0 / 0
16,18829/06/2015

هل يلزم قطع المؤتمر والاجتماع لحضور الجماعة في المسجد ؟

السؤال: 229225

في بعض الأحيان يكون هناك لقاء أو اجتماع أو مؤتمر ويحضر وقت الصلاة ، فهل يلزمنا الخروج من هذا الاجتماع وقطعه لشهود الصلاة في المسجد مع ما في ذلك من مشقة أم لا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحمد الله
أولاً :
صلاة الجماعة فرض عين على الرجال البالغين القادرين ، على أرجح قولي العلماء ، كما سبق بيان هذا في جواب السؤال : (40113) ، (38881) .

ولكن إذا وجد جماعة من الناس في مكان ما لتنظيم حفل ، أو في استراحة ، أو اجتماع ، أو مؤتمر أو نحو ذلك من اللقاءات ، وحضر وقت الصلاة ، فهل يلزمهم ترك ما هم فيه والذهاب للصلاة في المسجد ، أو يجوز لهم الصلاة جماعة في مكانهم ؟
الحكم في هذه المسألة يتوقف على بيان أمرين :
1-هل يجب أداء صلاة الجماعة في المسجد أم يكفي فعلها في أي مكان ؟
2- وهل هذا يدخل في جنس الأعذار التي تبيح ترك الجماعة في المسجد ؟

ثانياً :
اختلف العلماء في صلاة الجماعة ، هل يجب فعلها في المسجد أم يتحقق الواجب بأدائها في غير المسجد ؟
ومذهب جمهور العلماء – ومنهم الحنابلة القائلون بأن الجماعة فرض عين – أن أداء الجماعة في المسجد سنة ، والواجب يتحقق بصلاتها جماعة ، ولو في غير المسجد .
قال الإمام الشافعي : ” فَلَا أُرَخِّصُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي تَرْكِ إتْيَانِهَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ … وَكُلُّ جَمَاعَةٍ صَلَّى فِيهَا رَجُلٌ : فِي بَيْتِهِ ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ ، أَوْ كَبِيرٍ، قَلِيلِ الْجَمَاعَةِ أَوْ كَثِيرِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ ” انتهى من ” الأم” (1/180).
وقال ابن قدامة في ” المغني ” : ” وَيَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ وَالصَّحْرَاءِ .
وَقِيلَ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى : إنَّ حُضُورَ الْمَسْجِدِ وَاجِبٌ ، إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ ” .
انتهى من “المغني” (3/8) .
وقال ابن مفلح : ” وَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ : سُنَّةٌ ” انتهى من “الفروع” (2/421) .

وذهب بعض العلماء إلى وجوب فعلها في المسجد ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، ومذهب الظاهرية ، واختارها جمع من المحققين . ينظر: ” المحلى” (4/188) ، “الإنصاف” للمرداوي (2/213).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” من صلى في بيته جماعة : فهل يسقط عنه حضور المسجد؟
فيه نزاع ، وينبغي أن لا يترك حضور المسجد إلا لعذر” .
انتهى من “مختصر الفتاوى المصرية” صـ 52.
وقال ابن دقيق العيد : ” وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ: هَلْ يَتَأَدَّى بِهَا الْمَطْلُوبُ ؟
فَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْبُيُوتِ فِي إقَامَةِ الْفَرْضِ ، أَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفِي إذَا اشْتَهَرَ، كَمَا إذَا صَلَّى صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي السُّوقِ مَثَلًا.
وَالْأَوَّلُ عِنْدِي: أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إنَّمَا كَانَ فِي جَمَاعَةِ الْمَسَاجِدِ ، هَذَا وَصْفٌ مُعْتَبَرٌ لَا يَتَأَتَّى إلْغَاؤُهُ ” انتهى من “إحكام الأحكام” (1/ 191) .
ورجح ابن القيم هذا القول فقال: “ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان ، إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة ، فترك حضور المسجد لغير عذر : كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار….
فالذي ندين الله به : أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر . والله أعلم بالصواب” انتهى من ” كتاب الصلاة” صـ 416
وينظر جواب السؤال : (72398) .

ثالثاً :
ذكر العلماء كثيراً من الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة : كالمطر الشديد ، والبرد الشديد ، والحر الشديد الذي يخرج عما ألفه الناس ، والوحل الذي يتأذى به الإنسان ، والخوف على النفس والمال والأهل ، وحضور للطعام الذي تتوق نفسه له ، ومدافعة الأخبثين ، ووجود رائحة كريهة تخرج منه بسبب أكل ثوم أو بصل ونحوهما ، أو انشغاله برعاية مريض له ، أو خشية فوات الرفقة في سفر مباح … إلخ .
ينظر جواب السؤال : (106287) ، (129681) ، (127876) .

وهذه الأعذار : منها ما يتعلق بوجود ضرر على الإنسان ، أو حفظ مصلحة له ، أو دفع للأذى عنه ، أو به ، أو انشغاله بأمر تعلقت نفسه به .

وهذه الأعذار غير محصورة بما ذكره الفقهاء ، بل قال النووي: ” باب الأعذار في ترك الجمعة والجماعة ليس مخصوصاً ، بل كل ما يلحق به مشقة شديدة : فهو عذر “.
انتهى من “المجموع” (4/384) .

وهذه الاجتماعات واللقاءات أنواع مختلفة : فقد يكون الذهاب للمسجد أمراً ميسوراً لا يترتب عليه أدنى حرج ، فمثل هذا لا يرخص فيه بترك الصلاة في المسجد .
وقد يكون الذهاب للمسجد في بعض الصور والحالات مما يترتب عليه حرج ومشقة ، فيرخص فيه بفعلها جماعة في مكان وجودهم .

وعليه يقال :
إذا تيسر الذهاب لمسجد قريب دون مشقة أو حرج : فهو الواجب المتعين .
وإن تعذر ذلك : إما لوجود مشقة في الذهاب ، أو لوجود حرج في تفرق المجتمعين ، وانفراط عقد اجتماعهم ، أو اختلال نظام اللقاء والمؤتمر ، أو وجود مصلحة في استمرار اللقاء دون انقطاع : فالذي يظهر : أنه يرخص لهم بالصلاة جماعة في مكانهم .

ويقوي جانب هذه الرخصة : وجود الخلاف المعتبر بين العلماء في لزوم أداء الجماعة في المسجد ، وأن الأعذار التي ذكرها العلماء في التخلف عن الجماعة تدل على أن الأمر فيه سعة عند وجود الحاجة ، وهي أعذار لمن تخلف عن صلاة الجماعة في المسجد للصلاة منفرداً ، فكيف إذا كان التخلف لفعلها في جماعة ؟ فلا شك أنه أدعى للترخيص والتخفيف ، وأن باب العذر هنا أوسع .

روى ابن أبي حاتم عن صالح ابن الإمام أحمد قال : ” حضرت عند إبراهيم بن أبي الليث ، وحضر علي ابن المديني ، وعباس العنبري وجماعة كثيرة ، فنودي بصلاة الظهر .
فقال علي ابن المديني : نخرج إلى المسجد أو نصلي ههنا ؟
فقال أحمد : نحن جماعة نصلي ههنا ، فصلوا.
قال أبو محمد : رجوع الجماعة الذين حضروا إلى قول أحمد ، في ترك الخروج إلى المسجد ، وجمع الصلاة هناك : من جلالة أحمد ، وموقع كلامه عندهم ” .
انتهى من “الجرح والتعديل” (1/ 298).

ولعل الإمام أحمد رأى في استمرار “مجلس التحديث” مصلحةً ، قد تفوت بذهابهم للمسجد .

وقريب من هذا ترخيص الشيخ ابن عثيمين للطلاب والموظفين بأداء صلاة الجماعة في أماكنهم ، دون الذهاب للمسجد ، لما في ذلك من المصالح .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ولكن ها هنا مسألة في وقتنا الحاضر : أحياناً تكون المساجد إلى جنب مصلحة حكومية أو مدرسة ، وإذا خرجوا إلى المسجد : فإنه أولاً ، إن كانوا طلاباً ضيقوا المسجد ، وربما يعبثون فيه ، وربما يتفرقون ولا يصلون ، فهل يرخص لهم في هذه الحال أن يصلوا في المدرسة ؟
الجواب : نعم ، أولاً دفعاً لأذاهم ، وثانياً : لأجل أن لا يهرب أحد عن الجماعة ، وثالثاً : أن هذا ليس أمراً دائماً راتباً ، إنما هو أمر عارض في صلاة واحدة .
وكذلك يقال في بعض الدوائر التي لها مساس بعامة الناس : لو أن أهل الدائرة أغلقوا الدائرة وذهبوا ، لتعطلت أمور الناس من جهة ، ولذهب بعض هؤلاء الموظفين إلى بيوتهم كما هو واقع ، يخرج على أنه سيصلي ثم يذهب إلى البيت .
فمثل هؤلاء أيضاً نقول : يرخص لكم في أن تصلوا مكانكم ، لما يترتب على ذلك من حفظ الوقت وعدم ضياعه ، ولأنهم إذا كانوا لهم مساس بالجمهورِ وعامةِ الناسِ ، يعطلون الناسَ إذا ذهبوا ، ولأنه ربما يكون هناك وثائق يصعب أن الإنسان يغلق الباب ثم يرجع ويفتح ، وإن تركها خاف عليها من الضياع أو من السرقة”.
تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (2/ 29، بترقيم الشاملة آليا) .

والأولى بالقائمين على مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات : تنظيمها بشكل لا يتعارض مع أداء الصلاة جماعة في المسجد ، بحيث يكون هناك فاصل متاح لأداء الصلاة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android