0 / 0

هل الدعاء بالهداية يعتبر من الغيبة ؟

السؤال: 226001

هل الدعاء للمسلم بالهداية يعتبر من الغيبة ؟ لأني سمعت داعية على التلفاز يقول إن ابن تيمية قال هذا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
طلب الهداية للنفس أو للغير , من أحسن الأدعية ؛ وذلك لأن الإنسان يحتاج للهداية في كل مراحل حياته جملة وتفصيلاً إلى أن يدخل الجنة ؛ ولذلك نطلبها في الصلاة جماعة أو منفردين في كل ركعة حين نقول في قراءة الفاتحة : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية لعلي بن أبي طالب , وناهيك به هداية واستقامة رضي الله عنه .

فعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : ” بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ ، وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ ، وَثَبِّتْ لِسَانَهُ . قَالَ : فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ ” رواه ابن ماجه (2310) ، وصححه الألباني رحمه الله .

ودعا أيضا لأم أبي هريرة بالهداية ، وقد كانت كافرة ، فأسلمت رضي الله عنها .
ودعا لأقوام آخرين على وجه العموم في وقائع متعددة ، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى بيان .

ثانيا :
أما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، فقد حصل فيه لبس من القائل المذكور ، أو من السائل ؛ وذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قد كان يتكلم عن أقوام ممن لهم قصد في غيبة المسلمين ، وهتك أعراضهم ، غير أنهم لا يذكرون ذلك صريحا ، وإنما يتحيلون إليه بحيل شتى ، ويظهرونه في لباس الدين ، وهو من الفجور ، وتعدي الحرمات ، وانتهاك الأعراض .

يقول شيخ الإسلام رحمه الله :
” ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى :
تارة في قالب ديانة وصلاح ، فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ، ولا أحب الغيبة ولا الكذب ؛ وإنما أخبركم بأحواله .
ويقول : والله إنه مسكين ، أو رجل جيد ؛ ولكن فيه كيت وكيت .
وربما يقول : دعونا منه ، الله يغفر لنا وله ؛ وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه . ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة ، يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا !!
وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (28/237) .

وهذا المعنى : واضح لا لبس فيه ، ولا إشكال ، ولا علاقة لمثل ذلك : بالدعاء لمسلم بالهداية ، أو نحو ذلك ؛ إنما يتحدث عن المقاصد الخبيثة ، التي يخرجها أصحابها في زي الديانة والرقة للمسلمين .

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :
” وأخبث أنواع الغيبة : غيبة القراء المرائين ؛ فإنهم يُفْهِمون المقصود ، على صيغة أهل الصلاح ، ليُظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ، ويُفهمون المقصود ، ولا يدرون بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين : الغيبة ، والرياء .
وذلك : مثل أن يذكر عنده إنسان ، فيقول : … سَاءَنِي مَا جَرَى عَلَى صَدِيقِنَا من الاستخفاف به ، نسأل الله أن يروح نفسه !! فيكون كاذباً في دعوى الاغتمام ، وفي إظهار الدعاء له ؛ بل لو قصد الدعاء لأخفاه في خلوته ، عقيب صلاته ، ولو كان يغتم به ، لاغتم أيضاً بِإِظْهَارِ مَا يَكْرَهُهُ .
وَكَذَلِكَ يَقُولُ : ذَلِكَ الْمِسْكِينُ قَدْ بُلِيَ بِآفَةٍ عَظِيمَةٍ ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا وعليه !!
فهو فِي كُلِّ ذَلِكَ : يُظْهِرُ الدُّعَاءَ ؛ وَاللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى خُبْثِ ضَمِيرِهِ ، وَخَفِيِّ قَصْدِهِ . وَهُوَ ـ لِجَهْلِهِ ـ لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم مما تعرض له الجهال إذا جاهروا ” انتهى من ” إحياء علوم الدين ” (3/145) .

ويقول ابن الجوزي رحمه الله :
” وأما منبع الغيبة من القراء والنساك : فمن طريق التعجب ؛ يبدي عُوار الأخ ، ثم يتصنع بالدعاء في ظهر الغيب . فيتمكن من لحم أخيه المسلم ، ثم يتزين بالدعاء له !!
وأما منبع الغيبة من الرؤساء والأساتذة : فمن طريق إبداء الرحمة والشفقة ؛ حتى يقول : مسكينٌ فلان ؛ ابتُلِي بكذا ، وامتُحِن بكذا ، نعوذ بالله من الخذلان !! فيتصنع بإبداء الرحمة والشفقة على أخيه ، ثم يتصنع بالدعاء له عند إخوانه ، ويقول : إنما أبديت لكم ذاك لتكثروا دعاءكم له !!
ونعوذ بالله من الغيبة ، تعريضا أو تصريحا ؛ فاتق الغيبة ، فقد نطق القرآن بكراهتها ، فقال عز وجل : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك أخبار كثيرة ” انتهى من ” تلبيس إبليس ” (ص 106) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android