يقوم الناس عندنا في بنغلاديش باللجوء إلى ما يسمى بحاوي الثعابين لإخراج سم الأفعى من جسم الملدوغ ؛ حيث يقوم الحاوي بعزف الموسيقى على مزماره لإخراج الأفعى التي لدغت الرجل من جحرها ، واسترجاع سمها من جسم الرجل ، فما حكم ذلك ؟ وما حكم استئجار حاوي الأفاعي لتسلية الناس ؛ حيث يقوم بالتحكم بالأفعى وفعل بعض الخدع ؟ وهل يتضمن مثل هذا الفعل سحر أو تعامل مع الجن ؟
هل يجوز اللجوء لحاوي الثعابين لأجل العلاج أو لأجل الفرجة ؟
السؤال: 229407
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
العزف على المزمار لاستخراج الثعابين من أجل التداوي – كما يزعم – أو من باب اللهو واللعب ، كل هذا من الأمور المنهي عنها ، ويجب على المسلم هجرها ؛ للآتي :
أولا :
هذا العمل مما اختصت به طائفة من أهل الضلال ، والمسلم منهي عن التشبه بأهل الضلال فيما كان من خصائصهم .
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود (4031) ، وصححه الألباني في ” إرواء الغليل ” (5 / 109) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وهذا الحديث أقل أحواله : أنه يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم ، كما في قوله – تعالى – : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) …
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق ، فإنه يوجب الكفر ، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك ، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفراً ، أو معصية ، أو شعاراً لها كان حكمه كذلك .
وبكل حال ، فهو يقتضي تحريم التشبه بهم ، بعلة كونه تشبها ، والتشبه : يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه ، وهو نادر . ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك ، إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير …
وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين … ” .
انتهى من ” اقتضاء الصراط المستقيم ” (1 / 241 – 243) .
ثانيا :
هذا العمل يقوم على استعمال المزمار ، وهو من آلات الموسيقى المتفق على تحريمها.
قال البغوي رحمه الله تعالى :
“واتّفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف ” انتهى من ” شرح السنة ” (12 / 383) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
” آلة اللّهو كالطّنبور ، والمزمار ، والشّبّابة … آلة للمعصية ، بالإجماع ” .
انتهى من ” المغني ” (12 / 457) .
راجع للفائدة الفتوى رقم : (170208) .
ثالثا :
هذه الثعابين ؛ فيها خطر وضرر عظيم على نفس الإنسان ، والتعامل معها غير مأمون العواقب ، وقد جاء الشرع بالنهي عن إلقاء النفس في المهالك من غير مصلحة راجحة .
قال الله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة /195.
وقال الله تعالى : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء/29.
ولضرر هذه الحيّات أمر الشرع بقتلها ، راجع للأهمية الفتوى رقم : (132566) .
ومما يضاف إلى أدلة تحريم الاستشفاء بهذه الثعابين ، أنّ الأصل في الدواء – كما بيّن أهل العلم – أن يكون مما ثبتت سببيته وفائدته بنصوص الشرع أو بواسطة التجارب المحسوسة المعقولة ، أمّا ما يظهر منه صفات الشعوذة أو السحر ونحو هذا فلا يحل التداوي به .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” اعلم أن الدواء سبب للشفاء ، والمسبب هو الله تعالى ، فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سببا ، والأسباب التي جعلها الله تعالى أسباباً نوعان:
النوع الأول : أسباب شرعية كالقرآن الكريم ، والدعاء …
النوع الثاني : أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل ، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية , وهذا النوع لابد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة ، لا عن طريق الوهم والخيال ، فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صحَّ أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى ، أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض ، فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ، ويهون عليه المرض , وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول ، فهذا لا يجوز الاعتماد عليه ، ولا إثبات كونه دواء ؛ لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات ، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه ، لأن ذلك ليس سبباً شرعيًّا ولا حسيًّا ، وما لم يثبت كونه سبباً شرعيًّا ولا حسيًّا : لم يجز أن يجعل سبباً ؛ لأن جعله سبباً نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به ، حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها ” انتهى من ” مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين ” (17 / 70) .
ولا يستبعد استعانة هؤلاء المجاورين للحيات بالجن والشياطين .
جاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة ، المجموعة الثانية ” (1 / 269 – 271) :
” الأحاديث تدل أن دفع شر ذوات السموم ونحوها : إنما هو بالرقية الشرعية التي هي الاستعاذة بالله وحده ، والالتجاء إليه ، والاعتقاد بأنه هو النافع الضار دون غيره …
وطبيعة الحيات والعقارب وأمثالها : الأذى لبني آدم ؛ ولهذا وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالفواسق بقوله : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ) وذكر منها الحية والعقرب .
فعلى هذا ، فإن ما يدعيه أولئك الدجالون أنهم يتمكنون بتلك الأشياء المذكورة في السؤال إلى تحويل ذوات السموم المؤذية ، إلى كونها مستأنسة مسالمة ، وأنه يستطيع أن يتحكم فيها ويحويها ، بمنعها من مجاوزة مكان ما ، أو أن ريقه فقط يبرأ به من أصيب بسمها ، وأنها لا تؤذي الحاوي ولا تلدغه ، كل هذا من الكذب والافتراء ، وضرب من الخرافات ، واستعانة بالشياطين وتعلق بالجن ، وتعاون معهم على الإثم والعدوان ، وخداع للعوام وضعاف العقول ” انتهى . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ بكر أبو زيد ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة