ما الحكم إن كنت في بيتي أو في الشارع وكان معي أمي وأختي وتهجم علينا رجل يحمل سلاحا ولا أستطيع مقاومته ؟ ومتى يجب علي قتله أو مهاجمته ؟ أو إذا لقيت فتاة في الشارع يتهجم أو يتحرش بها رجل وإن لم أكن قادرا على مقاومته ، أو إذا لقيت فتاة لباسها خليع ولا أدري إن كانت مسلمة سواء استنجدت أم لم تستنجد بي وكان يتحرش بها أحد أو تحرش بها عدة اشخاص وكانوا يحملون أسلحة ، فماذا يتوجب علي أن أفعل دينا في كل الحالات مع ذكر الدليل ؟
حكم الدفاع عن العرض
السؤال: 228854
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
شرع الإسلام الدفاع عن العرض ، حتى وإن كان لا يتحقق إلا بقتل المعتدي ، أو كان يؤدي إلى قتل المدافع ، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ ، أَوْ دُونَ دَمِهِ ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) رواه أبوداود (4772) والترمذي (1421) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في ” إرواء الغليل” (708) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وأما الدفع عن الحرمة : مثل أن يريد الظالم أن يفْجُر بامرأة الإنسان ، أو ذات محرمه ، أو بنفسه ، أو بولده ونحو ذلك ، فهذا يجب عليه الدفع ، لأن التمكين من فعل الفاحشة لا يجوز … وإذا لم يندفع إلا بالقتال وهو قادر عليه قاتل ” انتهى من “جامع المسائل” (4 / 230) .
وكما يجب على الرجل أن يدافع عن عرض أهله ، فكذلك يجب على هؤلاء الأهل ألّا يستسلموا للمعتدي عليهم ، بل عليهم أيضا أن يدفعوا المعتدي .
قال الرملي رحمه الله تعالى :
” الزنا لا يباح بالإكراه ، فيحرم على المرأة أن تستسلم لمن صال عليها ليزني بها مثلا ، وإن خافت على نفسها ” انتهى من “نهاية المحتاج ” (8 / 25) .
وذكر النووي رحمه الله تعالى اتفاق أهل العلم على وجوب هذه المدافعة ؛ حيث قال :
” وأما المدافعة عن الحريم : فواجبة بلا خلاف ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (2 / 165) .
وللمسلم أن يدافع عن عرضه حتى ولو غلب على ظنه أنه سيقتل ؛ لأن دفاعه هذا يحقق أحد المقصدين :
إما حماية العرض ، إذا كان يعلم أنّ هذا القتال يحقق هذه الحماية ويكفّ المتعدي .
أو القيام بما شرع له من الجهاد ، ومقاومة الظلم ، إن غلب على ظنه القتل وعدم تحقق كفّ شرّ المعتدي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وهذا الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنه أنه يقتل قسمان :
… والثاني : أن يكون العدو قد طلبه ، وقتاله قتال اضطرار … ويكون قتال هذا إما دفعا عن نفسه وماله وأهله ودينه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد ) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح .
ويكون قتاله دفعا للأمر عن نفسه أو عن حرمته ، وإن غلب على ظنه أنه يقتل ، إذا كان القتال يحصل المقصود ، وإما فعلا لما يقدر عليه من الجهاد ، كما ذكرناه عن عاصم بن ثابت وأصحابه ” انتهى من ” جامع المسائل ” (5 / 328 – 329) .
وقصة عاصم بن ثابت رضي الله عنه رواها البخاري (3045) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: ” بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ـ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالهَدَأَةِ ـ وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ـ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ ، فَقَالُوا : هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ ، وَأَحَاطَ بِهِمُ القَوْمُ ، فَقَالُوا لَهُمْ : انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ ، وَلَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ : أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ اليَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ : هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلاَءِ لَأُسْوَةً ـ يُرِيدُ القَتْلَى ـ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى ، فَقَتَلُوهُ ، … : .
فعاصم وأصحابه رفضوا الاستسلام رغم غلبة الظن أنهم سيقتلون وأن قتالهم لا يحقق المقصود وهو النجاة .
ثانيا :
على المعتدى عليه أن يتدرّج في دفع العدوان بالأخف فالأخف فإن لم يستطع كفّ المعتدي إلا بالقتل جاز القتل حينئذ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” يدفعهم ـ أي قطاع الطرق ـ بالأسهل فالأسهل ، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم ، فإن قتل كان شهيدا ، وإن قتل واحدا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرا ؛ وكذلك إذا طلبوا دمه كان له أن يدفعهم ، ولو بالقتل ؛ إجماعا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (34 / 242).
