0 / 0
69,78925/12/2016

هل يجوز المزح مع الإخوة والأصدقاء بالشتم والضرب ؟

السؤال: 243327

قرأت في فتواكم أنه يجوز الضرب بين أفراد الأسرة ، إذا كان لا يؤذي ، فعندي سؤالان :
الأول : هل يجوز الشتم والسب مازحا بين أفراد الأسرة خاصة بين الاخوة ؟
كقول : أنت مجنون ، أو منغولي ، أو سبه بأقبح من هذا ككلب ، وكحمار ، أو أقلب وجهك مازحا ؟
وسؤالي الآخر :
دائما يحدث بين أصحابي أننا نتمازح ، ونتعارك مزحا ، أو نتصارع في المباطحة ، كأيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو غير هذا من ضرب باليد ، أو الرجل ، أو الرأس ، لكنه يكون مزاحا ، فهل يجوز هذا ؟ وإذا كان يجوز فهل له ضوابط معينة ؟ وهل هناك أقوال للعلماء في هذا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ينبغي للمسلم أن تكون حياته تسير على جادة الاجتهاد واغتنام الأوقات للاستزادة من الخيرات والاستعداد ليوم المعاد ، امتثالا لقوله تعالى :
( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ال عمران /133.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : ” أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي ، فَقَالَ : ( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ) ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : ( إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ) رواه البخاري (6416) .

لكن هذا الجد والاجتهاد لا ينافيه المزاح أحيانا ، فقد كان النبي صلى الله عيه وسلم يمازح أصحابه أحيانا .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ” قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا ، قَالَ : ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا “) رواه الترمذي (1990) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (4 / 304) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَمْزَحُ ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) رواه الطبراني في ” المعجم الأوسط ” (1 / 298) ، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع الصغير ” (1 / 489) .

وحتى يكون المزاح كمزاح النبي صلى الله عليه وسلم ، لا ينافي الجد بل يكمّله ؛ فعلى المسلم أن يتحرى به أحد هدفين : إما لمؤانسة الأصحاب والإخوان لتزداد المحبة بينهم وتتوثق ، وإما لإراحة النفس بعد النشاط ، والإعداد لها لما يستقبل من الأعمال ، وذلك بإزالة الملل والسأم .
كما قال الماوردي رحمه الله تعالى :
” فالعاقل يتوخى بمزاحه إحدى حالتين ، لا ثالث لهما :
إحداهما : إيناس المصاحبين ، والتودد إلى المخالطين . وهذا يكون بما أنس من جميل القول ، وبسط من مستحسن الفعل .
وقد قال سعيد بن العاص لابنه : اقتصد في مزاحك ، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجرئ عليك السفهاء ، وإن التقصير فيه يفض عنك المؤانسين ، ويوحش منك المصاحبين .
والحالة الثانية : أن ينفي بالمزاح ما طرأ عليه من سأم وأحدث به من هم . فقد قيل : لا بد للمصدور أن ينفث . وأنشدت لأبي الفتح البستي:
أَفْدِ طَبْعَك الْمَكْدُودَ بِالْجِدِّ رَاحَةً … يُجَمُّ ، وَعَلِّلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَزْحِ
وَلَكِنْ إذَا أَعْطَيْتَهُ الْمَزْحَ فَلْيَكُنْ … بِمِقْدَارِ مَا تُعْطِي الطَّعَامَ مِنْ الْمِلْحِ
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح على هذا الوجه ” .
انتهى من ” أدب الدنيا والدين ” (ص 319) .

فالحاصل ؛ أن على المسلم أن يكون مزاحه لهدف نبيل ، وليس على وجه البطالة وتضييع الأوقات .
وأن يكون على وجه لا يخالف الحق ، كما أشار لهذا حديثا أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما .
ثانيا :
المزاح بالألفاظ المذكورة ، هو مزاح لا يجوز ، يُنهي عنه :
1- لأن في هذا مخالفة لأمر الله تعالى بالإحسان في القول ، واجتناب التنابز بالألقاب .
قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) البقرة /83 .
وقال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات /11 .

2- هذه الألفاظ التي أشرت إليها هي وسيلة الشيطان لإلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين .
قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) الإسراء /53 .
3- أن هذا ايذاء صريح ، وشتم وسب ، فلا يجوز ولو رضي المخاطب بها .
4 – أن التلفظ بهذه الألفاظ الفاحشة والبذيئة ، واعتيادها ، فيه مخالفة لأدب المؤمن، وخصال الإيمان الحميدة ، التي أحبها الله من عباده .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وصححه الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (1 / 634) .
ثالثا :
ممازحة الإخوان والأصدقاء بالجوارح كالضرب باليد ، والنطح بالرأس ، والمصارعة ، ونحو هذا:
– إذا كان المزاح على وجه لا يؤذي عادة ، وليس فيه إهانة ، ورضي الطرف الثاني بهذه الممازحة ، وكان ذلك يقع أحيانا ، وفي الأوقات المناسبة لذلك ، فلا يظهر في هذه الحالة ما يمنع منها وقد (كان الصحابة رضي الله عنهم يتبادحون بالبطيخ [أي : يترامون] ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (435) .

ولكن ينبغي اختيار الوقت المناسب والحال المناسبة لهذا المزاح ، حتى لا ينقلب الأمر إلى عداوة وخصام .
قال سفيان بن عيينة : “المزاح سنة ، ولكن لمن يحسنه ويضعه في موضعه” .

– أما إذا كانت هذه الممازحة تؤذي وتؤلم عادة ، أو فيها نوع إهانة ، ففي هذه الحالة لا تجوز هذه الممازحة :
1- لأن فيها ايذاءًا وإلحاقَ ضررٍ بالغير ، والإضرار بالناس من غير وجه حق لا يجوز ، خاصة وأن مثل هذا المزاح لا يزيد المحبة والاحترام بين الإخوة ، وإنما يزيل الهيبة ، ويزيد من جرأة الصغير على الكبير ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) رواه البخاري (10) ، ومسلم (40) .
2- أن هذا المزاح أحيانا يؤدي الى مصائب لا يمكن تداركها ، وأحيانا يصادف هذا المزاح وقتا يكون فيه الممازح بمزاج سيئ ، فينقلب المزاح إلى شجار وخصام وعداوة ، كما يشاهد ذلك أحيانا .
فالحاصل ؛
أن المزاح على هذا الوجه فيه ضرر ويؤدي إلى مفاسد ، و ليس فيه مصلحة معتبرة ؛ فيكون من الأمور المنهي عنها .
وراجع الفتوى رقم : (22170) ففيها ضوابط مهمة للمزاح المشروع .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android