0 / 0

شرط النهي عن المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه

السؤال: 224180

أنا قلق بشأن وضع والدي بعد أن بدرت منه بعض الأمور . ففي إحدى المرات طلبت منه أن يزيل صور الزواج التي علقها على جدران الطابق السفلي ، وأخبرته أنه قد صح في الحديث أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ذي روح ، فبدأ بالاستهزاء وقال : أطلب من الملائكة أن تظل بعيداً عن الطابق السفلي لوجود تلك الصور ، لكن يمكنها أن تذهب إلى الطابق العلوي لخلوه من أي صورة !
وذات مرة كان يغتاب ابن عمه أمامي ، فنصحته بلطف ، وطلبت منه أن يبتعد عن الغيبة ، فغضب غضباً شديداً ، وطلب مني عدم نصحه في هذا الموضوع وقال : إذا كان عقاب الغيبة النار فلا أبالي أن أدخلها .
فهل ارتد والدي عن الإسلام وأصبح كافراً عندما سخِر من أحكام الشريعة ورفضها كبراً وغطرسة.
لقد توقفت عن أمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ؛ لأنني أخشى عليه أن يكفر .
لكن بالمقابل أخشى أن أكون قد ارتكبت ذنباً عظيماً بالابتعاد عن هذا العمل العظيم ، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وأخشى أن أعاقب بقسوة القلب لتركي هذه العبادة الفاضلة.
فما رأيكم . هل استمر في التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الحالة أم ماذا ترون ؟

ملخص الجواب

والخلاصة : أن والدك إن كان لا يتقبل منك نصيحة ويواجه ذلك بالاستهزاء بالدين والجرأة عليه فالواجب عليك أن تكف عن نصحه وتترك أمره لله تعالى ، وتكثر من الدعاء له بالهداية . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الذي ننصحك به أن تترك أمر والدك بالمعروف ونهيه عن المنكر ؛ لما يترتب عليه من منكر أعظم ، فليس من الشرع ولا من الحكمة أن توقع والدك فيما هو أفحش وأسوأ ، إذ المقصود هو التذكير بالله لعل التذكرة تنفع ، لكن إذا غلب احتمال ضرر التذكرة فعدمها أولى وأوجب . ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرعه الله عز وجل لمقصد سامٍ ، وهو نشر الخير ومحاربة الشر ، فإذا ترتب عليه ما هو أكثر شرا وأكثر فسادا لم يجز الأمر والنهي حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” إذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه ، فلا تَدْعُ إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه ، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه ” انتهى من ” اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 125).
وقال أيضا رحمه الله :
” الأمر والنهي – وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة – فينظر في المعارض له :
فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (28/ 129).
وقال ابن القيم رحمه الله :
” إنكار المنكر أربع درجات :
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده (وضده هو المعروف) .
الثانية : أن يقل وإن لم يزل بجملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة .
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله ، كرمي النشاب (السهام) ، وسباق الخيل ، ونحو ذلك .
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية ، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ، فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك .
وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر ، فدعه وكتبه الأولى . وهذا باب واسع .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال ، فدعهم .
والمثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو) رواه أبو داود . فهذا حد من حدود الله تعالى ، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم ” انتهى من ” إعلام الموقعين ” (3/12-13).
هذا وإذا كان المأمور بالمعروف أو المنهي عن المنكر أحد الوالدين ، كان حقه أوجب أن يحفظ ، ومصلحته أولى أن تراعى ، فقد ذكر العلماء أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن يتحلى بمزيد من الرفق واللين إذا كان خطابه موجها لأحد والديه .
فقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له والدة تسيء الصلاة والوضوء . فقال : يأمرها ويعلمها . قال : تأبى أن يعلمها ، تقول : أنا أكبر منك تعلمني ! قال : فترى له أن يهجرها أو يضربها على ذلك ؟ قال : لا ، ولكن يعلمها ويقول لها ، وجعل يأمره أن يأمرها بالرفق . ينظر ” مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود ” (ص372).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android