تنزيل
0 / 0

توبة الزنديق

السؤال: 231576

نقلتم في الفتوى رقم : (26139) عن شيخ الإسلام أنه قال في الدروز : ( إِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ مُرْتَدُّونَ لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ ; بَلْ يُقْتَلُونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا ) أرجو توضيح مسألة (لا تقبل توبتهم) .

ملخص الجواب

والخلاصة : أن المنافق إذا تاب من النفاق توبة نصوحا : فإن توبته مقبولة عند الله تعالى ، سواء كان ذلك قبل القدرة عليه ، أم بعدها . أما قبول توبته في الدنيا ، فإن كان توبته قبل القدرة عليه : لم يعاقب ، وسقطت عنه العقوبة ، وهي القتل . وإن كانت بعد القدرة عليه : فأكثر العلماء على أنه يقتل ، ولا تقبل توبته . والله أعلم .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الزنديق في كلام الفقهاء : هو مرادف للمنافق وهو من يعتقد معتقدات إلحادية أو كفرية ، ويخفيها ، ولا يظهرها إلّا لمن هو مشارك له في هذه العقائد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” الزنديق في عرف هؤلاء الفقهاء : هو المنافق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره سواء أبطن دينا من الأديان : كدين اليهود والنصارى أو غيرهم ، أو كان معطلا جاحدا للصانع والمعاد والأعمال الصالحة .
ومن الناس من يقول : ” الزنديق ” هو الجاحد المعطل . وهذا يسمى الزنديق في اصطلاح كثير من أهل الكلام والعامة ، ونقلة مقالات الناس ؛ ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه : هو الأول ؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر ، والمرتد وغير المرتد ، ومن أظهر ذلك أو أسره ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (7 / 472) .

والدروز وصفوا بالزندقة لأنّ لهم عقائد إلحادية يخفونها ويسرونها فيما بينهم ، وقد يتظاهرون بالتشيّع أو بالإسلام عند ضعف شوكتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم :
” وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس ، ويظهرون التشيع نفاقا ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (35 / 162) .
وقال ابن عابدين رحمه الله تعالى أثناء كلامه عن أحكام الزندقة :
” يعلم مما هنا : حكم الدروز والتيامنة ، فإنهم في البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة ، مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح ، وحلّ الخمر والزنا ، وأن الألوهية تظهر في شخص بعد شخص …..” انتهى من ” ردّ المحتار على الدّر المختار ” (4 / 429) .

ثانيا :
قبول توبة الزنديق لها معنيان :
المعنى الأول : قبول توبة الزنديق ؛ بمعنى عدم معاقبته في الدنيا بالقتل .
فهذا له حالتان :
الحالة الأولى : أن يمسكه ولي الأمر قبل توبته ، فيصرح بالتوبة بعد القدرة عليه :
فهذه الحالة محل خلاف بين أهل العلم ، والأشهر في ذلك قولان :
القول الأول : أنه يقتل ، ولا تقبل توبته .
وعمدة أصحاب هذا القول أن إظهاره للتوبة بعد القدرة عليه : لا يفيد أنه تاب حقيقة ، لأن الأصل فيه أنه يخفي عقيدته ولا يظهرها ، فتوبته هذه لا يوثق بها ، كما أن قبول توبته يجعله يأمن القتل ، وهذا يدفعه للاستمرار في زندقته ، وكلما قبض عليه أظهر التوبة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” … فالكافر كان معلنا لكفره غير مستتر به ولا مخف له ، فإذا أسلم تيقنا أنه أتى بالإسلام رغبة فيه ، لا خوفا من القتل .
والزنديق بالعكس : فإنه كان مخفيا لكفره ، مستترا به ، فلم نؤاخذه بما في قلبه إذا لم يظهر عليه ، فإذا ظهر على لسانه وآخذناه به ، فإذا رجع عنه ، لم يرجع عن أمر كان مظهرا له غير خائف من إظهاره ، وإنما رجع خوفا من القتل …
وأيضا : فإن الزنديق هذا دأبه دائما ، فلو قبلت توبته ، لكان تسليطا له على بقاء نفسه بالزندقة والإلحاد ، وكلما قُدِر عليه ، أظهر الإسلام وعاد إلى ما كان عليه ، ولا سيما وقد علم أنه آمن بإظهار الإسلام من القتل ، فلا يزعه خوفه من المجاهرة بالزندقة ، والطعن في الدين ، ومسبة الله ورسوله ، فلا ينكف عدوانه عن الإسلام إلا بقتله …
وهذا مذهب أهل المدينة ، ومالك وأصحابه ، والليث بن سعد ، وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ، نصرها كثير من أصحابه ، بل هي أنص الروايات عنه ” انتهى من ” اعلام الموقعين ” (4 / 547 – 549) .

