0 / 0
162,18118/07/2015

حكم الدفاع عن العرض

السؤال: 228854

ما الحكم إن كنت في بيتي أو في الشارع وكان معي أمي وأختي وتهجم علينا رجل يحمل سلاحا ولا أستطيع مقاومته ؟ ومتى يجب علي قتله أو مهاجمته ؟ أو إذا لقيت فتاة في الشارع يتهجم أو يتحرش بها رجل وإن لم أكن قادرا على مقاومته ، أو إذا لقيت فتاة لباسها خليع ولا أدري إن كانت مسلمة سواء استنجدت أم لم تستنجد بي وكان يتحرش بها أحد أو تحرش بها عدة اشخاص وكانوا يحملون أسلحة ، فماذا يتوجب علي أن أفعل دينا في كل الحالات مع ذكر الدليل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
شرع الإسلام الدفاع عن العرض ، حتى وإن كان لا يتحقق إلا بقتل المعتدي ، أو كان يؤدي إلى قتل المدافع ، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ ، أَوْ دُونَ دَمِهِ ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) رواه أبوداود (4772) والترمذي (1421) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في ” إرواء الغليل” (708) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وأما الدفع عن الحرمة : مثل أن يريد الظالم أن يفْجُر بامرأة الإنسان ، أو ذات محرمه ، أو بنفسه ، أو بولده ونحو ذلك ، فهذا يجب عليه الدفع ، لأن التمكين من فعل الفاحشة لا يجوز … وإذا لم يندفع إلا بالقتال وهو قادر عليه قاتل ” انتهى من “جامع المسائل” (4 / 230) .

وكما يجب على الرجل أن يدافع عن عرض أهله ، فكذلك يجب على هؤلاء الأهل ألّا يستسلموا للمعتدي عليهم ، بل عليهم أيضا أن يدفعوا المعتدي .
قال الرملي رحمه الله تعالى :
” الزنا لا يباح بالإكراه ، فيحرم على المرأة أن تستسلم لمن صال عليها ليزني بها مثلا ، وإن خافت على نفسها ” انتهى من “نهاية المحتاج ” (8 / 25) .

وذكر النووي رحمه الله تعالى اتفاق أهل العلم على وجوب هذه المدافعة ؛ حيث قال :
” وأما المدافعة عن الحريم : فواجبة بلا خلاف ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (2 / 165) .

وللمسلم أن يدافع عن عرضه حتى ولو غلب على ظنه أنه سيقتل ؛ لأن دفاعه هذا يحقق أحد المقصدين :
إما حماية العرض ، إذا كان يعلم أنّ هذا القتال يحقق هذه الحماية ويكفّ المتعدي .
أو القيام بما شرع له من الجهاد ، ومقاومة الظلم ، إن غلب على ظنه القتل وعدم تحقق كفّ شرّ المعتدي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وهذا الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنه أنه يقتل قسمان :
… والثاني : أن يكون العدو قد طلبه ، وقتاله قتال اضطرار … ويكون قتال هذا إما دفعا عن نفسه وماله وأهله ودينه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد ) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح .
ويكون قتاله دفعا للأمر عن نفسه أو عن حرمته ، وإن غلب على ظنه أنه يقتل ، إذا كان القتال يحصل المقصود ، وإما فعلا لما يقدر عليه من الجهاد ، كما ذكرناه عن عاصم بن ثابت وأصحابه ” انتهى من ” جامع المسائل ” (5 / 328 – 329) .
وقصة عاصم بن ثابت رضي الله عنه رواها البخاري (3045) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: ” بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ـ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالهَدَأَةِ ـ وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ـ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ ، فَقَالُوا : هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ ، وَأَحَاطَ بِهِمُ القَوْمُ ، فَقَالُوا لَهُمْ : انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ ، وَلَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ : أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ اليَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ : هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلاَءِ لَأُسْوَةً ـ يُرِيدُ القَتْلَى ـ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى ، فَقَتَلُوهُ ، … : .
فعاصم وأصحابه رفضوا الاستسلام رغم غلبة الظن أنهم سيقتلون وأن قتالهم لا يحقق المقصود وهو النجاة .

