إذا دخلت مسجدا لا يعرفني فيه أحد ، وأقيمت الصلاة ، ورأيت أنني أولى الموجودين بالإمامة ، فهل أتقدم للإمامة ، أو أنتظر حتى يقدمني أحد المصلين ، وهل عموما إذا لم أتقدم للإمامة وأنا الأولى أكون آثما ؟
كما إنني أحب أن أكون مأموما لا إماما .
هل يجوز للغريب عن المسجد أن يتقدم للإمامة دون استئذان جماعة المسجد؟
السؤال: 230107
ملخص الجواب
والحاصل: أنه لا يجوز لك التقدم لإمامتهم وإن كنت ترى نفسك الأقرأ والأولى بالإمامة ، إلا إذا قدمك جماعة المسجد أو استأذنتهم فأذنوا لك. والله أعلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إذا دخل الإنسان مسجد حي في قرية أو مدينة فلا يجوز له أن يتقحم الإمامة ، ولو كان يرى نفسه فقيها قارئا وأولى من غيره بالإمامة ، إلا أن يستأذن من المتولين على شؤون المسجد ، فيأذنوا بذلك ، أما من غير استئذان فلا يجوز ، لأسباب كثيرة ، منها :
أولا :
ما ورد عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ العُقَيْلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ ، رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ :
” كَانَ مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ يَأْتِينَا فِي مُصَلاَّنَا يَتَحَدَّثُ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ يَوْمًا ، فَقُلْنَا لَهُ : تَقَدَّمْ ، فَقَالَ : لِيَتَقَدَّمْ بَعْضُكُمْ حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ لِمَ لاَ أَتَقَدَّمُ . سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلاَ يَؤُمَّهُمْ ، وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ) رواه الترمذي في ” السنن ” (رقم/356) وقال : حسن صحيح . وبوب عليه بقوله : باب ما جاء فيمن زار قوما فلا يصل بهم . وضعف الحديث بعض العلماء .
ثانيا :
مقام الإمامة مقام جليل عند الله عز وجل ، ومقام رفيع عند المسلمين ، ومثله لا يُتولى بتقدم من شاء من الناس تحت أوهام العلم والحفظ ، وإنما لا بد من ترتيب خاص لهذا الشأن بالتوافق على الأفقه والأحفظ ، والتوافق على من ينوب عنه حال غيابه ، وأما التقدم بغير استئذان فمجاوزة فضولية لا تراعي هذا المقام الجليل .
ثالثا :
هذا الحكم الشرعي هو لازم الأدب والخلق الرفيع أيضا ، فالغريب على أهل الحي أو أهل المسجد يتواضع في غربته ، ويحفظ للناس خصوصيتهم التي يسيرون عليها ، فلا يجترئ عليها ، والأدب يعني أن تحفظ للناس مقاماتهم ومنازلهم ووظائفهم التي يقومون عليها ، ولا تخالف ذلك تحت ذريعة العلم أو الفقه ، بل العلم والفقه يعنيان التأخر أو الاستئذان ، وليس الهجوم على الإمامة .
وفي هذا روى البيهقي في ” السنن الكبرى ” (3/ 180) من طريق ابن جريج قال : ” أخبرني نافع قال : أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة ، ولابن عمر قريبا من ذلك المسجد أرض يعملها ، وإمام ذلك المسجد مولى له ، ومسكن ذلك المولى وأصحابه ثَم ، فلما سمعهم عبد الله جاء ليشهد معهم الصلاة ، فقال له المولى صاحب المسجد : تقدم فصل . فقال عبد الله : أنت أحق أن تصلي في مسجدك مني ، فصلى المولى “.
ثم روى البيهقي أيضا من طريق هزيل بن شرحبيل قال : ” جاء ابن مسعود إلى مسجدنا فأقيمت الصلاة ، فقلنا له : تقدم ، قال : يتقدم إمامكم ، قال : فقلنا : إن إمامنا ليس ههنا ، قال : يتقدم رجل منكم ” .
