تنزيل
0 / 0

حكم التلفيق والتنقل بين المذاهب إذا كان لاتباع الحق دون اتباع الهوى

السؤال: 223879

هل يحرم التلفيق إذا كان في اتباع الحق والأقوى دليلا ، وليس في اتباع الهوى ؟ فقد كنت أصلي وأرى أن الإفرازات لا تنقض الوضوء ، خصوصا عند خروجي من البيت وعدم مقدرتي على الوضوء ، لاعتقادي بقوة أدلة من قال بعدم النقض ، وليس اتباعا للهوى . وعلمت أن ابن حزم قال ذلك ، وكنت أمسك يد أبي أو أخي ، ولا أتوضأ ، اتباعا لمذهبي ( الحنفية) ، ومذهب ابن حزم يقول بالنقض إذا لمست يد أبي أو أخي . مع العلم أني قرأت عن الشيخ ابن العثيمين أنه يرى أنه إذا كانت هذه الإفرازات مستمرة : لا يجب الوضوء لكل صلاة ، ويرى أن لمس يد المحرم ونحوه لا ينقض الوضوء . ولم أستطع معرفة قول ابن حزم إلا مؤخرا ، فلم أجد كتبا لمذهبه إلا قبل فترة قليلة فهل صلاتي سابقا صحيحة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا: 
لتلفيق في اللغة: مصدر لفَّق , يقال: لفق بين الثوبين : لأم بينهما بالخياطة , ولفق الحديث: زخرفه وموَّهه بالباطل فهو مُلَفَّق .
وأما في الاصطلاح : فهو القيام بعمل واحد يجمع فيه بين عدة مذاهب ، بحيث لا يمكن اعتبار هذا العمل صحيحا في أي مذهب من المذاهب .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية "(13 / 293) :
" الْمُرَادُ بِالتَّلْفِيقِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ : أَخْذُ صِحَّةِ الْفِعْل مِنْ مَذْهَبَيْنِ مَعًا ، بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلاَنِهِ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ .
وَمِثَالُهُ : مُتَوَضِّئٌ لَمَسَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِلاَ حَائِلٍ ، وَخَرَجَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ ،كَدَمٍ ، مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ، فَإِنَّ هَذَا الْوُضُوءَ بَاطِلٌ بِاللَّمْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَبَاطِلٌ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلاَ يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَلاَ يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِاللَّمْسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، فَإِذَا صَلَّى بِهَذَا الْوُضُوءِ ، فَإِنَّ صِحَّةَ صَلاَتِهِ مُلَفَّقَةٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا " انتهى .
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الصورة : فذهب بعضهم إلى عدم الجواز , بل حكى البعض الإجماع على فساد هذا العمل وبطلانه . جاء في " الدر المختار وحاشية ابن عابدين " (1 / 383): "الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ" انتهى.
وذهب بعضهم إلى الجواز , جاء في " الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي "(1 / 20): "وَبِالْجُمْلَةِ : ففِي التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ طَرِيقَتَانِ : الْمَنْعُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَصَارِوَةِ , وَالْجَوَازُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ وَرُجِّحَتْ " انتهى .
والقول بالجواز هو الراجح , جاء في " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1 / 391): " وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ وَأَخْتَارُهُ : الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي التَّلْفِيقِ ، لَا بِقَصْدِ تَتَبُّعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَسَقَ ، بَلْ حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ، خُصُوصًا مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَسْعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ .
فَلَوْ تَوَضَّأَ شَخْصٌ ، وَمَسَحَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ ، فَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ ، فَلَوْ لَمَسَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُضُوءَ هَذَا الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ ، وَلَمْسَ الْفَرْجِ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِذَا قَلَّدَهُ فِي عَدَمِ نَقْضِ مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، اسْتَمَرَّ الْوُضُوءُ عَلَى حَالِهِ بِتَقْلِيدِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا هُوَ فَائِدَةُ التَّقْلِيدِ .
وَحِينَئِذٍ ، فَلَا يُقَالُ: الشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَ هَذَا الْوُضُوءِ بِسَبَبِ مَسِّ الْفَرْجِ ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى الْبُطْلَانَ لِعَدَمِ مَسْحِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا بِتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ ، وَيَسْتَمِرُّ صَحِيحًا بَعْدَ اللَّمْسِ بِتَقْلِيدِ الْحَنَفِيِّ ، فَالتَّقْلِيدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِمْرَارِ الصِّحَّةِ ، لَا فِي ابْتِدَائِهَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ وُضُوءِ هَذَا الْمُقَلِّدِ قَطْعًا، فَقَدْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَا هُوَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ" انتهى.
أما أن يُقلد الشخص مذهباً في مسألة ما ، ويقلد مذهباً آخر في مسألة أو مسائل أخرى غيرها ، فهذا ليس من التلفيق .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (13 / 294) :
" أَمَّا الأخْذُ بِأَقْوَال الأئِمَّةِ فِي مَسَائِل مُتَعَدِّدَةٍ فَلَيْسَ تَلْفِيقًا , وَإِنَّمَا هُوَ تَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ ، أَوْ تَخَيُّرٌ مِنْهَا" انتهى .
وهذ جائز ، إذا لم يكن الدافع للفعل مجرد اتباع الهوى والشهوات , لأنه لا يلزم أحدا من الناس أن يأخذ بقول إمام من الأئمة ، يقلده دون غيره في كل ما يقوله .
وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4 / 202) :
"وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا قَطُّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِنْ الْأُمَّةِ ، بِحَيْثُ يَأْخُذُ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا وَيَدْعُ أَقْوَالَ غَيْرِهِ . وَهَذِهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ حَدَثَتْ فِي الْأُمَّةِ ، لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَهُمْ أَعْلَى رُتْبَةً وَأَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاسَ بِذَلِكَ ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ عَالِمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ، مَاتَتْ مَذَاهِبُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَمَذَاهِبُ التَّابِعِينَ وَتَابِعَيْهِمْ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَبَطَلَتْ جُمْلَةً ، إلَّا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ فَقَطْ ، مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ ، وَهَلْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، أَوْ دَعَا إلَيْهِ ، أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْه " انتهى.
بقيت صورة أخرى ذات صلة بهذه المسألة ، وهي: أن يُقلد الشخص مذهباً في مسألة معينة ، فإذا تكررت معه نفس المسألة ، أخذ فيها برأي مذهب آخر ، وهذه الصورة جائزة إذا كان الدافع اتباع الحق ؛ مثل أن يتبين له أن الحق مع هذا القول الذي جاءه متأخرا , أما إن كان الدافع اتباع الهوى فلا يجوز , وفي ذلك يقول العلامة ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في " مجموع الفتاوى " (20 / 220) :
" مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ، ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِعَالِمِ آخَرَ أَفْتَاهُ ؛ وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ ، وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ ، وَعَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ ، فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ؛ فَهَذَا مُنْكَرٌ…
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ، ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدَهَا أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ، ثُمَّ إذَا طَلَبْت مِنْهُ شُفْعَةَ الْجِوَارِ اعْتَقَدَهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً ، أَوْ مِثْلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إذَا كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ : أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ ، فَإِذَا صَارَ جَدًّا مَعَ أَخ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ ، أَوْ إذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلِعْبِ الشِّطْرَنْجِ , وَحُضُورِ السَّمَاعِ ، أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَدِيقُهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ .
فَمِثْلُ هَذَا مُمْكِنٌ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ وَحُرْمَتُهُ ، وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ ، بِحَسَبِ هَوَاهُ ؛ هُوَ مَذْمُومٌ بِخُرُوجِهِ ، خَارِجٌ عَنْ الْعَدَالَةِ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ.
وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَا يُوجِبُ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ ، إمَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا وَيَفْهَمُهَا ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرَى أَحَدَ رَجُلَيْنِ أَعْلَمَ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ ، وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُهُ ، فَيَرْجِعُ عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمِثْلِ هَذَا , فَهَذَا يَجُوزُ ، بَلْ يَجِبُ , وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى ذَلِكَ" انتهى.
ثانيا:
الواجب على العامي الذي لم يتأهل للنظر أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه ، إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم . قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/43-44 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه : العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم ، وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله … " انتهى من "تفسير السعدي" (441).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " واجتهاد العامة : هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .

فإذا سأل العامي العالم الذي يثق في علمه وورعه ، فأفتاه ؛ فعليه أن يتبع فتواه , ولا يترك قوله إلى قول غيره لمجرد اتباع الهوى والأخذ بالأيسر , فإن هذا من تتبع الرخص المذموم , وقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم : (10645) , والفتوى رقم : (192787).

أما إن ترك قول مفتيه إلى قول غيره من أهل العلم ، لا لمجرد الهوى واتباع ما تشتهيه نفسه , بل لأمر ديني ، مثل أن يتبين له رجحان قول الآخر على ما قاله الأول , أو ترك قول العالم إلى من هو أعلم منه وأورع ، فهنا : لا حرج عليه , بل يجب عليه ذلك كما سبق بيانه .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين : إما لرجحان دليله – بحسب تمييزه – ، وإما لكون قائله أعلم وأورع : فله ذلك وإن خالف قوله المذهب" .
انتهى من" مجموع الفتاوى( 33 / 168 ) .
وقال رحمه الله : " إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ، ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال …" .
انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 223 ) .

ثالثا:
الإفرازات التي تخرج من المرأة طاهرة على القول الراجح , ولكن خروجها ينقض الوضوء على القول الراجح أيضا , بل هو قول جماهير أهل العلم خلافا لابن حزم , فإذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار ، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك ، ولو كانت في الصلاة ، وإذا شق عليها الوضوء لكل صلاة ، لكونها في مكان لا تستطيع فيه الوضوء ، فلها أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء ، فتصليهما في وقت إحداهما ، بأن تتوضأ وضوءً واحداً وتصلي الصلاتين معاً .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (50404) , والفتوى رقم : (112759) .

رابعا:
لمسُكِ لمحارمِك لا ينقض الوضوء ؛ لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن لمس الرجل للمرأة – ومثله لمس المرأة للرجل – لا ينقض الوضوء مطلقا , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (76115).

خامسا:
أما صلاتك السابقة التي أديتها مقلدة لمذهب من يقول بعدم بطلان الوضوء بهذه الإفرازات : فهي صلاة صحيحة ؛ لأنك فعلتها متأولة صواب ذلك ، مقلدة لبعض أهل العلم المجتهدين .

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android