ثانيا :
على المعتدى عليه أن يتدرّج في دفع العدوان بالأخف فالأخف فإن لم يستطع كفّ المعتدي إلا بالقتل جاز القتل حينئذ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” يدفعهم ـ أي قطاع الطرق ـ بالأسهل فالأسهل ، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم ، فإن قتل كان شهيدا ، وإن قتل واحدا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرا ؛ وكذلك إذا طلبوا دمه كان له أن يدفعهم ، ولو بالقتل ؛ إجماعا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (34 / 242).
قال النووي رحمه الله تعالى :
” أما كيفية الدفع ، فيجب على المصول عليه رعاية التدريج ، والدفع بالأهون فالأهون ، فإن أمكنه الدفع بالكلام ، أو الصياح ، أو الاستغاثة بالناس ، لم يكن له الضرب … أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب ، فله الضرب … ولو أمكن بقطع عضو ، لم يجز إهلاكه … ولو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ، ولم يجد المصول عليه إلا سيفا أو سكينا ، فالصحيح أن له الضرب به … والمعتبر في حق كل شخص حاجته “.
انتهى من ” روضة الطالبين ” (10 / 187) .

ثالثا :
كما يدافع المسلم عن عرض أهله ، كذلك عليه أن يدافع عن عرض المسلمات ، خاصة إذا استصرخن وطلبن نجدته .
قال الخطيب الشربيني :
“ويجب الدفع عن بُضْعٍ … وسواء بضع أهله أو غيره ” .
انتهى من ” مغني المحتاج ” (5 / 528) .

فيجب على المسلم السعي في الدفع عن عرض المسلمات ، وهذا من وجهين :
الوجه الأول : أن الاعتداء على الأعراض منكر من المنكرات ، والمسلم يجب عليه النهي عن المنكر بقدر ما يستطيع .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) رواه مسلم ( 78 ) .
سئل الغزالي رحمه الله تعالى :
” إذا صال إنسان على آخر ، فعجز المصال عليه عن دفعه ؛ فهل يجب على من يقدر على دفعه أن يدفعه ؛ حتى إن قتله دفعاً لم يجب الضمان ؟
الجواب : يجب ذلك بطريق النهي عن المنكر ، ولا ضمان عليه ” .
انتهى من ” فتاوى الغزالي” (ص113).

الوجه الثاني : جاء الشرع آمرا المسلم بنصرة أخيه المسلم .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا )، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ: ( تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) رواه البخاري (6952) ، ومسلم (2584) من حديث جابر رضي الله عنه .
وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ) رواه البخاري (2442) ، ومسلم (2580) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” ( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ) يعني في الدين …
( وَلاَ يُسْلِمُهُ ) يعني لا يسلمه لمن يظلمه ، فهو يدافع عنه ويحميه من شره ، فهو جامع بين أمرين:
الأمر الأول: أنه لا يظلمه .
والأمر الثاني: أنه لا يسلمه لمن يظلمه ، بل يدافع عنه .
ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ : يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين ” (2 / 566 – 567) .

والمسلمة ، وإن كانت فاسقة بتبرجها مثلا ؛ فإنّ هذا الفسق لا يزيل عنها الأخوة الإيمانية ، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولا يسقط حقها في الموالاة والنصرة ، بحسب القدرة .
قال الله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات /9 – 10 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
” وفي هاتين الآيتين من الفوائد … وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا تزول مع وجود القتال ، كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة ” .
انتهى من ” تفسير السعدي ” ( ص 801) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ومن أصول أهل السنة … لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر ، كما يفعله الخوارج ؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (3 / 151).

والمرأة المجهولة الحال في بلد أكثر أهله مسلمون ، غالب الظن أنها مسلمة ، فيجب الدفاع عنها ؛ وإذا قدر أنها كانت كافرة في نفس الأمر ، فالأصل في تواجدها بين المسلمين أنها تتمتع بأمانهم ، وللمسلم أن يدافع عن الكافر المستأمن لأنه لا يجوز ظلمه .
راجع الفتوى رقم : (52901) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
” ويجوز لغير المصول عليه الدفع ، وله دفع مسلم صال على ذمي ، وأب صال على ابنه ، وسيد صال على عبده ؛ لأنهم معصومون مظلومون ” .
انتهى من ” روضة الطالبين ” (10 / 186) .

وقيّد بعض أهل العلم الوجوب بحال عدم خوف المدافع على نفسه .
قال الرملي رحمه الله تعالى :
” والدفع عن غيره كهو [يعني كالدفع] عن نفسه ، جوازا ووجوبا ؛ حيث أمن على نفسه ” .
انتهى من ” نهاية المحتاج ” (8 / 25) .

والذي يعجز عن الدفع عن الغير بنفسه : فعليه بذل وسعه في الاستعانة بالغير ، واستصراخ الناس ونحو هذا مما يستطيعه ، ويغلب على ظنه حصول المصلحة به .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android