فتأمل هذه الأخلاق الرفيعة من الصحابة الكرام ، كيف قدم ابن عمر مولاه ، وقدم ابن مسعود رجلاً من أهل المسجد ، رغم أنهما من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما ذلك إلا حرصا على امتثال الحكم الشرعي ، وتحقيق مقصده الأخلاقي .
رابعا :
أن التقدم من غير استئذان فيه مفاسد كبيرة ، تورث الشقاق والنزاع في بيوت الله ، وتحدث فتنا واضطرابا في المساجد ، مآلها التدابر بين المصلين ، والانشغال عن الصلاة بمقاطعة هذا المتقدم للإمامة بغير إذن ، وسؤاله عن شخصه وسبب تقدمه .
خامسا :
في التزام هذا الأدب أيضا قطع للطريق على المبتدعة أو الفسقة الذين قد يستغلون الغفلة والثغرة ، فيقدمون أنفسهم أئمة للناس في المساجد التي يزورونها ، يتطلبون الرياء والسمعة وتزكية أنفسهم ، أو نشر بدعتهم ، وترويج أشخاصهم . والناس في غنى عن هذه المفاسد كلها لو التزموا هذا الأدب الشرعي .
لذلك كله ، فالواجب أن تبقى متأخرا ، تنتظر من يتولى الإمامة من أهل المسجد ؛ فإن كنت لا بد فاعلا، فعليك بسؤالهم واستئذانهم قبل التقدم للإمامة .
قال ابن قدامة رحمه الله :
” إمام المسجد الراتب أولى من غيره ” انتهى من ” المغني ” (2/151) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
” عندنا رجل يؤمنا في الصلاة ، ويفرض نفسه علينا دون أن يشاور أحدا في الأمر ، رغم أن خلفه من هو أقرأ للقرآن منه ، وأعلم بالسنة منه ، فما حكم الصلاة خلف هذا الرجل ؟
فأجاب :
الواجب على هذا الرجل ألا يفرض نفسه على الناس ، بل يشاورهم ، إن أرادوه تقدم بهم ، وإن لم يريدوه ترك ، والواجب أيضا أن يقدر من خلفه ، فإذا كان من خلفه أقرأ منه وأعلم منه ، فالواجب أن يكونوا مقدمين عليه ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ) وفي رواية : ( سلما ) .
فلا يجوز له أن يفرض نفسه عليهم ، بل يجب عليه أن يدع هذا الأمر شورى بينهم ، فإذا رأى أعيان الجماعة وخواصهم تقديمه تقدم ، وإن رأوا تقديم غيره ممن هو أفقه منه أو أقرأ منه : فذلك هو الأولى والأفضل ، وليس له أن يفرض نفسه على الناس ، وإذا كان المسجد له مسؤول من الأوقاف ، أو غير الأوقاف ، فالمسؤول هو الذي بيده الأمر ، الأوقاف تنظر أو المسؤول نفسه الذي هو الوكيل عليه والقائم عليه ؛ لكونه هو الذي بناه وعمره ، المقصود إذا كان له مسؤول فالمسؤول ينظر في الأمر ، وإذا كان ليس له مسؤول : فالجماعة ينظرون في الأمر ، ويختارون من هو أفضل في دينه وتقواه وأفضل في علمه وقراءته ، ولا يقبلون لأحد أن يفرض عليهم نفسه.
والصلاة صحيحة إذا صلى بهم ، لكنه على خطر ؛ لأنه جاء الوعيد في حق من أم قوما وهم له كارهون … فينبغي له الحذر والبعد عن مثل هذا الأمر إلا برضا الجماعة وتقديمهم له ” .
انتهى من ” فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر ” (12/ 53 بترقيم الشاملة) .
وللمزيد ، ينظر في موقعنا الفتوى رقم : (72234) ، (132985) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة