تنزيل
0 / 0

إذا تاجر الولي في مال اليتيم ، فهل يجوز له أن يأخذ شيئاً من الأرباح مقابل عمله في ذلك المال ؟

السؤال: 227700

أنا وصي شرعي على أموال ابنة شقيقي اليتيمة ، وقد قمت باستثمارها في العقارات حفاظا عليها وعلى قيمتها ، وقد ربحت هذه الأموال كثيرا ، بما يتعدى ضعفي أصلها .
وسؤالي : هل يحق لي أن آخذ من هذه الأرباح نسبة ؟ علما بأنني لم أكن أنوي نية الشراكة من الأصل ، وما هي النسبة في حال أنه يحق لي ذلك ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
يستحب لولي اليتيم ووصيه على ماله ، أن يستثمر ويتاجر في مال اليتيم .
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله :
” تُسْتَحَبُّ التِّجَارَةُ بِمَالِ الْيَتِيمِ ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه
وَغَيْرِهِ : (اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى ؛ لِئَلَّا تَأْكُلَهَا
الصَّدَقَةُ ) انتهى من ” كشاف القناع ” (3/449) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله
:
” ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) من التجارة
فيه ، وعدم تعريضه للأخطار ، والحرص على تنميته ” انتهى من ” تفسير السعدي ”
(ص/457) .

وللفائدة ينظر في جواب
السؤال رقم : (139359) .

ثانياً :
اختلف العلماء رحمهم الله : في الولي إذا تاجر في مال اليتيم ، هل يجوز له أن يأخذ
لنفسه جزءاً من الربح ، مقابل عمله في ذلك المال ؟ على قولين لأهل العلم .

قال ابن قدامة رحمه الله :
” فَمَتَى اتَّجَرَ فِي الْمَالِ بِنَفْسِهِ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ ،
وَأَجَازَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَإِسْحَاقُ : أَنْ يَأْخُذَهُ الْوَصِيُّ
مُضَارَبَةً لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ بِذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ
فَجَازَ أَنْ يَأْخُذ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ
الرِّبْحَ نَمَاءُ مَالِ الْيَتِيمِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إلَّا بِعَقْدٍ
, وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ الْمُضَارَبَةَ مَعَ نَفْسِهِ ” انتهى من
” المغني ” (4/165) .

وقال الشيخ خالد المشيقح
حفظه الله :
” اختلف العلماء رحمهم اللَّه في استحقاق الولي ، أو غيره ممن عمل في مال اليتيم
جزءاً من ربحه على قولين :

القول الأول : أنه يجوز
للولي أن يأخذ لنفسه ، وأن يعطي غيره ، وهو مذهب الحنفية ، وتخريج للحنابلة .
وحجة هذا القول :
1. قوله تعالى : ( ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) ، وجه
الدلالة : أنه إذا جاز لـه الأكل مع عدم العمل ، فجوازه مع العمل فيه وتنميته من
باب أولى .

2. قوله تعالى : ( إن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) ، وجه
الدلالة : أن صريح الآية تحريم أكل مال اليتيم ظلماً ، مفهومها جوازه مع عدم الظلم
، ومن ذلك أخذ شيء من ربح ماله ، إذ هو أخذ بحق ؛ لأنه مقابل العمل بماله .

3. قول عمر رضي الله عنه : ”
ابتغوا في أموال اليتامى لا تستغرقها الصدقة ” ، وجه الدلالة : أن عمر رضي الله عنه
أمر بالمضاربة في مال اليتيم ، والمضاربة دفع مال لمن يعمل فيه مقابل جزء مشاع من
ربحه .

4. أنه إذا جاز للولي أن
يدفع جزءاً من ربح مال اليتيم إلى غيره ، فكذا يجوز لـه أخذ ذلك .

القول الثاني : أن الولي ليس
لـه أن يأخذ شيئاً من الربح ، وله أن يعطي غيره ممن دفع لـه المال مضاربة ، وبه قال
جمهور أهل العلم من المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .
وحجة هذا القول : أن الربح نماء مال اليتيم ، فلا يستحقه غيره إلا بعقد ، ولا يجوز
أن يعقد الولي المضاربة لنفسه .

الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول ، إذ لا فرق بين الولي وغيره مع زوال التهمة
. ولأن الولي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته ، وهذا فيه مصلحته ، فأشبه تصرف
المالك في ماله ” انتهى من ” الإفادة من مال اليتيم في عقود المعاوضات والتبرعات ”
للشيخ خالد المشيقح (ص/297-298) .

فعلى القول ، بأن للولي أن
يأخذ جزءاً من الربح إذا هو تاجر بمال اليتيم ، ففي هذه الحال الذي يحدد مقدار ذلك
الربح ، هو القاضي الشرعي ؛ حتى لا يقع الإنسان في محاباة نفسه ، فيأخذ أكثر مما
يستحق .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله
:
” فإذا أراد الولي أن يأخذ أجرة على أعماله ، أو جزءا من الربح في تجارته في
أموالهم ، فعليه مراجعة الحاكم الشرعي ، حتى يحدد له ما يقتضيه الشرع المطهر في ذلك
” .
انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز ” (21/103) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
” قوله : ويتجر له مجاناً يعني أن ولي الصغير والمجنون والسفيه يتجر له ، أي :
لموليه ، مجاناً ، يعني لا يأخذ شيئاً ، فيبيع ويشتري بماله ، ولكن لا يأخذ شيئاً ؛
لأنه أمين يتصرف لحظ هذا الذي ولاه الله عليه …. .
فإذا قال : أنا أريد أن أتجر بمال المحجور عليه ، ولي نصف الربح ، أو ربع الربح حسب
ما يرى في السوق ، فإنه ليس له ذلك ؛ لأنه متهم ، فلا يجوز أن يفعل ، لكن كما سبق ،
إذا كان يقول : أنا لن أتجر إلا بسهم ؛ لأنه يصدني عن اتجاري بمالي ، نقول : حينئذٍ
تُحوَّلُ المسألة إلى القاضي ، ليفرض له من السهم ما يرى أنه مناسب ” .
انتهى من ” الشرح الممتع ” (9/309 – 311) .
وينظر جواب السؤال رقم : (59933) .

فإذا كنت في بلد ليس بها
قضاء شرعي ، فإنك تجتهد في سؤال رجلين ، أو أكثر ، من أهل الثقة والأمانة والخبرة ،
عن النسبة التي تستحقها مقابل عملك ، فلا تخرج عما يخبرونك به ، ثم تكتب بذلك كتابا
وتشهد عليه رجلين عدلين ، ويستحسن أن يكونا من العائلة حتى تدفع التهمة عن نفسك ،
فلا تتهمك هذه اليتيمة أو غيرها أنك أكلت مالها بغير حق .

ثانياً :
لا يجوز لك أن تأخذ شيئا من الأرباح الماضية شيئا ، لأنك لم تتجر فيه بنية المضاربة
والمشاركة في الربح أصلا ، وإنما فعلت ذلك متبرعا .
لكن إذا كنت فقيرا محتاجا للمال ، فيجوز لك أن تأخذ الأقل من مقدار كفايتك أو أجرة
عملك .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ وَصِيٍّ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ
، وَقَدْ قَارَضَ فِيهِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَقَدْ رَبِحَ فِيهِ فَائِدَةً
مِنْ وَجْهِ حِلٍّ : فَهَلْ يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْفَائِدَةِ
شَيْئًا ؟ أَوْ هِيَ لِلْيَتِيمِ خَاصَّةً ؟
فَأَجَابَ : “الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ ؛ لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ
فَقِيرًا ، وَقَدْ عَمِلَ فِي الْمَالِ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ
الْأَمْرَيْنِ : مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ، أَوْ كِفَايَتِهِ ، فَلَا يَأْخُذُ
فَوْقَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ
، لَمْ يَأْخُذْ أَكْثَرَ مِنْهَا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” لابن تيمية
(31/323).

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android