نذرت ذات مرة بأن أصلي جميع السنن ، إذا رضي الله عني ، بعد أن فاتتني صلاة ..
فهل أستطيع أن أترك النذر ؟ وإذا كان ذلك جائزا ، فهل هناك كفارة على ذلك ؟
نذر أن يصلي جميع السنن إن رضي الله عنه !
السؤال: 238316
ملخص الجواب
مخلص الجواب : من علق النذر على رضى الله عنه : لا يلزمه شيء ، لأنه لا سبيل له إلى معرفة رضا الله عنه ، من عدمه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ينبغي للمسلم إذا أراد أن يطيع الله تعالى أن يطيعه من غير نذر ، حتى لا يشق على نفسه ، أو يوقع نفسه في الحرج إن هو ترك النذر ولم يف به .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر ، فالمسلم يجتنب ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا ينهاه عن أمر إلا وهو شر يضر به ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (43396) .
ثانيا : من نذر نذرا معلقا على شرط فإنه يلزمه الوفاء بالنذر إن حصل الشرط ، فإن لم يحصل أو جَهل : هل حصل الشرط أم لا ؟ فلا يلزمه شيء ، لعدم العلم بتحقق الشرط .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” لا يلزمك الوفاء بالنذر إلا بعد أن يتحقق لك الشيء الذي علقت النذر على حصوله أو عدمه، فإن حصل ذلك وجب عليك الوفاء بنذرك، ولا إثم عليك في عدم الوفاء به إذا لم يتحقق ؛ لأنه صار في حكم المعدوم ” انتهى بتصرف يسير من “فتاوى اللجنة الدائمة” (23/ 353) .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله مثل هذا في مسائل الطلاق ، فإذا علق الزوج طلاق زوجته على شرط ، وجهل الزوج هل وقع الشرط أم لا ؟ فلا يقع الطلاق .
قال الحجاوي رحمه الله في “زاد المستقنع” :
“من شك في طلاق أو شرطه لم يلزمه .. وإن قال : إن كان هذا الطائر غرابا ففلانة طالق ، وإن كان حماما ففلانة، وجُهل ، لم تطلق” انتهى .
قال الشيخ محمد بن عثيمين في شرحه :
“(من شك في طلاق) يعني قال: ما أدري، هل طلقت زوجتي أو لا؟ فلا يلزمه الطلاق.
(أو شرطه) أي: شك في شرط الطلاق، هل وقع أم لم يقع؟ مثل ما لو علق طلاق زوجته على شيء، ثم شك هل وجد هذا الشيء أم لم يوجد؟ فالنكاح بحاله ولا يقع الطلاق.
مثاله: قال: إن جاء فلان فزوجتي طالق، ثم شك هل جاء أم لم يأتِ؟ لم تطلق؛ لأن الأصل عدم الطلاق .
…
(وإن قال: إن كان هذا الطائر غراباً ففلانة طالق، وإن كان حماماً ففلانة، وجُهل لم تطلقا)
هذا رجل مرَّ به طائر، فقال:
إن كان هذا الطائر حمامة فهند طالق، وإن كان غراباً فدَعْد طالق، والطائر ذهب، ولا ندري ما هو؟ فلا طلاق؛ لأنه يحتمل أنه ليس غراباً ولا حماماً، وحينئذٍ نكون قد شككنا في وقوع الطلاق على واحدة منهما” انتهى من “الشرح الممتع” (13/171-178) باختصار .
وقال ابن قدامة في “المغني” (10/516) :
“إذَا رَأَى رَجُلَانِ طَائِرًا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ غُرَابٌ ، وَحَلَفَ الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ حَمَامٌ ، فَطَارَ وَلَمْ يَعْلَمَا ، لَمْ يُحْكَمْ بِحِنْثِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ يَقِينَ النِّكَاحِ ثَابِتٌ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ مَشْكُوكٌ فِيهِ” انتهى .
وقال المرداوي في “الإنصاف” (14/125) :
“وَإِنْ قَالَ : إنْ كَانَ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ ، وَإِنْ كَانَ حَمَّامًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ : لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا” انتهى .
ومن هذا الباب : قول الفقهاء – الأحناف والشافعية – بعدم وقوع الطلاق المعلق على “مشيئة الله” ، قالوا : لأن العلم بالمشيئة : غير ممكن .
قال الشيخ زكريا الأنصاري : ” (الضَّرْبُ الثَّانِي: التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ : فَإِنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ) : أَيْ : [ إن شاء ] طَلَاقُك ، (قَاصِدًا لِلتَّعْلِيقِ : لَمْ تَطْلُقْ) ؛ لِخَبَرِ مَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ : فَقَدْ اسْتَثْنَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَلِأَنَّ الْمَشِيئَةَ الْمُعَلَّقَ بِهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ .. ” انتهى ، من “أسنى المطالب” (3/249) .
وقد نص الأحناف- أيضا – على عدم وقوع الطلاق ، إذا علقه بـ”بمحبة الله” ، أو”رضاه” . قالوا :
“.. ولا) تطلق في قوله: (أنت طالق إن شاء الله) .
حاصله : أنه إذا علقه بمشيئة من لا تُعْلَم مشيئته ، أو بإرادته ، أو محبته ، أو رضاه ، كالباري ، والملائكة ، والجن ، والإنس ، والحائط . وأشرك معه من تُعلم مشيئته ، كـ:”إن شاء الله ، وزيد” ، بأداة هي : إن ، أو ، إلا إن ، أو إذا ، أو ما ، أو الياء ، أو إذ : لم تطلق . لرواية الترمذي: (من حلف على يمين وقال: إن شاء الله لم يحنث)” انتهى .
من “النهر الفائق شرح كنز الدقائق” (2/400)،وينظر : “فتح القدير” (8/339-340) .
وصرحوا أيضا بإلحاق النذر بذلك :
” وَأَشَارَ بِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ فِي الطَّلَاقِ ، إلَى صِحَّتِهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ صِيَغِ الْإِخْبَارِ، وَإِنْ كَانَتْ إنْشَاءَاتٍ شَرْعًا ، فَدَخَلَ : الْبَيْعُ ، وَالِاعْتِكَافُ ، وَالْعِتْقُ ، وَالنَّذْرُ بِالصَّوْمِ، وَخَرَجَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ …
وَأَشَارَ بِإِسْنَادِ الْمَشِيئَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى : إلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يُوقَفُ لَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ ، كَـ: إِنْ شَاءَ الْجِنُّ ، أَوْ الْإِنْسُ ، أَوْ الْمَلَائِكَةُ ، أَوْ الْحَائِطُ ؛ فَلَا يَقَعُ فِي الْكُلِّ … ” انتهى، من “البحر الرائق” (4/41) .
والحاصل : أن من علق النذر على رضى الله عنه : لا يلزمه شيء ، لأنه لا سبيل له إلى معرفة رضا الله عنه ، من عدمه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة