تنزيل
0 / 0

حكم التدرج مع المدخنين لترك التدخين ، استنادا إلى التدرج في تحريم الخمر

السؤال: 240542

اعتدت على أن أنصح المدخنين بالإقلاع عنه تدريجياً، فمثلاً الذي يدخن عشر سجائر ، قلت له : خفف إلى اثنتين ، والذي يدخن يومياً ، قلت له: خفف إلى ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع ، وهكذا، مستنداً إلى فعل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في تركهم للخمر، فهل ما فعلته صحيح ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
سبق في جواب السؤال رقم : (10922) بيان
حرمة التدخين ، والأدلة على ذلك .
وإذا ثبت تحريمه فالواجب على المؤمن أن يجتنب ما حرمه الله تعالى فورا ، وألا يماطل
في ذلك.
وقد روى البخاري (7288) ، ومسلم (1337) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ ) .
وقد اتفق العلماء – إلا من شذ – على أن المنهي عنه يجب الانتهاء عنه في الحال ، ولا
يجوز تأخير ذلك .
قال ابن الحاجب رحمه الله عن صيغة النهي : “حكمها .. الفور ، فيجب الانتهاء في
الحال ” انتهى من ” مختصر ابن الحاجب ” (2/95) .

فمن كان ذا عزيمة وحزم ، وجب
عليه الانتهاء عن التدخين فورا ، ووجب على المحتسب والداعية أن يبين له ما يجب عليه
من ذلك ، وأن ينهاه عن المنكر كله .

وأما إذا رأى المصلح أو
الداعية أن شارب الدخان ليس عنده من العزيمة ما يجعله يترك المحرم فورا ، فإنه
لابأس بالتدرج معه والتقليل من المحرم شيئا فشيئا ، فإن الشريعة جاءت بمنع المنكر
والمحرم ، فإن لم يمكن منعه بالكلية ، فالمشروع السعي في تقليله بقدر الإمكان ،
لاسيما إذا كان هذا التقليل يُرجى أن يكون وسيلة لمنعه بالكلية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وأنها ترجح
خير الخيرين وشر الشرين ، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، وتدفع أعظم
المفسدتين باحتمال أدناهما ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (20 / 48) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
“إنكار المنكر أربع درجات :
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده .
الثانية : أن يقل ، وإن لم يزل بجملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلف ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان : مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة ” .
انتهى من “إعلام الموقعين” (3/4) .

ثانيا :
هناك فرق بين التدرج مع فاعل المعصية حتى يتمكن من تركها في النهاية ، كالصورة
الواردة في السؤال ، وبين التدرج في تحريم الخمر .
فالتدرج في الخمر كان تدرجا في الحكم نفسه ، من الإباحة إلى التحريم الجزئي ، ثم
إلى التحريم المطلق القاطع .
وهذا التدرج في الأحكام : قد انتهى بإكمال الشريعة ، واستقرار أحكامها ، ولم يعد
صالحا للبناء عليه في مثل ذلك ، ولا للتدرج في تحريم المحرم ، أو اعتقاد حرمته .

ومن ذلك : شرب الدخان ، فإذا
اعتقدنا أنه محرم ؛ لم يكن هناك وجه لقياس التدرج في تحريمه على تحريم شرب الخمر ،
فيحرم كثيره مثلا ، ويباح قليله ، ثم بعد مدة : يحرم كله ، أو يبين للشارب أنه كله
حرام .
وإنما المشروع في مثل ذلك : التدرج في أمره بالمعروف ، ونهيه عن منكر الدخان وغيره
بحسب الأهمية ، والإمكان ؛ فينهى عن المنكر الأشد ، وإن استلزم ذلك تأخير نهيه عما
هو دونه ، إن كان معلوما أن لن يطيع في الجانبين ، وينهى عن بعض المنكر ، إذا كان
لا يمكن أن يدعه بالكلية ، كما هنا ؛ فإذا كان معلوما من حال هذا المدخن : أن لن
يقلع عنه بالكلية ؛ فلا بأس أن يتدرج الداعية معه شيئا ، فشيئا ، حتى يقلع عنه
تماما ، أو قدر المستطاع ، وقد الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) التغابن/16 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَتَدَبَّرَ أَنْوَاعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ؛
وَقَدْ يَكُونُ الْوَاجِبُ فِي بَعْضِهَا – كَمَا بَيَّنْته فِيمَا تَقَدَّمَ -:
الْعَفْوَ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ؛ لَا التَّحْلِيلَ
وَالْإِسْقَاطَ .
مِثْلَ : أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِهِ بِطَاعَةِ ، فِعْلًا لِمَعْصِيَةِ أَكْبَرَ
مِنْهَا ؛ فَيَتْرُكُ الْأَمْرَ بِهَا دَفْعًا لِوُقُوعِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ ،
مِثْلَ أَنْ تَرْفَعَ مُذْنِبًا إلَى ذِي سُلْطَانٍ ظَالِمٍ فَيَعْتَدِي عَلَيْهِ
فِي الْعُقُوبَةِ ، مَا يَكُونُ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ ذَنْبِهِ .
وَمِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ ، تَرْكًا
لِمَعْرُوفِ هُوَ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً مِنْ تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ ؛ فَيَسْكُتُ
عَنْ النَّهْيِ ، خَوْفًا أَنْ يَسْتَلْزِمَ تَرْكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ
وَرَسُولُهُ ، مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ ذَلِكَ
الْمُنْكَرِ.
فَالْعَالِمُ : تَارَةً يَأْمُرُ ، وَتَارَةً يَنْهَى ، وَتَارَةً يُبِيحُ ،
وَتَارَةً يَسْكُتُ عَنْ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ ، كَالْأَمْرِ
بِالصَّلَاحِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ ، أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ
الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ .
وَعِنْدَ التَّعَارُضِ : يُرَجَّحُ الرَّاجِحُ – كَمَا تَقَدَّمَ – بِحَسَبِ
الْإِمْكَانِ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُمْكِنِ:
إمَّا لِجَهْلِهِ ، وَإِمَّا لِظُلْمِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ جَهْلِهِ
وَظُلْمِهِ ؛ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَصْلَحُ الْكَفَّ وَالْإِمْسَاكَ عَنْ أَمْرِهِ
وَنَهْيِهِ.. ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (20/58) ، وينظر للفائدة : ” الاستقامة ” ، لشيخ الإسلام
أيضا (2/212) وما بعدها .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android