تنزيل
0 / 0
26,70827/01/2016

هل يجوز لآحاد الناس قتل المرتد دون حكم القضاء؟

السؤال: 228482

سمعت أن القتل هو حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم بالإجماع ، إلا أن بعض علمائنا اليوم يرى أن هذا الحكم غير صحيح ، إذ لا بد من محاكمة أولاً ، فما الرأي الصحيح ؟
وسمعت أيضاً أن كعب بن الأشرف وغيره قُتلوا لأنهم سبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، لكننا نجد أنهم قتلوا في العهد المدني ، وهو عهد التمكين ، وبالتالي فإن البعض يرى أن المسلمين الآن في عهد يشبه العهد المكي وليس المدني ، إذ ليس لهم سلطة ، ولا خلافة ، وعليه فإن القتل ليس حكماً صحيحاً في مثل هذه الظروف ، فما رأيكم ؟
أتمنى منكم الشرح بالتفصيل ، مع ذكر الدليل من السنة والتنزيل ، وقول الأوائل من علماء التأويل .

ملخص الجواب

والخلاصة : أن المرتد بسب النبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره لا يقام عليه عقوبة المرتد إلا من خلال القاضي الشرعي. والله أعلم .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المحاكمة العادلة لمن يسب النبي صلى الله عليه وسلم ليست قولا لبعض العلماء ، بل هي
قول عامتهم ؛ لأنهم متفقون على أن إقامة الحدود شأن الإمام أو الحاكم أو نائبه ،
وهو لا يقيمها إلا بقضاء القاضي الذي يتولى الفصل في شؤون العباد في الدنيا .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو من يتولى القضاء بين الناس ، ويتولى الحكم في
أقوالهم وأفعالهم ، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان ذلك للقضاة من الصحابة
والتابعين والأئمة من بعده .
والمصلحة الشرعية تقضي بذلك على وجه القطع أيضا ؛ إذ لو تُرك الأمر للناس ، يضرب كل
منهم عنق من ارتد عن الدين بزعمه ، أو يقيم الحد على من وقع في الفاحشة ، لسالت
الدماء في المجتمع ، واضطربت أحوال الناس ، ودبت الفوضى في شؤونهم وأمورهم .
ولهذا عقد ابن أبي شيبة رحمه الله في كتابه ” المصنف ” (6/429-430) بابا بعنوان : ”
الدم يقضي فيه الأمراء ” ، وأورد فيه بأسانيده الآثار الآتية :
-عن عبد الرحمن بن زيد قال : قال سليمان : ” أما الدم فيقضي فيه عمر ” .
-عن النزال بن سبرة قال : ” كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن لا تقتل نفس دوني ” .
-عن ابن سيرين قال : ” كان لا يُقضَى في دم دون أمير المؤمنين ” .
وعقد بابا آخر (6/507) بعنوان : ” من قال : الحدود إلى الإمام “، وساق فيه الأقوال
الآتية :
-عن الحسن قال : ” أربعة إلى السلطان : الزكاة ، والصلاة [يعني الإمامة فيها] ،
والحدود ، والقضاء ” .
-عن ابن محيريز قال : ” الجمعة ، والحدود ، والزكاة ، والفيء ، إلى السلطان ” .
-عن عطاء الخراساني قال : ” إلى السلطان الزكاة ، والجمعة ، والحدود “.
وهو الأمر الذي استقر في كتب المذاهب المتبوعة ، والأئمة والعلماء ، أن الحدود لا
تقام إلا من خلال بوابة القضاء ، التي هي سلطة مستقلة بتوكيل الإمام .
يقول الكاساني الحنفي رحمه الله – في شروط إقامة الحد -:
” أن يكون المقيم للحد هو الإمام أو من ولاه الإمام ” انتهى من ” بدائع الصنائع ”
(7/57) .
وجاء في ” مواهب الجليل ” (مالكي) (3/358):
” كان الأصل يقتضي أن يجوز لكل أحد القيام بحق الله تعالى في ذلك ، لكن الشرع فوضه
إلى الأئمة ، كي لا يوقع الاستبداد به في الفتن ” انتهى.
وجاء في ” إعانة الطالبين ” (4/157) من كتب الشافعية :
” إن لم يتب المرتد قتل كفرا لا حدا ، فلا يجب غسله ولا تكفينه ، ولا يصلى عليه ،
ولا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه عنهم بالردة ، أي : قَتَلَه الحاكم ، فلو قتله
غيره عُزِّر لافتياته على الإمام [أي : لتعديه على حق الإمام] ” انتهى.
ويقول ابن قدامة الحنبلي رحمه الله :
” قتل المرتد إلى الإمام ، حرا كان أو عبدا ، وهذا قول عامة أهل العلم ، إلا
الشافعي ، في أحد الوجهين في العبد ” انتهى من ” المغني ” (9/8).
ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :
” لا يجوز الافتئات عَلَى الأئمة ونوابهم ، ولا إظهار مخالفتهم ، ولو كانوا مفرطين
في نفس الأمر ، فإن تفريطهم عليهم لا عَلَى من لم يفرط ، كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم في الأئمة: ( يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم
) خرَّجه البخاري ” .
انتهى من ” مجموع رسائل ابن رجب ” (2/608) .
وهكذا ثمة العشرات من النقول عن العلماء الأجلاء عبر العصور ، تؤكد أن إقامة الحد
وقتل المرتد إنما هو شأن القضاء ، وليس شأنا عاما للناس كلهم ، سواء شابه عصرهم
الفترة المكية أم الفترة المدنية ، لا فرق بين الحالين ، كي لا يرفع بعضهم على بعض
السلاح ، فتسيل الدماء بدعوى الوقوع في الردة ، فليس هذا من شأن خاصة الناس ، فكيف
بعامتهم الذين لا يفرقون بين أسباب الردة ، ولا يعرفون موانعها ، ولا حكمها في
المدونات الفقهية ، ولا غيرها من الحدود .
وحوادث السيرة أو السنة النبوية المشار إليها في السؤال تتوافق مع هذا التأصيل ولا
تتعارض ، بل هي التي دلت عليه ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يأمر بإقامة
الحد أو بقتل من يستحق القتل بعد ثبوت ذلك عليه ، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم
في حياته مقام القضاء ، ومقام الولاية ، ومقام الحكم ، وغيرها ، إلى جانب مقام
النبوة المعصوم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “الصارم المسلول ” : ” فالنبي صلى الله
عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود بعلمه ، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي ، ولا
بالدلائل والشواهد ، حتى يثبت الموجب للحد ، ببينة أو إقرار” انتهى .
فمن يفتئت على القضاء الشرعي اليوم ، ويقيم الحدود بنفسه بدعوى ما وقع من حوادث في
السنة النبوية ، فقد تمسك بمنطق ضعيف ، وحجة واهية .
وأولئك الصحابة الكرام الذين قتلوا المرتدين أو المتعرضين لمقام النبوة إنما صنعوا
ذلك بإذن مسبق مباشر من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بإمضاء لاحق منه عليه الصلاة
والسلام ، وذلك هو نفسه حكم القضاء .
وانظر في موقعنا الأرقام الآتية :
(111252) ، (103739) ، (224854) ، (180128)
، (150989)
، (220324)
.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android