أعيش في الوقت الراهن في تركيا بغرض الدراسة ، حيث أعيش مع أربع من الأصدقاء في نفس المنزل ، وأريد منكم النصيحة حول كيفية التعامل معهم ؛ فهم يشاهدون أفلام سيئة ، ويستمعون للموسيقى وفي معظم الأحيان ، عندما يحين وقت الصلاة يتجاهلونها حتى لو صليت أمامهم أو أخبرهم بأني ذاهب إلى المسجد ؛ حتى لا يتذرعوا بعدم معرفتهم ، وفي بعض الأحيان أشجعهم لمشاهدة المحاضرات والمقاطع الإسلامية ، ولكنهم يقومون بمشاهدة أفلام الكرتون حتى لا أزعجهم أو أنكر عليهم مشاهدة التلفاز، فكيف يمكنني مساعدتهم لأني أشعر بالذنب تجاههم وأريد مساعدتهم؟
يسكن مع مجموعة من الطلاب يفعلون بعض المنكرات
السؤال: 240236
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الصحبة الصالحة مطلب شرعي ، على المسلم أن يحرص عليها أشد الحرص ؛ لأنها من أسباب النجاة من الفتن .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي (2395) ، وأبو داود (4832) ، وحسنه الألباني .
قال الخطابي رحمه الله تعالى :
" هذا إنما جاء في طعام الدعوة ، دون طعام الحاجة ، وذلك أن الله سبحانه قال : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) ، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً ، غير مؤمنين ولا أتقياء
وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي ، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ؛ فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب ، يقول : لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع ، ولا تتخذه جليساً تطاعمه وتنادمه " انتهى من " معالم السنن " (4 / 115) .
وعن أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ ، فَحَامِلُ المِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534) ، ومسلم (2628) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16 / 178) .
فلهذا عليك أيها الأخ الكريم أن تجتهد للبحث عن صحبة صالحة يمكنك مشاركتهم في السكن، متى قدرت على ذلك.
ثانيا :
إذا لم تجد مكانا تسكن فيه إلا الذي أنت فيه الآن ، فلا حرج عليك أن تسكن معهم ، إذا اتقيت الله تعالى ؛ وذلك بأن لا تجالسهم على منكر ، وإذا رأيت منهم شيئا من ذلك نهيتهم وذكرتهم .
قال الله تعالى :
( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأنعام /68 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى :
" هذا النهي والتحريم ، لمن جلس معهم ، ولم يستعمل تقوى الله ، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم ، أو يسكت عنهم ، وعن الإنكار ، فإن استعمل تقوى الله تعالى ، بأن كان يأمرهم بالخير ، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم ، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه ، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم ، ولهذا قال :
( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي : ولكن ليذكرهم ، ويعظهم ، لعلهم يتقون الله تعالى " انتهى من " تفسير السعدي " (ص 260) .
لكن ما الحكم إذا لم يستجيبوا لنصحك ؟
ففي هذه الحالة عليك مواصلة تذكيرهم كلما رأيت الفرصة مناسبة لذلك ، ولا تكثر عليهم حتى لا يملوك ، ويكرهوا كلامك .
وأكثر من الدعاء لهم بالهداية .
فإنك إن فعلت ذلك فقد أديت ما عليك ، ولا إثم عليك .
قال الله تعالى :
( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأعراف /164 – 165 .
وإذا استمروا على حالهم تلك ، فلا تطل مجالستهم ، إلا بقدر الحاجة ، فتقضي يومك فيما ينفعك من دراسة ومذاكرة في جامعتك ومكتبتها ؛ لأن هذا هو الهدف الذي سافرت من أجله ، وتأوي إلى بيتك للراحة فقط .
وندعوك للاستفادة من النصائح المطروحة في الفتوى رقم : (47425) ، ورقم : (46876) ، ورقم : (50745) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة