تنزيل
0 / 0
530119/02/2016

هل العلم الحديث يرفع الحكم الشرعي من النجاسة إلى الطهارة مثلا؟

السؤال: 227596

هل يمكن أن يؤثر العلم الحديث في الفتاوى الشرعية ، فمثلا : اختلف العلماء في طهارة الدم ، فلو أخذنا عينة من الدم ووضعناها تحت المجهر ، ووجدنا أن مكونات الدم كلها مواد طاهرة كالماء ، فهل يحكم بطهارته ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

تغيير العلم الحديث الأحكامَ الشرعية الثابتة سؤالٌ مغالط ، لا يمكن أن يُتصور أو
يقع ؛ ومتناقض في أصله ؛ ذلك أن حقائق الكون وحقائق الشرع مصدرُهما واحد ، وهو
الخالق جل وعلا ، وحينئذ لا يمكن أن يقع بينهما التناقض بحيث يرفع أحدهما الآخر أو
يلغيه ، وكل من يعتقد خلاف ذلك إنما أُتي من ضعف بحثه وتحريه ، وأُتي من خطئه في
تصور العلم الحديث ، أو خطئه في الوصول إلى الحكم الشرعي .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما – سواء كانا عقليين أو سمعيين ، أو أحدهما
عقلياً والآخر سمعياً – وهذا متفق عليه بين العقلاء ؛ لأن الدليل القطعي هو الذي
يجب ثبوت مدلوله ، ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة ، وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان
، وأحدهما يناقض مدلول الآخر ، للزم الجمع بين النقيضين ، وهو محال .
بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية ، فلا بد من أن يكون
الدليلان ، أو أحدهما غير قطعي ، أو أن لا يكون مدلولاهما متناقضين ، فأما مع تناقض
المدلولين المعلومين : فيمتنع تعارض الدليلين” انتهى من ” درء تعارض العقل والنقل ”
(1/79) .
ويقول أيضا رحمه الله :
” تأملت ، ووجدت : ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمعٌ [السمع هو الكتاب والسنة] قط
، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع ، أو دلالة ضعيفة ، فلا يصلح أن
يكون دليلاً لو تجرد عن معارضة العقل الصريح ، فكيف إذا خالفه صريح المعقول !
ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول ، بل بمحارات العقول ، فلا يخبرون بما
يعلم العقل انتفاءه ، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ” .
انتهى من “درء تعارض العقل والنقل” (1/147) .

ولهذا ؛ فالفرضية الواردة في
السؤال غير واقعية ؛ لأن الحكم الشرعي الثابت لا يمكن أن يأتي العقل أو العلم بخطئه
ومناقضته ، بل يأتي كل منهما مؤكدا للآخر .
قال ابن أمير الحاج رحمه الله تعالى :
” لا مانع في الشرع والعقل من تعاضد الأدلة وتأكد بعضها ببعض … وقد ملأ السلف
كتبهم بالتمسك بالنص والمعقول في حكم واحد ، ولم ينقل عن أحد في ذلك نكير ، فكان
إجماعا على جوازه ” انتهى من ” التقرير والتحبير ” ( 3 / 178 ) .
والمثال الذي ذكرته في سؤالك غير واقعي أيضا ، فالدم ثبتت نجاسته بالأدلة والإجماع
، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (114018)
.
ثم ، من قال : إن مناط الحكم على العين بالنجاسة ، أو التحريم : هو مكوناتها
الأولية ، التي يكشف عنها المجهر ؟
فالنجاسات المغلظة ، إذا حللناها : ماذا تظن أن تعطينا ؟
فإن مناط الحكم بالطهارة أو النجاسة هو للدليل الشرعي الذي يتعبدنا الله عز وجل به
وباتباعه ، وليس المناط اكتشاف المكونات إن كانت مستقذرة أم غير مستقذرة ،
فالاستقذار لا يستلزم النجاسة ، ألا ترى أن الشريعة حكمت بطهارة مخاط الأنف ومني
الإنسان وقذى العين ، رغم كونها من المستقذرات عرفا وعادة ، وأيضا رجح المحققون من
العلماء طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه من الحيوانات رغم كونه مستقذرا ، وأيضا حكمت
الشريعة بنجاسة لحم الخنزير رغم عدم استقذاره من جهة كثير من الناس !!

وهذا لا ينفي إمكان الإفادة
من العلوم الحديثة في جوانب مهمة من الفتاوى الشرعية ، وذلك عبر البحث في تحقيق
المناط الذي جاءت به الشريعة ، كالبحث في مضار بعض المواد وتعاطيها من خلال أدوات
العلم الحديث ، فإن تبين الضرر تأكدنا من تحقق مناطه فأفتينا بالمنع والتحريم .
ومثله البحث في المواد المسكرة مثلا ، من خلال المختبرات الفنية ، فإن تبين إسكار
الكثير من الشراب حرم القليل منه .
ومثله أيضا الاستعانة بنتائج العلوم الحديثة في فهم شرح العلماء لبعض الأحاديث
النبوية ، كما تقرر في فهم حديث ( لا عدوى ) متفق عليه ، وأن المقصود به نفي العدوى
التي كان يؤمن بها أهل الجاهلية ، والتي تنتقل بذاتها ، ويعدونها المسبب وليست مجرد
سبب ، وأما كون العدوى سببا بإذن الله لانتقال المرض فهذا يؤكده الطب الحديث ،
وبينه العلماء أيضا في شرح الحديث الشريف.
هذه بعض الجوانب المهمة التي يمكن الإفادة فيها من العلوم الحديثة في الفتاوى
الشرعية الاجتهادية.

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android