابة لهذه الأسئلة . فأنا أريد الصلاة في ملابس النوم ، وهي عبارة عن بنطال وتي شيرت ، ولكنني أخشى أن يحدث شيء سيء لي إن لم أرتد الحجاب ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بداية نهنئك على نعمة الإسلام والإيمان ، ونسأل الله تعالى لك السعادة والتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة .
ثم اعلمي أن العاقل هو الذي يتأمل بعدل وإنصاف ، ويتفكر بموضوعية تراعي جميع جوانب الموضوع الذي يبحثه ، كي لا يكون عرضة للتناقض والتعارض ، فيتشكك اليوم عن سبب الأمر بالستر في الصلاة ، ولو كانت السنة التكشف لسارع بالشك والوسواس والتساؤل عن سبب التكشف أيضا ، فهو حين تأمر الشريعة بالستر يعترض ، وحين تأمر بالستر يعترض ، وهكذا فإن أحاديث النفس المضطربة كثيرا ما تصلنا عبر هذا الموقع من كثير من الناس ، في دوامة لا نهاية لها سوى قطع السبيل على الشيطان ؛ ألا يفسد على المرء دينه ودنياه .
والناس جميعا يدركون أن أمر اللباس يختلف بحسب المقام ، فمقام العمل الرسمي أو الزيارة الرسمية ليس كمقام الرحلة أو المنزل ، ومقام الإنسان في الدنيا ليس كمقامه في قبره تحت التراب ، ومن يقيس هذه الأحوال على بعضها يخالف العقل السليم ، ويضرب المعايير المتزنة ببعضها بطريقة خاطئة ، ليس فيها من شرائط القياس العقلي ولا الشرعي شيء !!
تماما كما تريدين أن تقيسي في سؤالك مقامك بين يدي الله في الصلاة على حالك في القبر أو عند الحشر ، أو على حالك في لباس البيت أو النوم !! وليس ذلك فحسب ، بل ترين أن هذا القياس الباطل معضلة المعضلات ، وإحدى الكوارث التي تملكت عليك عقلك ، حتى بدأت الشكوك تتسلل إلى قلبك ، علامة على ضعف نفسي وفكري نادر ، يحتاج منك وقفات كي لا يؤثر في دنياك ، قبل آخرتك .
حسنا ، إن أردت القياس فأي الأحوال ستختارين ؟
هل ستصلين عارية تماما ، كما ولدتك أمك ، على هيئة الحشر يوم القيامة ؟
أم ستصلين في "كفن" ، وأنت في الدنيا ، كما يلف الميت في "كفنه" ؟
إن الحالة التي تريدينها : لا هي بالتي شرعها الله ، ولا هي تشبه حالة الميت في قبره ، ولا هي تشبه حالة الناس في حشرهم ؛ فلا أنت أعطيت القياس حقه ، ولا أنت وفيت للشرع بأمره !!
واسمحي لنا أن نقول إن سبب ذلك كله : لا شيء . لا شيء يستحق كل هذا التفكير ، ولا شيء يستحق كل هذه الشكوك ، الأمر أهون من ذلك ، ولو سألت أي عاقل عن الحكمة التي يتلمسها في تستر المسلم والمسلمة عند الصلاة ، لما تردد أن يقول لك إنه مراعاة لكمال الأدب مع الله سبحانه في موعد اللقاء به ، والاتصال بجنابه عز وجل ، فمن الرائع أن تلقي الله عز وجل وأنت بكامل اللباس الذي يطلبه الله منك ، ويحبه لك ، وهو الحجاب وغطاء الرأس خاصة ، مع ستر باقي أجزاء الجسم ، فقد قال الله سبحانه وتعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31 ، ومعنى : ( عند كل مسجد ) يعني : عند كل صلاة ، سواء كانت في المسجد أم في غير المسجد .
يقول العلامة السعدي رحمه الله : " أي : استروا عوراتكم عند الصلاة كلها ، فرضها ونفلها ، فإن سترها زينة للبدن ، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها .
ويحتمل أن المراد بالزينة هنا : ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن ، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة ، وباستعمال التجميل فيها ، ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص287) .
والصلاة مقام خطير بين يدي الله ، يناجي العبد المسلم فيها ربه ، ويتجه بعقله وفكره إلى مولاه وخالقه ، بخشوع وخضوع وسكينة ، يرجو رحمته ، ويخاف عذابه ، ويمرغ رأسه وأنفه في الأرض تذللا بين يديه عز وجل ، فلا يليق بهذا المقام العظيم إلا أن يأخذ المسلم والمسلمة اللباس التام الكامل ، الذي يليق بلقاء ملك الملوك جل وعلا ، وليس لباس النوم ، ولا لباس المهنة .
ثم لا بد أن يستقر في قلبك – وأنت المسلمة المطمئنة – أن الإسلام يعني الاستسلام لله سبحانه وتعالى ، لما ورد في كتابه الكريم ، ولما ورد في سنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن الواجب على المسلم إذا تاه عقله ، وضل قلبه أن يتعرف الحكمة في أمر من الأمور ، فإن نور الهداية الذي يسترشد به هو الوحي من الله سبحانه ، المتمثل بالكتاب والسنة ، فقد قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الحديد/28، ويقول سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/52 .
فالمسلم يلتمس الهدى في الشريعة الإسلامية ، ولا يكون كمن قال الله سبحانه فيهم : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) الحج/8. وهذا من الأركان الأساسية لمعنى الإسلام والإيمان بالله عز وجل وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس ما تصنعينه من التشكك في كل صغيرة إلى القدر الذي وصفت في سؤالك ، وليس لذلك أي مبرر ؛ وقد كان يسعك أن تصلي كما يصلي المسلمون ، ثم تسألين عما بدا لك ، لا أن تستسلمي لوساوس الشيطان وشكوكه ، حتى تتركي الصلاة بالكلية !!
إن القرآن الكريم كلام الله ، وكلام الله كله كمال وعدل وحكمة ، لا يتطرق إليه النقص بوجه من الوجوه ، وهو القائل عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7، وقد أمر عليه الصلاة والسلام النساء بالتستر في الصلاة ، ولبس الحجاب غطاء الرأس ، فثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ ) [ومعنى "حائض": أي التي بلغت سن المحيض ، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها] ينظر " معالم السنن " (1/180) رواه أبو داود في " السنن " (641) ، والترمذي في " السنن " (277) وقال : " حديث حسن ، والعمل عليه عند أهل العلم : أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها " .
ويقول ابن المنذر رحمه الله :
" أجمعوا على أن الحرة البالغ تخمر رأسها إذا صلت ، وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة " انتهى من " الإجماع " (ص43) .
فإذا لم تسترشدي بالسنة النبوية في هذه المسألة ، فلماذا تصلين الظهر أربع ركعات وأنت لا تجدين هذا العدد في كتاب الله !! ولماذا تؤدين زكاة المال بنسبة (2.5%) وهذا الرقم أيضا ليس في كتاب الله !! بل كلها أخذها المسلمون من السنة النبوية الصحيحة ، فهو عليه الصلاة والسلام : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4.
وقد قال علماؤنا رحمهم الله ، إن الآية الكريمة ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) كانت إحدى معالم القرآن الكريم في نقل الأمم البدائية إلى التحضر والمدنية ، حيث كان العرب في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة ، وكانت كثير من الأمم لا تعرف ثقافة اللباس وزينته ، فكان الإسلام بهذا الإلزام باللباس التام سببا في نقل حضاري هائل لدى تلك الأمم .
يقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :
" هذا الأمر بالزينة عند كل مسجد – لا المسجد الحرام وحده – أصل من أصول الإصلاح الدينية والمدنية ، يعرف بعض قيمته مما روي في سبب نزول هذه الآيات ، وإنما يعرفها حق المعرفة من قرأ تواريخ الأمم والملل ، وعلم أن أكثر المتوحشين الذين يعيشون في الحرجات والغابات أفرادا وجماعات يأوون إلى الكهوف والمغارات ، والقبائل الكثيرة الوثنية في بعض جزائر البحار وجبال إفريقية ، كلهم يعيشون عراة الأجسام نساء ورجالا ، وأن الإسلام ما وصل إلى قوم منهم إلا وعلمهم لبس الثياب ، بإيجابه للستر وللزينة إيجابا شرعيا ، ولما أسرف بعض دعاة النصرانية الأوربيين في الطعن في الإسلام لتنفير أهله منه وتحويلهم إلى ملتهم ، ولتحريض أوربة عليهم ، رد عليهم بعض المنصفين منهم ، فذكر في رده أن لانتشار الإسلام في إفريقية منه على أوربة بنشره للمدنية في أهلها ، بحملهم على ترك العري ، وإيجابه لبس الثياب الذي كان سببا لرواج تجارة النسيج الأوربية فيهم .
بل أقول : إن بعض الأمم الوثنية ذات الحضارة والعلوم والفنون كان يغلب فيها معيشة العري ، حتى إذا ما اهتدى بعضهم بالإسلام صاروا يلبسون ويتجملون ، ثم صاروا يصنعون الثياب ، وقلدهم جيرانهم من الوثنيين بعض التقليد ، وهذه بلاد الهند على ارتقاء حضارة الوثنيين فيها قديما وحديثا ، لا يزال ألوف الألوف من نسائهم ورجالهم عراة أو أنصاف أو أرباع عراة ، فترى بعض رجالهم في معاهد تجارتهم وصناعتهم بين عار لا يستر إلا السوءتين ، أو ساترا لنصفه الأسفل فقط ، وامرأة مكشوفة البطن والفخذين أو النصف الأعلى من الجسم كله أو بعضه . وقد اعترف بعض علمائهم المنصفين بأن المسلمين هم الذين علموهم لبس الثياب والأكل في الأواني ، ولا يزال أكثر فقرائهم يضعون طعامهم على ورق الشجر ويأكلون منه ، ولكنه خير من كثير من سائر الوثنيين سترا وزينة ؛ لأن المسلمين كانوا حكامهم ، وقد كانوا ولا يزالون من أرقى مسلمي الأرض علما وعملا وتأثيرا في وثني بلادهم .
وأما المسلمون في بلاد الشرق التي يغلب عليها الجهل فهم أقرب إلى الوثنية منهم إلى الإسلام في اللباس وكثير من الأعمال الدينية ، ومنهم نساء مسلمي (سيام) اللاتي لا يرين في أنفسهن عورة سوى السوءتين كما تقدم آنفا ، فحيث يقوى الإسلام يكون الستر والزينة اللائقة بكرامة البشر ورقيهم.
فمن عرف مثل هذا عرف قيمة هذا الأصل الإصلاحي في الإسلام ، ولولا أن جعل هذا الدين المدني الأعلى أخذ الزينة من شرع الله – يعني أوجبه على عباده – لما نقل أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية الفاحشة إلى الحضارة الراقية ، وإنما يجهل هذا الفضل له من يجهل التاريخ وإن كان من أهله ، بل لا يبعد أن يوجد في متحذلقة المتفرنجين منهم من يجلس في ملهى أو مقهى أو حانة متكئا مميلا طربوشه على رأسه يقول : ما معنى جعل أخذ زينة الناس من أمور الدين ، وهو من لوازم البشر لا يحتاجون فيه إلى وحي إلهي ولا شرع ديني ؟ " .
انتهى من " تفسير المنار (8/ 340-341) .
هذا وقد سبق في موقعنا العديد من الفتاوى التي تبين لباس المرأة في الصلاة ، يمكنك مراجعتها في الأرقام الآتية : (11073) ، (69804) ، (32993) .
والخلاصة : أن مقام الصلاة بين يدي الله مقام جليل وعظيم ، يقتضي من المسلمة استكمال الحجاب فيه مراعاة لكمال الأدب مع الله ، بخلاف لباس البيت الذي يتخفف فيه الإنسان بعض الشيء ، هذا فضلا عن أن المسلم يتلقى النور والهداية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة ، ولا يجعل رأيه وشكه حكما على هذا الوحي الذي جاء من عند الله .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android