ما حكم أن يتصدق الشخص بكل ما يملك ؟.
حكم الصدقة بكل ما يملك
السؤال: 22881
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة : على أنه يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَتِهِ , وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ , وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ يَمُونُهُ أَثِمَ لأن نفقتهم واجبة عليه ، ولا يجوز أن يقدم النفل على الفرض .
وأما ما زاد على مؤونة من تلزمه نفقتهم : فجمهور العلماء أَنَّ إمْسَاكَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ أَوْلَى مِنْ إخْرَاجِ ماله كُلِّهِ فِي الصَّدَقَةِ إلا إن َكَانَ ذَا مَكْسَبٍ , أَوْ كَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ يُحْسِنُ التَّوَكُّلَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فاستحب بعض العلماء أن ينفقه كله وهو المصحح عند الشافعية ، وظاهر كلام الموفق في المغني ، والذي يفهم من مذهب المالكية والحنفية أنهم لا يستحبون ذلك ، لأنهم يقولون بعد ذكر الشروط السابقة في جواز التصدق بالمال كله : ” فلا بأس ” وكأن الأمر عندهم على الجواز ، وإن كان بعض المالكية علق على قولهم لا بأس بما يفيد الاستحباب حين قال : : مَحَلُّ نَدْبِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ طَيِّبَ النَّفْسِ بَعْدَ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ , لا يَنْدَمُ عَلَى الْبَقَاءِ بِلا مَالٍ . وَأَنَّ مَا يَرْجُوهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمَاثِلٌ لِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فِي الْحَالِ , وَأَنْ لا يَكُونَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِنَفْسِهِ , أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , أَوْ يُنْدَبُ الإِنْفَاقُ عَلَيْهِ , وَإِلا لَمْ يُنْدَبْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَحَقَّقَ الْحَاجَةَ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , أَوْ يُكْرَهُ إنْ تَيَقَّنَ الْحَاجَةَ لِمَنْ يُنْدَبُ الإِنْفَاقُ عَلَيْهِ ; لأَنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ , وَمُؤْنَةِ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ” ( الموسوعة الفقهية 26 / 339 )
ومن خلال هذه الأقوال يتضح أنهم لا يحددونه بالثلث ، وأدلة ما ذهب إليه هؤلاء العلماء أدلة من القرآن والسنة منها :
1-قوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَك مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِك , وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ : وَلا تُخْرِجْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِك مَعَ حَاجَتِك وَحَاجَةِ عِيَالِك إلَيْهِ , فَتَقْعُدَ مُنْقَطِعًا عَنْ النَّفَقَةِ وَالتَّصَرُّفِ , كَمَا يَكُونُ الْبَعِيرُ الْحَسِيرُ , وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ فَلا انْبِعَاثَ بِهِ , وَقِيلَ : لِئَلا تَبْقَى مَلُومًا ذَا حَسْرَةٍ عَلَى مَا فِي يَدِك , لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَحَسَّرُ عَلَى إنْفَاقِ مَا حَوَتْهُ يَدُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنْ الإِفْرَاطِ فِي الإِنْفَاقِ وَإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ يَدُهُ مِنْ الْمَالِ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْحَسْرَةُ عَلَى مَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ . ( الموسوعة 4 / 184 ) .
2- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ مِنْ تَوْبَتِي : أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي , صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ” ( خ / 2552 ، م / 4973 )
ولم يحدد له النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة بالثلث .
قال الشوكاني رحمه الله : ” دَلَّ حَدِيثُ كَعْبٍ أَنَّهُ يَشْرُعُ لِمَنْ أَرَادَ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنْ يُمْسِكَ بَعْضَهُ وَلا يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَهُ لَمْ يُنَفَّذْ وَقِيلَ : إنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَحْوَالِ , فَمَنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى ذَلِكَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ لَمْ يُمْنَعْ , وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ فِعْلُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَإِيثَارُ الأَنْصَارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلا , وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ لا صَدَقَةَ إلا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَفِي لَفْظٍ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى .النيل ( 8 / 288 )
3 – عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ ” ( خ / 1368 ، م / 1664 ) .
قال الشوكاني رحمه الله ( النيل 3 / 36 ) :
” وَفِيهِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ مِنْ الْحَيِّ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ , لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَفْصِلْ أَبَا طَلْحَةَ عَنْ قَدْرِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي مَرَضِهِ : ” الثُّلُثُ كَثِيرٌ ”
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد