0 / 0

حكم إلقاء السلام على المتلبس بالمعصية

السؤال: 224640

ما حكم ابتداء حليق اللحية أو مسبل الثوب بالسلام أو أي شخص مسلم كان على منكر ؛ كمن يدخن مثلا ، هل أبدأه بالسلام وهو يدخن ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا : من الحقوق الثابتة للمسلم على أخيه المسلم : أن يسلم عليه إذا لقيه .
روى مسلم (2163) ، وأحمد (8638) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ )، قِيلَ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) .

ولا يبطل هذه الحقوق وقوع المسلم في بعض الذنوب والمعاصي ، فإن هذا لا يسلم منه أحد ؛ لا سيما إذا كانت من الصغائر واللمم ، أو كان متسترا بما وقع فيه ، مستحييا منه ، نادما عليه.

ولكن إذا وقع المسلم في بعض الكبائر ولم يتب منها ، فهذا هو الذي يشرع هجره ، بشرط أن يكون في هذا الهجر مصلحة .
ويتأكد ذلك الأمر : إذا كان مجاهرا بذنبه ، مستخفا به ، أو داعيا إليه ، ناشرا للفاحشة بين المؤمنين ، فمثل هذا يتأكد في حقه الهجر جدا .
وينظر جواب السؤال رقم : (239089).

والمصلحة من عدم إلقاء السلام على صاحب المعصية ؛ هي تأديب هذا العاصي ، ومحاصرة معصيته ، وحماية المجتمع منها .
فإذا كان عدم إلقاء السلام على العصاة يحقق هذه المصلحة ، فيكون مطلوبا .

أما إذا كان لا يحققها بل يزيد الأمر سوءا ، كأن يكون هذا العاصي صحبته كلهم أهل سوء ، وبعدم تسليمك عليه يحصل نفور بينكما ، فتنفرد به هذه الصحبة ، ولا يجد الناصح ؛ فهنا الأولى إلقاء السلام عليه وتأليف قلبه ، لأن الإعراض عنه في هذه الحالة لا يحقق المقصود ، بل تفوت معه المصلحة .

وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" احتار كثير من المسلمين في مسألة إلقاء السلام من عدمه على العاصي المجاهر حال عصيانه كشرب الدخان ، هل من قاعدة تبين هذه المسألة وأمثالها أفتونا مأجورين ؟
فأجاب :
نعم القاعدة : أولاً : الفسوق لا يخرج الإنسان من الإيمان ، ولا يجوز هجر المؤمن أكثر من ثلاثة أيام ، لكن إذا كان الهجر دواءً له ، بمعنى : أنه إذا رأى أن فلاناً هجره ، أو أن الناس هجروه ، استقام وصلحت حاله : فحينئذٍ يكون الهجر محموداً .
الهجر قد يكون مستحباً ، وقد يكون واجباً ، بحسب ما يترتب عليه ، ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ، وأمر الناس بهجرهم لتخلفهم عن غزوة تبوك ، لكن هذا الهجر نفع أم لم ينفع ؟ نفع ؛ لأنه زادهم لجوءاً إلى الله عز وجل وقوة إيمان …
فالمهم يا أخي ! أن الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق : فاهجره ، وإلا : لا تهجره ، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان ، والدخان معصية وحرام ، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق سلم عليه ، إذا رأيت أن هجره لا يفيد ، سلم عليه ، ربما إذا سلمت عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام ، وأنه لا يليق بك ، ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود .
لكن لو أنك لم تسلم عليه : كبُر ذلك في نفسه ، وكرهك ، وكره ما تأتي به من نصيحة .
حتى لو أصر على المعصية : سلم عليه ، وانصحه " .
انتهى من " لقاء الباب المفتوح " ( 165 / 12 ترقيم الشاملة ) .

ثم يتأكد جانب : ترك الهجر ، والمداراة ، والاستصلاح : إذا كان مثل ذلك في زمان ، أو مكان : تضعف فيه السنة ، وأهلها ، وتزداد فيه غربة القائمين عليها ، وتضعف فيها آثار النبوة والرسالة ، والبينات الشرعية .
جاء في "مسائل إسحاق الكوسج" ، للإمام أحمد (2/565) :
" مَن يقولُ : القرآن مخلوق ؟
قَالَ : ألحق به كل بلية . …
قُلْتُ : فتظهرُ العداوة لهم ، أو تداريهم ؟
قَالَ : أهل خراسان لا يَقْوَوْن بهم ، يقول : كأن المداراة " !! انتهى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وهذا الجواب منه ، مع قوله في القدرية: لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة ، ومع ما كان يعاملهم به في المحنة: من الدفع بالتي هي أحسن ، ومخاطبتهم بالحجج يفسر ما في كلامه وأفعاله من هجرهم ، والنهي عن مجالستهم ومكالمتهم …
فإن الهجرة نوع من أنواع التعزير، والعقوبة نوع من أنواع الهجرة التي هي ترك السيئات …
وعقوبة الظالم وتعزيره مشروط بالقدرة ؛ فلهذا اختلف حكم الشرع .. بين القادر والعاجز ، وبين قلة نوع الظالم المبتدع وكثرته ، وقوته وضعفه ، كما يختلف الحكم بذلك في سائر أنواع الظلم من الكفر والفسوق والعصيان.
فإن كل ما حرمه الله فهو ظلم؛ إما في حق الله فقط ، وإما في حق عباده ، وإما فيهما.
وما أمر به من هجر الترك والانتهاء ، وهجر العقوبة والتعزير : إنما هو إذا لم يكن فيه مصلحة دينية راجحة على فعله .
وإلا ؛ فإذا كان في السيئة حسنة راجحة : لم تكن سيئة .
وإذا كان في العقوبة مفسدة راجحة على الجريمة : لم تكن حسنة؛ بل تكون سيئة .
وإن كانت مكافئة : لم تكن حسنة ، ولا سيئة .
فالهجران : قد يكون مقصوده ترك سيئة البدعة ، التي هي ظلم وذنب وإثم وفساد .
وقد يكون مقصوده فعل حسنة الجهاد ، والنهي عن المنكر ، وعقوبة الظالمين لينزجروا ويرتدعوا ، وليقوى الإيمان والعمل الصالح عند أهله. فإن عقوبة الظالم تمنع النفوس عن ظلمه ، وتحضها على فعل ضد ظلمه: من الإيمان والسنة ونحو ذلك.
فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ، ولا انتهاء أحد؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرةً مأمورا بها ، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية !!
فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم : سقط الأمر بفعل هذه الحسنة ، وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي.
وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة : فلو ترك رواية الحديث عنهم ، لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم.
فإذا تعذر إقامة الواجبات ، من العلم والجهاد وغير ذلك ، إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة الواجب ، مع مفسدة مرجوحة معه ؛ خيرا من العكس.
ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل" انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/210-212)
وينظر جواب السؤال رقم : (223300) .

ثانيا :
هجر العاصي إنما يشرع إذا كان هذا الشخص يرتكب المعصية ، وهو يعلم أنها معصية ، ولا عذر له فيها .
أما إذا كان جاهلا بحكمها ، أو كان يقلد من يفتي بأنها ليست معصية ، أو كان مكرَهًا ، أو متأولا ، فإنه لا يحكم عليه بأنه فعل معصية ، ولا يكون آثمًا ؛ وحينئذ : لا يكون هجره سائغا، من حيث الأصل .

والأمثلة الثلاثة التي ذكرتها : لا تخرج عن هذا ، في الأعم الأغلب من حال الناس اليوم .

أما إسبال الثياب ، فجمهور العلماء يرون أنه لا يحرم ، إلا إذا فعله الإنسان على سبيل الكبر ، فمن أخذ بهذا القول ، إما اجتهادا وبحثا في الأدلة ، وإما تقليدا : فإنه لا ينكر عليه أصلا ، فضلا عن أن يحكم عليه بأنه عاصٍ ، أو يهجر
وانظر تفصيلا لحكم هذه المسألة في الفتوى رقم : (102260) .

وأما التدخين ، وحلق اللحية : فقد سبق في الموقع بيان الأدلة على تحريم التدخين ، وتحريم حلق اللحية ، انظر الفتوى رقم :(219947) ، (10922) .
ولكن يوجد من المعاصرين من يفتي بأنهما ليسا حراما ، فإذا قلدهما العامي الذي يثق في علمهم من يفتي بذلك ، وليس عنده القدرة على البحث والنظر في الأدلة ، فإنه يكون معذورا إذ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .

على أن حلق اللحية يفعله بعض الناس ، وهو يعلم أنه معصية في نفسه ، ولكنه يفعل ذلك مكرها ، إما حقيقة ، وإما يتأول ذلك ، حيث يخشى من بطش بعض الحكومات الجائرة التي تضطهد من يعفي لحيته ؛ فمثل هؤلاء لا نجزم أنهم عصاة ، بل جانب العذر في حقهم : وارد جدا ، والله تعالى بر رحيم ، يحب العذر لعباده ، ولا يعنتهم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android