تنزيل
0 / 0
12,65930/07/2016

هل ترك قيام الليل يخل بوصف التقوى ؟

السؤال: 240803

هل من لا يقوم الليل ليس بتقي ؟ لأن من صفات المتقين في القرآن الاستغفار بالأسحار.

ملخص الجواب

وخلاصة الجواب : – أن قيام الليل من صفات المتقين ، ومما يعين العبد على تحقيق تقوى الله . – أن ترك قيام الليل لا ينفي عن العبد اتصافه بتقوى الله الواجبة . – أن من ترك قيام الليل فقد فاته شيء من تقوى الله المستحبة . والله أعلم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

التقوى من ( وقى) ، وحقيقتها أن تجعل بينك وبين ما تخافه وتحذره وقاية ، قال ابن رجب الحنبلي في ” جامع العلوم والحكم ” (1 / 398) : ” وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه ، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه ، وقاية تقيه من ذلك ؛ وهو فعل طاعته ، واجتناب معاصيه.
وتارة تضاف التقوى إلى اسم الله عز وجل، كقوله تعالى: (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) [المائدة: 96] ، وقوله: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) [الحشر: 18] ، فإذا أضيفت التقوى إليه سبحانه وتعالى، فالمعنى: اتقوا سخطه وغضبه، وهو أعظم ما يُتقى، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي ، قال تعالى: ( ويحذركم الله نفسه ) [آل عمران: 28] ، وقال تعالى: ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) [المدثر: 56] ، فهو سبحانه أهل أن يخشى ويهاب ويجل ويعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه ، لما يستحقه من الإجلال والإكرام ، وصفات الكبرياء والعظمة وقوة البطش ، وشدة البأس ” انتهى.
وقال ابن القيم في ” الرسالة التبوكية ” (1 / 13): ” وأما التقوى : فحقيقتها العمل بطاعة الله ، إيماناً واحتساباً، أمراً ونهياً، فيفعل ما أمر الله به ، إيمانا بالأمر ، وتصديقا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه ، إيماناً بالنهي ، وخوفاً من وعيده ، كما قال طلق بن حبيب: ” إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى ” قالوا: وما التقوى؟ قال: ” أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله , وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ” وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى” انتهى.

وأما وصف الله تعالى للمتقين في قوله ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) الذاريات/ 15 – 17.
فليس في الآية ما يشير إلى أن قيام الليل شرط في التقوى الواجبة ؛ بل كل ما فيها أن قيام الليل من صفات المتقين ، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه ؛ لأنه إذا كانت التقوى فعل المأمورات وترك المنهيات ، فإن قيام الليل مما أمر الله به ، أمر استحباب ، ولأن الصلاة من أعظم ما يعين العبد على أمور دينه .
قال تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) البقرة/ 45 .
قال السمعاني في تفسيره (1 / 74) : ” استعينوا بهذين ( الصبر والصلاة ) على الدِّين ؛ لتقووا على الإقبال على الآخرة والإعراض عن الدنيا” انتهى.
وفي جانب ترك المنهيات والمحرمات خصوصاً قال الله تعالى : ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت/ 45 .
يقول ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في ” الاستقامة ” (1 / 318) : ” فَإِن الصَّلَاة كَمَا ذكر الله تَعَالَى ( تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر ) وَهَذَا أَمر مجرب محسوس ؛ يجد الْإِنْسَان من نَفسه أَن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر” انتهى.
والتقوى تنقسم إلى : تقوى واجبة ، وتقوى مستحبة .
فالتقوى الواجبة هي فعل الواجبات ، واجتناب المحرمات ؛ ثم يكون أداء النوافل ، من الصيام ، والقيام والذكر ، من جملة التقوى المستحبة ، والكمال المستحب في الدين ، والإيمان ، والتقوى ؛ فإن كل ذلك مما يزيد وينقص ، كما هو معتقد أهل السنة والجماعة .
روى البيهقي في ” الزهد الكبير ” (964) : ” أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامِ النِّهَارِ، وَلَا بِقَيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ” .
فمن أتى بقيام الليل ، وصيام النهار : زاد إيمانه وتقواه .
ومن أخل بذلك ، نقص من إيمانه وتقواه ، بحسب ما نقص وضيع من ذلك ؛ فإن الإيمان يزيد ، حتى لا منتهى له ، وينقص ، حتى لا يكون منه شيء ؛ بحسب ما يجيء العبد به من الطاعات والمعاصي .
قال الصنعاني رحمه الله :
” وأما المتقون : فإن الله تعالى بين مَن هم ، وفسرهم في صدر سورة البقرة ، حيث قال: ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) [البقرة:2] ؛ كأنه قيل من هم؟ قال: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) [البقرة:2-3] .
فوصفهم بأنهم من اتصف بهذه الصفات الست، وهي صفاتٌ مركبة من أجزاء الإسلام ، ومن أجزاء الإيمان، كما في آية الأنفال ، حيث ذكر الله تعالى صفات المؤمنين حقاً ، مركبة من أجزاء النوعين . وذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث جبريل ، وقد قال له: ما الإسلام يا محمد؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ) ؛ فجعل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من أجزاء الإسلام.
فالآيتان أشارتا بذكر بعض أجزاء الإسلام ، وهما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، إلى اعتبار الإسلام بجميع أفراده، إلا أنهما خصتا أعظم أجزائهما البدنية والمالية ، ويعلم الصوم والحج بالسنة التي وردت بياناً للقرآن، فإن بيانه بتفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وتفسير مبهمه ، وغير ذلك .
وأشارتا بالإيمان وزيادته إلى اعتبار الإيمان بأجزائه، فأفادتا أنه لا يكون العبد مؤمناً إلا باستكماله لخصال الإسلام والإيمان .
وأشارت آيةُ البقرة إلى أن المتقين هم الجامعون بين الإسلام بقوله: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) [البقرة:3] ، والإيمان بقوله: ( وَالذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) الآية.

وإذا عرفت هذا ، فقد بين القرآن أولياء الله بياناً شافياً : أنهم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى، ثم بين تعالى الإيمان وأجزاءه، والتقوى وأجزاءها.
ثم بعد تقرير هذا ؛ فلا ريب أن رتبة الإيمان تتفاوت إلى زيادة ونقصان ، حتى ينتهي الإيمان إلى مقدار مثقال الخردلة، كما وردت به الأحاديث النبوية الثابتة الصحيحة ، وقد قرر في محالِّه، كما أن رتبة التقوى تتفاوت ” انتهى ، باختصار يسير من “الإنصاف في حقيقة الأولياء” للصنعاني (6-7) .

وفي النهاية ننبه على فضل قيام الليل وأنه من أفضل القربات وأجل الأعمال الصالحات كما سبق بيانه في الفتوى رقم : ( 50070 ).

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android