حكم شراء قطعة أرض على المشاع ثم تعين بعد ذلك بالقرعة
السؤال: 223397
هناك بعض المشاريع العمرانية في البلد ، حيث تقوم بعض الشركات بشراء بقعة جغرافية كبيرة ، ثم تبيعها على شكل قطع صغيرة للمواطنين ، والإشكال هنا هو أن المشتري لا يدري تماماً أين أرضه حتى يتم تقطيع كل المساحة إلى قطع صغيرة ثم تُجرى القرعة ، أي أن المشتري يدفع المبلغ ويذهب إلى أن يحين وقت القرعة ، ثم يأتي ليأخذ أرضه ، والتي يعتمد الأمر فيها كلية على الحظ ، فقد يحالفه الحظ ويحصل على قطعة جيدة قريبة من المدارس والطريق الرئيسية .. الخ ، وقد يكون العكس ، وأريد أن أشتري أرضاً بهذه الطريقة بنية بيعها حال أن تنتقل إلى ملكيتي ، فهل شراء الأرض بهذه الطريقة جائز؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يجوز لك شراء قطعة من هذه الأرض التي تبيعها تلك الشركة على المشاع ، فإن بيع الأرض
على المشاع جائز .
جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (26 / 290) : ” لاَ خِلاَفَ بَيْنَ
الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ بَيْعِ جُزْءٍ مُشَاعٍ فِي دَارٍ كَالثُّلُثِ وَنَحْوِه ”
انتهى .
وفي ” تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ” (5 / 126) : ” وبيع المشاع يجوز من شريكه ،
ومن غير شريكه بالإجماع ، سواء كان مما يحتمل القسمة أو مما لا يحتمل القسمة ”
انتهى.
وفي ” إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك ” (1 / 81): ” ويجوز بيع
المشاع ” انتهى .
وفي ” المجموع شرح المهذب ” (9 / 256) : ” يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ كَنِصْفٍ مِنْ
عَبْدٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ
غَيْرِ ذَلِكَ ، بِلَا خِلَافٍ ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَمْ لَا ” انتهى
.
وفي ” الفروع وتصحيح الفروع “(7 / 151): ” يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ وَرَهْنُهُ ،
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّرَ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لِلْمَنَافِعِ ، وَلَا
يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ ” انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – ” والدليل على جواز بيع المشاع قول جابر
ـ رضي الله عنه ـ قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما لم يُقسم،
فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ، فهذا يدل على جواز بيع المشاع ، فإذا
كان بيع المشاع جائزاً ، كان رهنه جائزاً ؛ لأنه إذا حل أجل الدين ولم يوف : بيع ،
وبيع المشاع جائز، إذاً يصح رهن المشاع ” انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع
“(9 / 130).
وعلى ذلك فإذا تم هذا البيع
، فتبقى القرعة طريقا شرعيا لتحديد الجزء الخاص بكل واحد من المشترين ؛ لأن القرعة
طريق من طرق القسمة .
جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (33 / 137) : ” الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ مِنْ
طُرُقِ الْقِسْمَةِ ، وَالْقُرْعَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ ” انتهى .
وننبه السائل إلى أن الحكم
بالقرعة طريق من طرق الحكم بالشرع ؛ وليست من قبيل الحظ أو القمار ؛ لأن الله
سبحانه ذكر القرعة في كتابه في غير موضع ، وكذا جاءت السنة بالقرعة في مواطن
الاختلاف .
جاء في ” الطرق الحكمية ” لابن القيم – رحمه الله – (1 / 245) : ” وَمِنْ طُرُقِ
الْأَحْكَامِ: الْحُكْمُ بِالْقُرْعَةِ ، قَالَ تَعَالَى: ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) [آل
عمران: 44] ، قَالَ قَتَادَةُ: ” كَانَتْ مَرْيَمُ ابْنَةَ إمَامِهِمْ
وَسَيِّدِهِمْ ، فَتَشَاحَّ عَلَيْهَا بَنُو إسْرَائِيلَ ، فَاقْتَرَعُوا عَلَيْهَا
بِسِهَامِهِمْ، أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا، فَقَرَعَ زَكَرِيَّا، وَكَانَ زَوْجَ
أُخْتِهَا، فَضَمَّهَا إلَيْهِ “. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: ” لَمَّا وُضِعَتْ مَرْيَمُ فِي الْمَسْجِدِ اقْتَرَعَ عَلَيْهَا
أَهْلُ الْمُصَلَّى ، وَهُمْ يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ، فَاقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا ” ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ،
وَقَالَ تَعَالَى: ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) ، يَقُولُ
تَعَالَى: فَقَارَعَ ، فَكَانَ مِنْ الْمَغْلُوبِينَ ، فَهَذَانِ نَبِيَّانِ
كَرِيمَانِ اسْتَعْمَلَا الْقُرْعَةَ ، وَقَدْ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ
بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا ، إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، وَفِي ” الصَّحِيحَيْنِ ”
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ
وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا
عَلَيْهِ ..” انتهى.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