القول الثاني : قبول توبته ، فإذا أظهر التوبة رفع القتل عنه .
وعمدة أصحاب هذا القول هو عموم النصوص الشرعية التي تفيد قبول توبة الكافر ولو ظُنّ أنه أسلم خوفا من القتل ، ومن ذلك : عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وقبوله لعلانيتهم .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
” واختلفوا في الزنديق يُظهر عليه ، هل يستتاب أم يقتل ، ولا يقبل منه الرجوع ؟
فقالت طائفة : تقبل توبته إن تاب ، ويقتل إن لم يتب ، يُروى هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وبه قال عبيد الله بن الحسن ، والشافعي .
قال أبو بكر – أي ابن المنذر – : كما قال الشافعي أقول . وقد احتج بقول الله تعالى في المنافقين : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) قال : وهذا يدل على أن إظهار الأيمان جُنّة – أي وقاية – من القتل .
وقال المقداد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين بالسيف ، فضربني فقطع يدي ، فلما أهويت إليه لأقتله قال : لا إله الله ، أأقتله أم أدعه ؟ قال : بل دعه ) ” انتهى من ” الإشراف على مذاهب العلماء ” (8 / 64) .

الحالة الثانية : أن يبادر الزنديق بالتوبة طوعا قبل القدرة عليه .
فالظاهر أنه تقبل توبته عند أهل العلم فلا يقتل .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى :
” كتب الخلافيات لم يذكر أربابها أن أصحاب القول الأول : لا يقبلون توبة الزنديق إذا تاب قبل القدرة عليه . وإنما يحكون الخلاف في (استتابته بعد القدرة عليه) . وقد استقصى الحافظ ابن حجر الخلاف في المسألة ولم يذكر ذلك عن أي من المخالفين ” .
انتهى من ” الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ” (ص 454) .

بل نص ابن القطان على عدم وجود خلاف في هذا ؛ حيث قال رحمه الله تعالى :
” وإذا ارتد المسلم ولحق بدار الحرب ، وراجع الإسلام : قبلت توبته .
وكذلك الزنديق ؛ ولا أعلم بين الناس في ذلك خلافًا ” .
انتهى من ” الإقناع في مسائل الإجماع ” (2 / 271) .

المعنى الثاني : قبول توبة الزنديق عند الله تعالى .
والأدلة الشرعية صريحة في قبول توبة الكفار حتى وإن كانوا منافقين أو مرتدين ؛ ومن ذلك :
قول الله تعالى :
( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران /86 – 89 .
وقال الله تعالى :
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء /145 – 146 .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
” فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم – أي الزنديق ومن تكررت ردته – في الظاهر من أحكام الدنيا ، من ترك قتلهم ، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم ؛ وأما قبول الله تعالى لها في الباطن ، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا ، فلا خلاف فيه ” .
انتهى من ” المغني ” (12 / 271) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وأما الذنوب التي يطلق الفقهاء فيها نفي قبول التوبة ، مثل قول أكثرهم : لا تقبل توبة الزنديق ، وهو المنافق … فهذا إنما يريدون به رفع العقوبة المشروعة عنهم ، أي : لا تقبل توبتهم بحيث يُخَلَّى بلا عقوبة ، بل يعاقَب : إما لأن توبته غير معلومة الصحة ، بل يظن به الكذب فيها ، وإما لأن رفع العقوبة بذلك يفضي إلى انتهاك المحارم ، وسد باب العقوبة على الجرائم ، ولا يريدون بذلك : أن من تاب من هؤلاء توبة صحيحة ، فإن الله لا يقبل توبته في الباطن ؛ إذ ليس هذا قول أحد من أئمة الفقهاء . بل هذه التوبة لا تمنع إلا إذا عاين أمر الآخرة ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18 / 189 – 190) .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android