0 / 0

تريد النصيحة مع زوجها الذي يقصر في الصلاة أحيانا ويتحجج بأن المجتمع لا يعين على الطاعة

السؤال: 222346

زوجي ملتزم شرعا ، ويدرس العلوم الشرعية ، وقارئ جيد ، وعنده ثقافة تاريخية كبيرة جدا ، لا يكف عن القراءة أبدا يوميا . ونحن متزوجان منذ سنتين ونصف ، ومعاملته لي حسنة جدا ، وهو يخدمني بالمنزل ، ويقوم عني في أغلب حاجات المنزل ، ويهتم بالأطفال جدا ، وحسن العشرة ، ويتحمل مني كثيرا من العصبية والهفوات ، ولم يضربني قط ، غير أنه في بعض الأحيان تنتابه فترات تقصير عن الصلاة ، لا يتركها أبدا ، لكنه قد يراكم أحد الفرضين على الآخر ، أو يترك صلاة الجماعة بالمسجد ، ثم يعود ، مع علمه بالحكم . ويشكو فتورا في العبادة ، وفي إحدى المرات كنت في زيارة عند أهلي لوضع حملي الأخير ، وتأخرت عندهم لمدة شهرين ، وكان هو بمفرده في منزله ، فوجدته قائما عابدا محافظا على الصلوات ، ومحافظا على قراءة القرآن الكريم ، وصلاة الجماعة ، والصيام التطوعي . ثم لما أنهيت حملي ورجعت للمنزل فتر عن ذلك كله ، فلما واجهته اتهمني بأنني السبب ؛ لأنني أسيئ إليه في الدعوة إلى الله عز وجل ، ودائما أقسو عليه في المعاملة ، ويشكو من سوء معاملتي له . فدخلني الشك هل أعامله بسوء حقا أم لا .
ثم يقول لي إن المشكلة أكبر من الصلاة ، المشكلة أننا في مجتمع جاهلي في بلدنا أشد جاهلية مما سبق . ويقول : انظري لآراء بعض المفكرين في كتبه وانظري كيف نكون في مجتمع يحيى بـ لا إله إلا الله ، منهج حياة ، ونحن في مجتمع يحارب الدين كله . يقول : أفتقد الصحبة التي تثبتني على دين الله عز وجل في هذا الزمن . يقول : إن الذين تاهوا في الطريق أمثال هؤلاء المفكرين ، ثم رجعوا إلى دين الله لما دخلوا المعتقل ثبتوا . فكيف بنا – ولنا في الطاعة زمن – لا نستطيع الثبات ونحن خارج المعتقلات . المشكلة ليست في الصلاة ، المشكلة أكبر من ذلك جدا ، فما الحل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

غالبا ما تلجأ النفس المقصرة إلى إحالة تقصيرها إلى أسباب خارجية ، مع محاولة إيهام السامع بضخامة حجم المشكلة ، كي يلتمس العذر لها على تقصيرها ؛ وهو سلوك معروف للنفس الأمارة بالسوء ، ليس على مستوى الفرد فحسب ، بل على مستوى الجماعة أيضا ، وذلك حين تجد الثقافة الجمعية لمجتمع من المجتمعات تدفع نحو إحالة جميع الأزمات التي يعيشها ، إلى أسباب خارجية قاهرة ، كي لا يعترف بالأسباب الداخلية الحقيقية ، وتسلم قوى الفساد من المحاسبة والمراقبة .
فالخلل وقع – بحسب ما نراه في السؤال – من جهتين :
من جهة الزوج أولا ، حين لم يعترف بتقصيره في حق الله عز وجل ، ولم يطلب العفو من الله سبحانه ، بل أخذ يتلمس العذر لنفسه فيما لا معذرة فيه ، وحشر مشاكل ” الشرق الأوسط ” السياسية والاقتصادية والدينية ، في سلوك فردي لا شأن له بكل هذه الأعذار ، غاية ما هنالك أن يؤدي الركعات نفسها – التي يؤديها قضاء – في وقت الأداء ، من غير تأخير ولا تأجيل . وأن يحافظ على صلاة الجماعة ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
فالمعتقلات والسجون لا شأن لها في عبادة المسلم وعلاقته بربه سبحانه ، وتجارب الصابرين الذين تعرضوا لأشد أنواع البلاء ، لا ينبغي أن تكون سببا في اليأس والقنوط ، فالدنيا بحاضرها وماضيها لم تترك نموذجا إلا واشتملت عليه ، سواء في الصبر والبلاء ، أم في الضعف والشقاء ، أم في الانتصار والعزة والقوة ، وكل ميسر لما خلق الله ، فلا تقايس الأمور برأيك وعقلك الضعيف ، واشتغل بواجب وقتك ، وعامر أيامك ، تكن من الفائزين الناجين عند الله سبحانه .
وأما جهة الخلل الثانية فهي الزوجة ، فقد لمسنا في سؤالها أسلوبا جافا أو قاسيا في النصح والتذكير ، أو على الأقل لمسنا إلحاحا منها في تأنيبها لزوجها يحرمه من فرصة المراجعة والإنابة الذاتية لله عز وجل ، الأمر الذي أدى إلى غضبه وجداله ، وحينئذ لا يمكن إخلاء الزوجة من المسؤولية فيما آلت إليه الأمور .
المقصد الأول من النصيحة – أختنا السائلة – يتحقق بيسر وسهولة بالحوار والمحادثة الهادئة ، وترك التشنج وتهويل الأمور ، وتجنب الإلحاح والتكرار الممل ، كي لا ينفر زوجك عن الالتفات إليك مرة أخرى ، وخاصة أنه – كما ذكرت – صاحب خلق ودين ، يعتني بالنوافل والفرائض ، ولكن التقصير أو الفتور أصابه بعد عودتك إلى المنزل .
وهنا تتأكد في حقك ضرورة مراجعة الأسباب التي من جهتك ، قد يكون ما ذكره زوجك حقا ، وقد يكون مبالغة ، لكن في جميع الأحوال فالأولى والأفضل أن تعملي على إحداث بعض التغيير في حياتك ، وفي علاقتك معه ، وموقفك من تصرفاته ، فتضاعفي عنايتك به ورعايتك له ، وتشددي على توفير أسباب السكينة والطمأنينة في المنزل .
والأهم من ذلك كله أن لا يؤدي بكم التقصير الحالي إلى تقصير أكبر وأعظم ، أو إلى شقاق ونزاع مفسدين لعلاقتكما الأسرية .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” أما بالنسبة لتفريطه في حق الله عز وجل : فهذا أمرٌ له شأنٌ آخر وعلى المرأة أن تنصح زوجها ، وأن تخاطبه بما تحصل به المصلحة والفائدة ، بدون توبيخٍ أو تأنيب أو ما أشبه ذلك، لأن الزوج يرى أن له على زوجته درجة ، فإذا كلمته على سبيل التأنيب أو التوبيخ ، فقد تأخذه العزة بالإثم ، فلا يقبل الحق ، فعلى المرأة أن تستعمل كل أسلوبٍ تحصل به المصلحة ، وتزول به المفسدة ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب للعثيمين ” (19/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android