انتشر بين الناس خبر نقل جثتي حذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم ، حيث كانا مدفونين بمحاذاة نهر دجلة بالعراق ، إلا أن تكرار فيضان النهر جعل الحكومة العراقية في عهد الملك غازي تقوم بنقلهما إلى مكان آخر .
وقيل : جاءا إلى الملك في المنام ، وطلبا منه نقل قبريهما ، فنبشهما ونقلهما .
وقيل : وجدوا الجثتين بحالتهما ، لم تتحللا .
وهذا غير صحيح ؛ فإن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مات بالمدينة ، ودفن بها ، كما نص على ذلك المؤرخون .
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله :
" سنة ثمان وسبعين : فيها توفي جابر بن عبد الله بالمدينة، وصلى عليه أبان بن عثمان " .
انتهى من "تاريخ دمشق" (11/ 239) .
وقال ابن سعد رحمه الله في "الطبقات الكبرى" (5/ 115):
" كَانَتْ وِلايَةُ أَبَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَبْعَ سِنِينَ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا سَنَتَيْنِ ، وَتُوُفِّيَ فِي ولايته جابر بن عبد الله ومحمد ابن الحنفية، فصلى عليهما بالمدينة وهو وال " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (12/ 281):
" تُوُفِّيَ جَابِرٌ بِالْمَدِينَةِ، وَعُمْرُهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً ".
وقال ابن الأثير رحمه الله في "أسد الغابة" (1/ 492):
" توفي جابر سنة أربع وسبعين ، وقيل: سنة سبع وسبعين ، وصلى عليه أبان بْن عثمان ، وكان أمير المدينة " .
وانظر : "معجم الصحابة" للبغوي (1/ 448) ، "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 143)
وقال غير واحد : كان جابر بن عبد الله آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم .
فعن قتادة قال: " كان آخر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم موتا بالمدينة : جابر " .
انتهى من "الإصابة" (1/ 546) .
وقال أبو نعيم : " يقال مات وهو ابن "94" سنة ، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة " انتهى من "تهذيب التهذيب" (2/ 43) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ بِالْمَدِينَةِ ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/ 419) .
أما حذيفة رضي الله عنه فمات بالمدائن من أرض العراق ، ودفن بها .
قال العجليّ رحمه الله :
" استعمله عمر على المدائن ، فلم يزل بها حتى مات بعد قتل عثمان ، وبعد بيعة علي بأربعين يوما " انتهى من "الإصابة" (2/ 39) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (4/ 29) .
وانظر : " التهذيب" (2/220) .
والرؤى المنامية لا يعول عليها في شيء من أحكام الشريعة .
ولعل هذه الرؤيا – إن كانت قد وقعت فعلا - تكون من تلبيس الشيطان على عوام المسلمين ، فيوهمهم بأن هذين القبرين لصحابيين جليلين ، ليعظموا هذين القبرين ، ويتبركوا بهما ، ومعلوم أن تعظيم القبور من أسباب الوقوع في الشرك بالله تعالى .
ولا ينكر عدم تحلل جثمان أحد من الصحابة ، لو ثبتت الرواية بذلك .
فإن هذه كرامة يكرمهم الله تعالى بها ، وقد ثبت ذلك لكثير منهم ، كما هو معلوم في كتب السير والتاريخ .