أنا صيدلي عمري 28 سنة ، لدي مشاكل مع الوالد ودائما غير متفق معه ، والوالد طبيب عمره 64 سنة ، المشكلة أن الوالد يتدخل بعملي كثيرا ، وأنا لا أحب هذا ، وأحب أن يكون عملي مستقلا ، تدخل بعملي لدرجة أنه هو من أصبح يطلب الأدوية ، وهو من يجلس في الصيدلية أغلب اليوم ، وتقاعد من مهنة الطب ، واستلم عملي ، وفي الفترة الأخيرة طردني من صيدليتي !! ، وأنا الآن خطبت فتاة ، وأريد أن أستقل بعملي ، ولكن لا يدعني وشأني ، وأتشاجر معه دائما ، والآن تركت له الصيدلية ، ولا أتكلم معه ، وأحاول البحث عن عمل آخر دائما، يتعامل معي على إني لست خبير ، وهو فقط الخبير الذي يعلم ، والعقل التجاري .
هل أصبح العجوز يعمل والشاب يجلس في المنزل ؟! هل أنا بهذا أعتبر عاق له أم إن هذا من حقي أن أعمل بوظيفتي بشكل مستقل ؟ علما أن عقله صعب ، والتناقش معه أصعب ، فهل درست 5 سنوات ليعمل عني ؟! هل أنا على حق ؟
هل تركه العمل مع والده من العقوق ؟
السؤال: 233191
ملخص الجواب
والحاصل : أنك لو جعلت البر بين عينيك، وراعيت الأدب والإحسان، وتعاملت بالحكمة، أمكنك العمل مع والدك دون مشقة . فإن لم يمكن ذلك، فالأولى أن تستقل بالعمل، مع بقاء البر والصلة. نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، وأن يرزقنا البر بوالدينا ، والإحسان إليهم. والله أعلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
بر الوالدين من أعظم الأعمال وآكد الفرائض ، كما هو معلوم من أدلة الكتاب والسنة، وقد قرن الله ذلك بعبادته في مواضع من كتابه ، فقال: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء/36 ، وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الإسراء/23 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ ، ( قَالَ: أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ، ( قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ ، ( قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ ، ( قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5626) ، ومسلم (2548).
ولا شك أنه من المستنكر قولك: أتشاجر معه دائما، ولا أتكلم ، فإن هجر الوالد محرم ، وكذلك أذيته ولو بالتأفف ، كما قال تعالى: ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
فينبغي أن تصبر، وتراعي حق والدك ، وتحسن إليه ما استطعت ، وتعلم أن بره باب إلى الجنة، فقد روى أحمد (21765) ، والترمذي (1900) ، وابن ماجه (2089) عن أبي الدرداء قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ ) والحديث صححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
كما ينبغي أن تحذر إيذاءه بالقول أو الفعل ، فإن ذلك من العقوق، والعقوق من الكبائر.
قال ابن الصلاح رحمه الله: ” وأما أن العقوق ما هو ؟
فإنا قائلون فيه : العقوق المحرم : كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه ، تأذيا ليس بالهين ، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة ” انتهى من ” فتاوى ابن الصلاح ” (1/201).
وقال الصنعاني – رحمه الله – نقلاً عن البلقيني – : ” لو قدِم عليه أحدهما ولم يقم إليه ، أو قطَّب في وجهه : فإن هذا وإن لم يكن في حق الغير معصية ، فهو عقوق في حق الأبوين” انتهى من ” سبل السلام ” ( 4 / 163 ).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في بيان حكم هجر الوالدين: ” وهكذا الرجل ، إذا كان إخوانه يضرونه أو أعمامه أو أخواله في مجالسهم : فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم ، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر؛ هذا طيب، إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله ، لعل الله أن يهديهم بأسبابه ؛ فهذا مطلوب، مشروع له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه .
إلا الوالدين ، فالوالدان لهما شأن ، الوالدان لا، لا يهجر والديه ، بل يزور الوالدين ، ويعتني بالوالدين ، وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم في حق الوالدين: ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان/15 .
أمر أن يصحبهما بالمعروف وإن جاهداه على الشرك ، لعل الله أن يهديهما بأسبابه، لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات ؛ فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما .
وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه ، مع أنه مشرك معلن بالشرك، ومع هذا اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام .
فالمقصود أن الوالدين لهما شأنٌ عظيم ، فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف في نصيحتهما ، وتوجيههما إلى الخير ، ويستعين على ذلك بمن يتيسر ، من أخوال أو إخوان أو أعمام أو غير ذلك لعل الله أن يهدي بأسبابه .
ولهذا قال جل وعلا : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وهما كافران، هكذا الولد يعتني بوالديه ويصحبهما بالمعروف، وينفق عليهما إذا احتاجا إلى نفقته ، وأن يخاطبها بالتي هي أحسن ، لعل الله يهديهما بسببه ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب “، على موقع الشيخ:
http://www.binbaz.org.sa/node/9335
ثانيا:
لا حرج عليك في الاستقلال بعملك ، وليس هذا من العقوق، لا سيما إذا كان العمل معه يؤدي إلى ما ذكرت من المفاسد، وانظر السؤال رقم: (138446) .
والظاهر من سؤالك أن والدك ليس حريصا على عملك معه ، ولهذا أخرجك من الصيدلية، فابحث عن العمل في مكان آخر، مع بره والإحسان إليه وصلته بما يمكنك.
وأما كونك الشاب ، وهو العجوز ، ومن الأحق بالعمل ؛ فإن الأمر سهل لو أحسنت المعالجة له، فتستفيد من خبرة والدك، وتخفف شيئا من عبء العمل عنك، وتعطيه ما يستحقه من التقدير، وتستشيره في شئونك، وتوجهه بالحكمة إلى ما تريد، وتنزل عن رأيك إلى رأيه ، إذا لم يكن عليك مضرة.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة