تنزيل
0 / 0

حكم مقارنة المأموم للإمام في أفعال الصلاة

السؤال: 232860

كنت أصلي خلف الإمام في صلاة المغرب وعندما قام من الركوع أسرعت بالرفع من الركوع ولا أدري إن كنت فعلت ذلك بالتزامن معه أم بعده بقليل ؟ وبالتالي لا أدري إن كانت الصلاة صحيحة أم لا ، لأنني قرأت على موقعكم أن ذلك مكروه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ولكن إذا كان قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مكروهاً ، أليس الأجدر به أن يكون محرما ؟ أرجو منكم التوضيح .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
صلاتك صحيحة :
1- لأن موافقة الإمام بالركوع والسجود : مكروه ، لا تبطل به الصلاة ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (33790) .
2- أن الظاهر من كلامك أنك كنت متابعا للإمام وبدأت الرفع من الركوع بعد بداية رفع الإمام ، فتبقى على الأصل : أنك تابعته ولم تسبقه ولم تقارنه ، والشكّ هنا لا يؤثر ؛ لأنّ " اليقين لا يزول بالشك " .
ثانيا :
الأصل في صيغة النهي الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تفيد التحريم .
قال ابن النجار رحمه الله تعالى :
" فإن تجردت صيغة النهي فهي للتحريم عند الأئمة الأربعة وغيرهم ، وبالغ الشافعي رضي الله عنه في إنكار قول من قال : إنها للكراهة " انتهى من " شرح الكوكب المنير " (3 / 83) .
وهذا التقرير عام للنهي الوارد في نصوص القرآن ، وللنهي الوارد في نصوص السنّة .
لأن الله تعالى أكّد وجوب هجر وترك ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى :
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر /7.
ولأن الاستدلال على التحريم بمجرد نهي النبي صلى الله عليه وسلم ، هو سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين .
لكن صيغة النهي قد تصرف عن التحريم ، إلى الكراهة ، لوجود صارف لها ، وهناك عدة صوارف للنهي عن التحريم إلى الكراهة .
راجع للأهمية الفتوى رقم : (184119) .
ثالثا :
أما النهي الوارد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ الذي فيه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ … وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ … ) رواه أبو داود (603) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (2 / 121).
فبعض أهل العلم نظر إلى لفظ الحديث ، فأبقى النهي على أصله ؛ أي أنه يفيد التحريم ، فقالوا : تجب متابعة الإمام ، وتحرم مسابقته ، وكذا تحرم مقارنته .
قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي :
" قال العلامة الشوكاني رحمه الله : في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند قوله: ( فإذا كبر فكبروا ) ما حاصله :
فيه أن المأموم لا يشرع في التكبير إلا بعد فراغ الإمام منه ، وكذلك الركوع ، والرفع منه ، والسجود ، ويدل على ذلك أيضا قوله في الرواية الثانية : ( ولا تكبروا، ولا تركعوا، ولا تسجدوا ) . وكذلك سائر الروايات المشتملة على النهي.
وقد اختلف في ذلك هل هو على سبيل الوجوب ، أو الندب ، والظاهر الوجوب من غير فرق بين تكبيرة الإحرام وغيرها . انتهى .
قال الجامع : ما قاله الشوكاني من كون الأمر للوجوب هو الذي رجحه الصنعاني في عدته جـ 2 ص 241 ، وهو الراجح عندي ، فيحرم على المأموم مسابقة إمامه ، أو مقارنته ؛ لأن النهي الصريح المتقدم في رواية أبي داود للتحريم . والله تعالى أعلم " .
انتهى من " شرح سنن النسائي " (10 / 112 – 113) .
وأكثر أهل العلم قالوا : النهي عن مقارنة الإمام في أفعال الصلاة هو للكراهة فقط .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة ؛ من الرفع والوضع ، بعد فراغ الإمام منه ، ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم " انتهى من " المغني " (2 / 208) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الموافقةُ في الأفعالِ وهي مكروهةٌ، وقيل: إنها خِلافُ السُّنَّةِ، ولكن الأقربُ الكراهةُ.
مثال الموافقة: لما قالَ الإِمامُ: الله أكبر للرُّكوعِ، وشَرَعَ في الهوي هويتَ أنت والإِمامُ سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال: إذا رَكع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ وفي السُّجودِ لما كبَّرَ للسجودِ سجدتَ، ووصلتَ إلى الأرضِ أنت وهو سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه، فقال: لا تسجدوا حتى يسجدَ .
قال البراءُ بن عَازب: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سَاجداً، ثم نَقَعُ سجوداً بعدَه" .
انتهى من "الشرح الممتع" (4/189) .
ولعل الصارف عندهم أمران :
الأمر الأول :
أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد نكيره على المسابق للإمام فقط .
عن أَبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ – أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ – إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ ، أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ) رواه البخاري (691) ، ومسلم (427) ، ولم يأت مثل هذا التشديد في المقارنة للإمام ، فيكون حكمه أخف .
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى :
" هذا الحديث دال بمنطوقه على عدم المسابقة ، وبمفهومه على جواز المقارنة ، ولا شك فيه لكن يكره ، ويفوت به فضيلة الجماعة " انتهى من " الإعلام بفوائد عمدة الأحكام " (2 / 552)
وقد أنكر بعض العلماء أن يؤخذ من الحديث جواز المقارنة ، بل مجموع الأحاديث تدل على النهي عنها .
قال العراقي رحمه الله : "قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ ، وَكَذَا قَالَ فِي الرُّكُوعِ وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ وَقَالَ فِي السُّجُودِ وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ . وَفَائِدَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد نَفْيُ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُقَارَنَةِ " .
انْتَهَى من "طرح التثريب" (2/330) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" زَادَ أَبُو دَاوُدَ : (وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ ، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ) وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ تَنْفِي احْتِمَالَ إِرَادَةِ الْمُقَارَنَةِ مِنْ قَوْلِهِ : (إِذَا كبر فكبروا) …
لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ صَرِيحَةٌ فِي انْتِفَاء التَّقَدُّمِ وَالْمُقَارَنَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" .
انتهى من "فتح الباري" (2/179) .
وفي "عمدة القاري" (5/217) :
"ورِوَايَة أبي دَاوُد تصرح بِانْتِفَاء التَّقَدُّم والمقارنة" انتهى .
الأمر الثاني :
لعل الجمهور نظروا إلى علة النهي وسببه ، وهي وجوب متابعة الإمام والاقتداء به وعدم الاختلاف عليه ، كما جاء مبينا في بداية حديث أَبِي هُرَيْرَةَ السابق ، ورواه أيضا البخاري (722) ، ومسلم (414) بلفظ : أنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ) .
وتمام معنى الإمامة أن يكون الإمام متقدما على المأمومين في مكانه وفي أفعاله وأقواله .
ومن قارن ركوعه بركوع الإمام مثلا : فهو ، وإن لم يحقق كمال المتابعة والاقتداء ؛ إلا أنه لم يذهب معنى الاقتداء بالكلية ، وهذا خلاف حال الذي يسبق الإمام بالركوع ، فهو يقوم بعمل مناف ومناقض تماما للاقتداء ومتابعة الإمام .
فلهذا كانت المقارنة مكروهة لأنها تنقص من تمام الاقتداء الواجب بالإمام لكن لا تنافيها بالكليّة ، بخلاف المسابقة فقد حرمت لأنها منافية كليًّا للاقتداء الواجب .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android