0 / 0
67,22107/07/2015

حكم السخرية من تحريم فقهاء الحنفية للروبيان أو الجمبري

السؤال: 228823

المذهب الحنفي – كما تعلمون – يحرّم سمك الروبيان ( الجمبري ) ، مما يجعلنا في بعض الأحيان نطلق الفكاهات على الأتراك الذين يتبعون المذهب الحنفي ، ويحرمون أنفسهم هذه النعمة .
ثم أدركت فيما بعد أن هذا قد يدخل تحت مسمى الاستهزاء بالدين .
فأريد منكم التوضيح بهذا الشأن ؛ أي : هل السخرية من بعض أحكام المذاهب الفقهية – كهذا الحكم السالف الذكر – من قبيل الاستهزاء بالدين . وإذا كان كذلك ، هل تجب علي التوبة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المزاح في حكم فقهي مقرر عند أحد المذاهب المعتبرة ليس استهزاء بالدين نفسه ، إلا إذا كان يعلم أن هذا الحكم الذي يسخر به ، قد جاء به الدين ، فحينها تخشى عليه الردة والخروج من الإسلام .
أما إذا كان المازح أو الساخر لا يعتقد أن هذا الحكم من الدين أصلا ، ويرى براءة الشريعة منه ، فقد أتى محرما شرعيا وأخلاقيا ، فهو – على أقل الأحوال – استهزاء بمذهب فقهي معتبر ، له علماؤه وأئمته الذين يحترمهم المسلمون ويعظمونهم ويبجلونهم ، وهذا أمر لا يليق بالمسلم ولا يصدر عنه ؛ وهذا المذهب كغيره من مذاهب أهل السنة الفقهية ينطلق من الأدلة الشرعية ، فلا يجوز لأحد أن يسخر من اجتهادات علمائه ، والله عز وجل يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ) الحجرات/11، فمن باب أولى أن لا يسخر الناس من قول معتبر لدى العلماء عسى أن يكون هذا القول أهدى سبيلا عند الله ، ما دام في دائرة الاجتهاد .
يقول العلامة الكاساني الحنفي رحمه الله – مستدلا على حرمة حيوانات البحر غير السمك بأنها ميتة ، ومجيبا على أدلة الجمهور -:
” ولنا قوله تبارك وتعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) المائدة/3، من غير فصل بين البري والبحري .
وقوله عز شأنه : ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث ) الأعراف/157، والضفدع والسرطان والحية ونحوها من الخبائث .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سئل عن ضفدع يجعل شحمه في الدواء . فنهى عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفادع ) وذلك نهي عن أكله . وروي أنه لما سئل عنه فقال عليه الصلاة والسلام : ( خبيثة من الخبائث )
ولا حجة لهم في الآية [يعني قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ) المائدة/96]؛ لأن المراد من الصيد المذكور هو فعل الصيد ، وهو الاصطياد ؛ لأنه هو الصيد حقيقة لا المصيد ؛ لأنه مفعول فعل الصيد ، وإطلاق اسم الفعل يكون مجازا ، ولا يجوز العدول عن حقيقة اللفظ من غير دليل ؛ ولأن الصيد اسم لما يتوحش ويمتنع ، ولا يمكن أخذه إلا بحيلة ، إما لطيرانه ، أو لعدوه ، وهذا إنما يكون حالة الاصطياد ، لا بعد الأخذ ؛ لأنه صار لحما بعده ، ولم يبق صيدا حقيقة لانعدام معنى الصيد ، وهو التوحش والامتناع ، والدليل عليه أنه عطف عليه قوله عز شأنه : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) المائدة/96 والمراد منه الاصطياد من المحرم لا أكل الصيد ؛ لأن ذلك مباح للمحرم إذا لم يصطده بنفسه ولا غيره بأمره ، فثبت أنه لا دليل في الآية على إباحة الأكل ، بل خرجت للفصل بين الاصطياد في البحر وبين الاصطياد في البر للمحرم .
والمراد من قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( والحل ميتته ) السمك خاصة ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : الميتتان السمك والجراد ، والدمان الكبد والطحال ) فسَّر عليه الصلاة والسلام بالسمك والجراد ، فدل أن المراد منها السمك ، ويحمل الحديث على السمك ، وتخصيصه بما تلونا من الآية ، وروينا من الخبر ” .
انتهى من ” بدائع الصنائع ” (5/ 35-36)
وكلام الكاساني رحمه الله محل نظر ومناقشة عند جمهور الفقهاء ، ولكن مقصودنا هنا أن نتأمل كيف يحتج فقهاء الحنفية بالأدلة ، وليس بالهوى والتشهي ، الأمر الذي يؤكد أن الاستهزاء أو التنقص باسم المزاح ، ليس من العلم ولا من الأدب ، ولكنه في الوقت نفسه لا يعد كفرا أو استهزاء بالدين نفسه ، تقديرا لاعتقاد المازح نفسه في المسألة ، وأنه لا يراها من الشريعة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الاستهزاء بقول غيرك من أهل العلم وإن كنت عالماً لا يحل ، ما دامت المسألة مبنية على الاجتهاد ، فإنه ليس اجتهادك أولى بالصواب من اجتهاد الآخر ، وليس اجتهاده أولى بالصواب من اجتهادك ، والصواب من اجتهاديكما ما وافق الكتاب والسنة ” .
انتهى من ” فتاوى نور على الدرب للعثيمين ” (4/ 2، بترقيم الشاملة آليا) .
فالواجب على المسلم أن يحفظ لسانه ، ويكف عن السخرية من المسلمين وعلمائهم وإطلاق الفكاهات عليهم ، وتزداد حرمة المسلم إذا كان عالما بالشريعة وقدوةً للناس .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android