نحن أسرة مكونة من خمس بنات وأربعة رجال وأم وأب ، البنات كلهن متزوجات والرجال أيضا متزوجون .
أبي توفي وترك مسكنا يتربع على 300 متر مربع ، ونعيش فيه أنا وأخي ، لكن بعد وفاة والدي بثلاث سنوات توفي أخي الأكبر تاركا زوجته مع بنت وولد ، حينها اكتشفنا أن أبي أعطى وقسم نصف السكن لأخي المتوفي رغم أن هذا السكن يرثه عشرة أشخاص ، أي أنا وأخوتي ، ونحن في مشكلة بسبب هذا ، كون المرحومين سطرا هذا الفعل بدون علمنا وفي الخفاء ، السؤال هو : هل نستطيع إعادة النظر في تقسيم الميراث ؟ وما حكم هذا الفعل ؟
إذا فضّل بعض أولاده بالعطية ، ثم مات ، فهل يلزم إرجاعها ؟
السؤال: 225739
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
يحرم التمييز في العطية بين الأولاد على الصحيح من قولي أهل العلم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المفاضلة بينهم ، وسماها جورا وظلما ، وأبى أن يشهد عليها ، وأمر بإرجاعها .
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما : أن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ) فَقَالَ : لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَارْجِعْهُ ) أخرجه البخاري (2586) ، ومسلم (1623) .
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ ) قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ : ( أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ ) قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ) .
نحلت : أي : أعطيت ، من النِّحلة ، وهي العطاء .
قال الشوكاني رحمه الله :
” وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية ، وأن التفضيل باطل ، جور ، يجب على فاعله استرجاعه ” انتهى من ” الدراري المضية شرح الدرر البهية ” (1/348) .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : ( 22169 ) .
ثانيا :
إذا فاضل الأب بين أولاده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل التسوية ، فالواجب على من أخذ زيادة على غيره أن يرد تلك الزيادة إلى التركة وتقسم على جميع الورثة . وهو اختيار الإمام البخاري ورواية عن الإمام أحمد . واختاره أيضا : ابن عقيل وشيخ الإسلام بن تيمية ، ومن المعاصرين : علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن عثيمين وغيرهم رحم الله الجميع .
ينظر : ” فتح الباري ” لابن حجر (5/514) ، ” المغني ” لابن قدامة (8/269) ، ” الشرح الممتع ” (11/85) ، ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (16/218) .
وقد روى سعيد بن منصور (291) بإسناده أن سعد بن عبادة قسم مالا بين ولده وخرج إلى الشام فوُلد له ابن بعده ، فمات ، فجاء أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا : ( إن سعدا قسم بين ولده وما يدري ما هو كائن ، وإنا نرى أن ترد على هذا الغلام ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” والصحيح من قولي العلماء أن الذي خَصَّ بناته بالعطية دون حَمْلِهِ : يجب عليه أن يرد ذلك في حياته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن مات ولم يرده رُدَّ بعد موته على أصح القولين أيضا ، طاعةً لله ولرسوله ، واتباعاً للعدل الذي أمر به ، واقتداءً بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولا يحل للذي فُضِّل أن يأخذ الفضل ، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به ” انتهى من ” الفتاوى الكبرى ” (4/184) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الصواب : أنه إذا مات – يعني الأب الذي فضل بعض الأولاد – وجب على المفضَّل أن يرد ما فُضِّل به في التركة ، فإن لم يفعل خصم من نصيبه إن كان له نصيب ؛ لأنه لما وجب على الأب الذي مات أن يسوي ، فمات قبل أن يفعل صار كالمدين ، والدين يجب أن يؤدى ، وعلى هذا نقول للمفضَّل : إن كنت تريد بر والدك فرد ما أعطاك في التركة ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (11/85) .
وبناء على هذا : فإن كان الواقع كما ذكر ، ولم تطب أنفسكم بترك هذا المال لزوجة أخيكم وأولاده : فالواجب عليهم أن يردوا هذا المال في تركة والدكم ، ليقسم على مستحقيه من الورثة .
والذي نأمله منكم أن تبذلوا وسعكم في حل هذا التنازع بشيء من التصالح والتراضي والحفاظ على ترابط الأسرة ، وصلة الرحم ، ونذكركم بقول الله تعالى : ( وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة/237 .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة