تنزيل
0 / 0

حكم التوجع والأنين ، وقول وا جسدي حال المرض

السؤال: 238543

ما حكم قولي وا جسدي ، أو آخ عند الألم هل هذا ينافي الصبر الواجب عند البلاء ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الشكاية والتوجع والأنين في المرض لها حالان :
الأولى: أن يصدر ذلك من المريض من باب الإخبار عن حاله ، أو من باب التنفيس
والتخفيف عن النفس ، بسبب شدة الوجع والمرض ، فهذا لا حرج فيه ، ولا ينافي الصبر
الواجب .
كأن يقول الشخص : إني مريض أو إني وَجِع ، أو واجسداه ، أو وارأساه ، أو نحو ذلك من
العبارات ، أو يُصدر صوتاً يدل على تألمه ووجعه .
وقد روى البخاري في صحيحه (5666) عن أم المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها ، أنها
قالت:” وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ) !! فَقَالَتْ
عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي ،
وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ !!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ) ”
.
وترجم البخاري رحمه الله ، على هذا الحديث في صحيحه : “بَابُ قَوْلِ المَرِيضِ: ”
إِنِّي وَجِعٌ، أَوْ وَا رَأْسَاهْ، أَوِ اشْتَدَّ بِي الوَجَعُ” انتهى .
وينظر للفائدة : “فتح الباري” (10/123-124) .
قال ابن مفلح رحمه الله :
” وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، لَا
لِقَصْدِ شَكْوَى” ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
لِعَائِشَةَ لَمَّا قَالَتْ : وَا رَأْسَاهْ، قَالَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ) .
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّك لَتُوعَكَ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: (أَجَلْ
كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ). مُتَّفَقٌ عليه .
وفي الفنون : قوله تعالى: ( لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ) يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّكْوَى عِنْدَ إمْسَاسِ الْبَلْوَى .
قَالَ: وَنَظِيرُهُ: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) و (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) و(مَا
زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدنِي) .
وَفِي “تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ” فِي الْآيَةِ الْأُولَى: هَذَا يَدُلُّ عَلَى
إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَمَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانُ مِنْ
الْأَذَى وَالتَّعَبِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَكْوَى.” انتهى ، من “الفروع” (3/255)
، وينظر أيضا : “الآداب الشرعية” له (2/174) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” فهذا اجتمع فيه سنتان : إقرارية ، وقولية ؛ أما الإقرارية : فإن النبي صلى الله
عليه وسلم أقر عائشة عندما قالت : ( وارأساه ) ، وأما القولية : فهو نفسه قال : (
وارأساه ) .
وعليه : فإن الإنسان إذا قال : وا رأساه ، وا بطناه.. ، أو ما أشبه ذلك : فلا حرج ؛
بشرط ألا يقصد بذلك أن يشكو الخالق إلى المخلوق ، بل يقصد التوجع مما قضاه الله
عليه .
فإذا كان مجرد خبر : فهذا لا بأس به ، ولاسيما إذا كان يذكر هذا عند من يريد أن
يعالجه ؛ لأنه خبر مجرد ، ليس المراد به الاعتراض والتسخط على قضاء الله وقدره ..”
.
انتهى من “شرح رياض الصالحين” (4/506) .

الثانية : أن يقصد بذلك
التوجع والأنين ، شكاية الخالق للمخلوق ، والتسخط والاعتراض على القدر ، فهذا هو
المذموم ، وفيه منافاة للصبر .
جاء في ” فتح الباري ” (10/124) :
” وَجزم أَبُو الطّيب وابن الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ
أَنِينَ الْمَرِيضِ وَتَأَوُّهَهُ مَكْرُوهٌ ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ
: هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ
مَقْصُودٌ ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي الْبَابِ ، ثُمَّ قَالَ : فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْكَرَاهَةِ
خِلَافَ الْأَوْلَى ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالذِّكْرِ أَوْلَى.
اهـ .
وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْمَعْنَى ، مِنْ كَوْنِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى ، تَدُلُّ
عَلَى ضَعْفِ الْيَقِينِ ، وَتُشْعِرُ بِالتَّسَخُّطِ لِلْقَضَاءِ ، وَتُورِثُ
شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ .
وَأَمَّا إِخْبَارُ الْمَرِيضِ صَدِيقَهُ أَوْ طَبِيبَهُ عَنْ حَالِهِ ، فَلَا
بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا ” انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :
” وأما الأنين ، فهل يقدح في الصبر ؟ فيه روايتان عن الامام أحمد .
قال أبو الحسين: أصحهما الكراهة ؛ لما روي عن طاوس أنه كان يكره الأنين في المرض ،
وقال مجاهد : كل شيء يكتب على ابن آدم مما يتكلم حتى أنينه في مرضه ؛ قال هؤلاء :
وإن الأنين شكوى بلسان الحال ينافي الصبر .
والرواية الثانية : أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر .
قال بكر بن محمد عن أبيه : سئل أحمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع ، فقال : تعرف
فيه شيئا عن رسول الله ؟ قال : نعم ، حديث عائشة : ” وارأساه ” ، وجعل يستحسنه .
والتحقيق : أن الأنين على قسمين :
1. أنين شكوى ، فيكره .
2. وأنين استراحة وتفريج ، فلا يكره ، والله أعلم ” انتهى من ” عدة الصابرين”
(ص/272) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ولا شك أن أنين المريض إذا كان ينبئ عن تسخط ، فإنه يكتب عليه ، أما إذا كان
بمقتضى الحُمَّى ، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ” .
انتهى من ” شرح العقيدة السفارينية ” لابن عثيمين (ص/424) .
وللفائدة ينظر في جواب السؤال رقم : (228754)
.
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android