قال النووي رحمه الله تعالى :
” أما كيفية الدفع ، فيجب على المصول عليه رعاية التدريج ، والدفع بالأهون فالأهون ، فإن أمكنه الدفع بالكلام ، أو الصياح ، أو الاستغاثة بالناس ، لم يكن له الضرب … أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب ، فله الضرب … ولو أمكن بقطع عضو ، لم يجز إهلاكه … ولو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ، ولم يجد المصول عليه إلا سيفا أو سكينا ، فالصحيح أن له الضرب به … والمعتبر في حق كل شخص حاجته “.
انتهى من ” روضة الطالبين ” (10 / 187) .
ثالثا :
كما يدافع المسلم عن عرض أهله ، كذلك عليه أن يدافع عن عرض المسلمات ، خاصة إذا استصرخن وطلبن نجدته .
قال الخطيب الشربيني :
“ويجب الدفع عن بُضْعٍ … وسواء بضع أهله أو غيره ” .
انتهى من ” مغني المحتاج ” (5 / 528) .
فيجب على المسلم السعي في الدفع عن عرض المسلمات ، وهذا من وجهين :
الوجه الأول : أن الاعتداء على الأعراض منكر من المنكرات ، والمسلم يجب عليه النهي عن المنكر بقدر ما يستطيع .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) رواه مسلم ( 78 ) .
سئل الغزالي رحمه الله تعالى :
” إذا صال إنسان على آخر ، فعجز المصال عليه عن دفعه ؛ فهل يجب على من يقدر على دفعه أن يدفعه ؛ حتى إن قتله دفعاً لم يجب الضمان ؟
الجواب : يجب ذلك بطريق النهي عن المنكر ، ولا ضمان عليه ” .
انتهى من ” فتاوى الغزالي” (ص113).
الوجه الثاني : جاء الشرع آمرا المسلم بنصرة أخيه المسلم .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا )، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ: ( تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) رواه البخاري (6952) ، ومسلم (2584) من حديث جابر رضي الله عنه .
وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ) رواه البخاري (2442) ، ومسلم (2580) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” ( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ) يعني في الدين …
( وَلاَ يُسْلِمُهُ ) يعني لا يسلمه لمن يظلمه ، فهو يدافع عنه ويحميه من شره ، فهو جامع بين أمرين:
الأمر الأول: أنه لا يظلمه .
والأمر الثاني: أنه لا يسلمه لمن يظلمه ، بل يدافع عنه .
ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ : يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (2 / 566 – 567) .
والمسلمة ، وإن كانت فاسقة بتبرجها مثلا ؛ فإنّ هذا الفسق لا يزيل عنها الأخوة الإيمانية ، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولا يسقط حقها في الموالاة والنصرة ، بحسب القدرة .
قال الله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات /9 – 10 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
” وفي هاتين الآيتين من الفوائد … وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا تزول مع وجود القتال ، كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة ” .
انتهى من ” تفسير السعدي ” ( ص 801) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ومن أصول أهل السنة … لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر ، كما يفعله الخوارج ؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (3 / 151).
والمرأة المجهولة الحال في بلد أكثر أهله مسلمون ، غالب الظن أنها مسلمة ، فيجب الدفاع عنها ؛ وإذا قدر أنها كانت كافرة في نفس الأمر ، فالأصل في تواجدها بين المسلمين أنها تتمتع بأمانهم ، وللمسلم أن يدافع عن الكافر المستأمن لأنه لا يجوز ظلمه .
راجع الفتوى رقم : (52901) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
” ويجوز لغير المصول عليه الدفع ، وله دفع مسلم صال على ذمي ، وأب صال على ابنه ، وسيد صال على عبده ؛ لأنهم معصومون مظلومون ” .
انتهى من ” روضة الطالبين ” (10 / 186) .
وقيّد بعض أهل العلم الوجوب بحال عدم خوف المدافع على نفسه .
قال الرملي رحمه الله تعالى :
” والدفع عن غيره كهو [يعني كالدفع] عن نفسه ، جوازا ووجوبا ؛ حيث أمن على نفسه ” .
انتهى من ” نهاية المحتاج ” (8 / 25) .
والذي يعجز عن الدفع عن الغير بنفسه : فعليه بذل وسعه في الاستعانة بالغير ، واستصراخ الناس ونحو هذا مما يستطيعه ، ويغلب على ظنه حصول المصلحة به .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة