0 / 0
42,32619/12/2014

حكم الاجتهاد في الرقية ووضع أسماء لأنواعها

السؤال: 223505

نحن مجموعة من الشباب لدينا استوديو ، ونريد أن نستغله في طاعة الله عز وجل
، قمنا بتسجيل القرآن الكريم لبعض القراء ، وبدأنا في تسجيل الأذكار ، والخواطر ، وكذلك الرقية الشرعية ، هناك أحد الإخوة الكرام (راقي) مغربي ، يجتهد في ميدان الرقية الشرعية ، الآن بعد تسجيل عدة مقاطع من الرقية الشرعية ، كل واحد منها تتم تسميته ( مخصص لنوع من الجن) ومن هذه المسميات : الرقية الشرعية للمس العاشق و … و..
سؤالي هو : هل هذه المسميات جائزة ام لا ، وهل يجوز الاجتهاد في الرقية الشرعية ام لا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أشارت عدد من النصوص الشرعية إلى أن الرقية لا يشترط لها أن تكون منصوصا على تفاصيلها ؛ بل يكفي أن تكون خالية من المخالفات الشرعية .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ ، فَلَمْ يَقْرُوهُمْ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ ، فَقَالُوا : هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا ، وَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ ، فَبَرَأَ ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ ، فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَضَحِكَ وَقَالَ: ( وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟ خُذُوهَا ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ ) ” رواه البخاري ( 5736 ) ، ومسلم ( 2201 ) .
قال الشوكاني -رحمه الله-:
” وفي الحديثين دليلٌ على جواز الرقية بكتاب الله تعالى ، ويلتحق به ما كان بالذِّكر والدعاء المأثور ، وكذا غيرِ المأثور ممَّا لا يُخالف ما في المأثور ” .
انتهى من ” نيل الأوطار ” ( 10 / 440 ) .
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : ” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى ، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى ، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ: ( مَا أَرَى بَأْسًا ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ ) رواه مسلم ( 2199 ) .
قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى :
” ففي حديث جابر ، ما يدل على أن كل رقية ، يكون فيها منفعة : فهي مباحة ، لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : ( من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ) ” .
انتهى ” شرح معاني الآثار ” ( 4 / 326 ) .
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ ، قَالَ : ” كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ! كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : ( اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ ) ” رواه مسلم ( 2200 ) .

ثانيا :
حتى تكون الرقية مشروعة ، لا بد أن تتوفر فيها الشروط الآتية :
الشرط الأول :
أن تكون بالقرآن أو بذكر الله تعالى وبالأدعية المشروعة .
قال النووي رحمه الله تعالى :
” الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة : فلا نهي فيه ، بل هو سنة ” .
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” ( 14 / 169 ) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
” لا أعلم خلافا بين العلماء في جواز الرّقية من العين ، أو الحمة ؛ وهي لدغة العقرب ، وما كان مثلها ، إذا كانت الرّقية بأسماء اللّه عزّ وجلّ ، وممّا يجوز الرّقي به ” .
انتهى من ” الاستذكار ” ( 27 / 19 ) .
الشرط الثاني :
أن تكون باللغة العربية للقادر عليها ، فلا يحل له أن يرقي بلغة لا يعرفها ، خشية أن تحتوي رقيته على محرم ، من حيث لا يدري .
فإذا كانت بغير العربية ، لكن كانت مفهومة المعنى ، وليس فيها ما ينهى عنه : فهي مشروعة ، إن شاء الله ، كما يجوز الدعاء بغير العربية ، لا سيما في غير الصلاة .
قال الخطابي رحمه الله تعالى :
” فأما الرقى فالمنهي عنه هو ما كان منها بغير لسان العرب فلا يدرى ما هو ولعله قد يدخله سحر أو كفر ، فأما إذا كان مفهوم المعنى ، وكان فيه ذكر الله تعالى فإنه مستحب متبرك به والله أعلم ” انتهى من ” معالم السنن ” ( 4 / 226 ) .

لكن الأفضل ، مطلقا ، أن تكون بالعربية للقادر عليها .
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” عمن يقول : يا أزران : يا كياان ! هل صح أن هذه أسماء وردت بها السنة ، ولم يحرم قولها ؟
فأجاب: الحمد لله . لم ينقل هذه عن الصحابة أحد ، لا بإسناد صحيح ، ولا بإسناد ضعيف ، ولا سلف الأمة ، ولا أئمتها . وهذه الألفاظ لا معنى لها في كلام العرب ؛ فكل اسم مجهول ليس لأحد أن يرقي به ، فضلا عن أن يدعو به ، ولو عرف معناها ، وأنه صحيح ، لكره أن يدعو الله بغير الأسماء العربية ) انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 24 / 283 ) .

الشرط الثالث :
أن تكون معقولة المعنى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وأما معالجة المصروع بالرقى ، والتعوذات ، فهذا على وجهين :
فإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناها ، ومما يجوز في دين الإسلام أن يتكلم بها الرجل ، داعيا الله ، ذاكرا له ، ومخاطبا لخلقه ، ونحو ذلك ، فإنه يجوز أن يرقى بها المصروع ، ويعوذ ، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه أذن في الرقى ، ما لم تكن شركا ) وقال : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) .
وإن كان في ذلك كلمات محرمة مثل أن يكون فيها شرك ، أو كانت مجهولة المعنى ، يحتمل أن يكون فيها كفر ، فليس لأحد أن يرقى بها ولا يعزم ، ولا يقسم ، وإن كان الجني قد ينصرف عن المصروع بها ، فإن ما حرمه الله ورسوله ، ضرره أكثر من نفعه ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 24 / 277 – 278 ) .

الشرط الرابع :
أن يعتقد الراقي والمرقي أنّ الرقية مجرد سبب ، ولا تؤثر إلا بإذن الله تعالى .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط : أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره ، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 10 / 195 ) .

وفي ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 1 / 155 ) :
” أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شركا أو كلاما لا يفهم معناه ؛ لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال : ( كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك ) .
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفا ، مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى ” انتهى .

ثالثا :
تبين مما سبق : أن الرقية إذا توفرت فيها الشروط السابقة وكانت عن علم وتجربة فهي مشروعة ، ولا تدخل في دائرة البدعة ، حتى لو كان في الأمر تخصيص لرقية معينة ، بمرض معين ، أو سحر معين ، ونحو ذلك ، فعامة الرقى هي نوع من التخصيص لدعاء دون دعاء ، وذكر دون ذكر ، رجاء نفعه لأمر معين .
وقد سُئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى :
” ما حكم تخصيص آيات معينة ، وتكرارها بأعداد محددة ، لعلاج أمراض معينة ، مثال : أن يقرأ آيات معينة ، من سورة معينة ، ويكررها بأعداد محددة لمرض السرطان مثلاً ، وغيرها لمرض آخر إلى غير ذلك ؟
فأجاب : قال الله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) فظاهر الآية أن من القرآن آياتٍ تكون قراءتها سببا للشفاء والرحمة ، وقيل : إن ( مِنَ ) لبيان الجنس ؛ أي إن جنس القرآن شفاء ورحمة ، ولاشك أن هناك آيات ورد فيها ما يدل على الاستشفاء بها ، وقد ثبت في حديث أبي سعيد قراءة سورة الفاتحة كعلاج للديغ ، فأقر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( وما أدراك أنها رقية ) ، وفي حديث آخر: ( فاتحة الكتاب شفاء من كل داء ) .
وثبت أن آية الكرسي سبب للحفظ من وسوسة الشيطان ، ورويت آثار عن السلف من الصحابة والتابعين في العلاج ببعض الآيات القرآنية والأدعية النبوية ، وجربت آيات السحر الثلاث في سورة الأعراف ويونس وطه ؛ فوجدت مؤثرة في حل السحر وفي علاج المحبوس عن أهله ، وكذا قراءة المعوذتين ، ولا بأس بتكرار القراءة والاستعاذة ، كما ورد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في يديه بعد جمعهما ، ويقرأ آية الكرسي وسورتي الإخلاص والمعوذتين ، ويمسح بهما ما أقبل من جسده ) ، فلا إنكار على من فعل ذلك أو نحوه ، والله أعلم ” انتهى .
من موقع الشيخ ابن جبرين (http://goo.gl/nhypdY)

ومن ذلك الباب أيضا : وضع اسم لبعض هذه الرقى ، وهو من باب التعريف بها ، والعبرة بمحتواها ، لا باسمها ؛ فإذا كانت مشروعة كما سبق بيانه ، فتخصيصها بالاسم المعين : لا حرج فيه ، إذا كان خاليا من المحاذير الشرعية .
ومن هذا ما شاع على ألسنة العلماء من تسمية رقية معينة بأسماء خاصة بها ، كرقية النملة ، ورقية العقرب ، ونحو ذلك .

رابعا :
ينبغي أن تكون هذه التسجيلات مجرد وسيلة تعليمية للرقية ، وليست وسيلة للرقية ذاتها ، لأن الرقية المشروعة إنما تكون مباشرة بين الراقي والمرقي ، ولذلك شرع فيها النفث على الراقي ، ومسح موضع الألم ، أو وضع الراقي يده عليه ، وهو ما لا يمكن حصوله إذا كانت الرقية مسجلة .
ففي ” فتاوى اللجنة الدائمة 2- ” ( 1 / 86 – 87 ) :
” الأصل أن الراقي هو الذي يباشر قراءة القرآن وينفث على المريض من ريقه ، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم ، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك ، فقالوا : هل معكم من دواء أو راق ؟ فقالوا : إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا . فجعلوا لهم قطعا من الشاء ، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل ، فبرأ فأتوا بالشاء ، فقالوا : لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه فضحك وقال : وما أدراك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي بسهم ) .
وفي الصحيح أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها ) .
ولما في مباشرة الراقي القراءة بنفسه من معان تقوم في الراقي ، لا بد من اعتبارها .
وعليه فإن الرقية بفتح جهاز التسجيل خلاف الأصل الشرعي، فالرقية بواسطة جهاز التسجيل أمر محدث لا يجوز شرعا .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى .
لكن إذا لم يكن المريض يحسن أن يقرأ ، ولا أن يرقي نفسه ، ولم يتيسر له من يرقيه ، فاستعان بسماع مثل هذه الرقى ، للحاجة ، فنرجو ألا يكون به بأس إن شاء الله ، وأن ينفعه الله بها .
وينظر جواب السؤال رقم : (11109) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android