اتفق مع الموظف على تسجيل اسمه في المنح مقابل إعطائه نصف قيمة الأرض
السؤال: 244475
أبي اتفق مع أحد الأشخاص وهو موظف في أحد البلديات أن يسجل اسمي في منح الأراضي ، مقابل أن يتحصل هذا الموظف على نصف قيمة الأرض في حال نزولها ، وبالفعل بعد أيام نزل اسمي من أصحاب المنح مع مجموعة كبيرة ، فسألت أحد المشايخ عن حكمها ، وهل تجوز لي أم لا ؟
لأن أغلب ظني أن الموظف قد يكون قدم اسمي على كثير من الأشخاص المقدمين قبلي ، فقال لي الشيخ : ” هذا رزق ساقه الله إليك” ، فلم أرتاح خاصة وأني لم أخبر الشيخ بإتفاق أبي مع الموظف ، وحتى يطمئن قلبي قررت سؤال شيخ غيره وأخبرته بإتفاق أبي مع الموظف ، فقال لي : ” دام الأرض نزلت باسمك فخذها ولا تعطي الموظف شيئا ” ، والآن الأرض على وشك انتهاء إجراءات أوراقها ، والموظف وأبي يذكراني دائما بالاتفاق .
فماذا أفعل هل أعطيه نصف قيمة الأرض أم تعتبر رشوة أم ماذا ؟
وأظن وـ الله أعلم ـ أن الموظف لديه أشخاص غيري اتفق معهم بهذا الاتفاق ويتحصل منهم على أموال .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إذا كان
هذا الموظف مسئولا عن منح الأراضي ، فما يأخذه من طالبي المنح يدخل في الرشوة
وهدايا العمال المحرمة .
وإذا لم
يكن مسئولا عن ذلك ، وغلب على الظن أنه لا يدفع رشوة ، ولا يظلم أحدا، وإنما يسعى
لتسجيل اسمك ، فلا حرج في ذلك ، وما يأخذه يدخل فيما يسميه العلماء بـ “ثمن الجاه”،
وهو محل خلاف بين الفقهاء ، فذهب بعضهم إلى جوازه ، كما يفهم من كلام الشافعية
والحنابلة ، وذهب آخرون إلى منعه ، أو كراهته ، أو التفصيل في حكمه ، وهي أقوال في
مذهب المالكية .
وينظر:
سؤال رقم : (129839) .
والذي
يظهر هو التفصيل ، فلا يجوز أخذ المال على مجرد الشفاعة وبذل الجاه ، وإنما يؤخذ
المال في مقابل العمل والجهد والسفر ونحوه إن وجد ؛ لما روى أبو داود (3541) عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ
شَفَعَ لِأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا
فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ) والحديث حسنه الألباني في
” صحيح أبي داود ” .
قال
الشيخ عليش المالكي : ” وفي المعيار سئل القوري عن ثمن الجاه فأجاب بما نصه : اختلف
علماؤنا في حكم ثمن الجاه ، فَمِنْ قائلٍ بالتحريم بإطلاق , ومِنْ قائلٍ بالكراهة
بإطلاق , ومِنْ مُفّصِّلٍ فيه ، وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعبٍ وسفر ،
فأخذ مثل أجر نفقة مثله : فجائز ، وإلا : حرم . ا هـ . وهذا التفصيل هو الحق ”
انتهى من “منح الجليل” (5/404).
فإن غلب
على الظن أنه يبذل الرشوة للمسئول، لم يجز الاستعانة به ، ولا إعطاؤه شيئا؛ لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم : (لعن الراشي والمرتشي ) رواه أبو داود (3580) ، وأحمد
(6791) وزاد : (والرائش) وهو الوسيط بينهما . وصححه الألباني في ” إرواء الغليل ”
(2621).
وفي
تحريم هدايا العمال: روى البخاري (7174) ، ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ : ” اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى
صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، فَقَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي
يَقُولُ : هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي ، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ
فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي
بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ
كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ
، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ : أَلا هَلْ
بَلَّغْتُ ، ثَلاثًا ) .
والرغاء
: صوت البعير ، والخُوار : صوت البقرة ، واليُعار : صوت الشاة .
وروى
أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هدايا العمال غلول ) أي خيانة .
والحديث صححه الألباني في ” صحيح الجامع ” رقم : (7021) .
وجاء في
“فتاوى اللجنة الدائمة” (23/ 568) ما نصه : ” أنا صاحب شركة بناء ، ولي صديق مدير
في مؤسسة طباعة الكتب والكراريس المدرسية ، وبحكم علاقته مع مسئولين في وزارة
التعليم والمعارف ، يستطيع الحصول على مشاريع في البناء لصالح الوزارة ، وبحكم
علاقتي به : فإنه يعرض عليّ العملَ في شكل عقد مضاربة أو قراض ، فمنه المشروع وعليّ
العمل ، إلا أن الإشكال في المسألة أن صاحبي لا يتحصل على المشروع إلا إذا دفع شيئا
من المال حتى يكون المشروع من نصيبه ، علما أنه لا ينافسه في أخذ المشروع أحد ، ومن
جهتي أنا كصاحب شركة إذا لم أتعامل معه أو مع غيره بهذه الطريقة فإن أعمالي وأشغالي
ستتعطل . أفتوني في هذه المسألة جزاكم الله كل خير ؟
الجواب
: ” ما يعمله هذا الشخص الذي ذكرته هو من قبيل الرشوة المحرمة ، والملعون من فعلها
أو أعان عليها ، فعليك بمناصحته ليترك هذا العمل ، ولا يجوز لك قبول المقاولة على
ما يحصل عليه من أعمال في مقابل هذه الرشوة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم
والعدوان ، وأكل المال بالباطل” انتهى .
الشيخ
بكر أبو زيد … الشيخ صالح الفوزان … الشيخ عبد الله بن غديان … الشيخ عبد
العزيز بن عبد الله بن باز .
وجاء
فيها (23/554) أيضا : (لي معاملة مرتبطة بالمحكمة الشرعية ، فأعطيت واحدا مبلغا من
الفلوس لينتجها لي كصك شرعي مثلا ، والأرض لي ليس لي منافس فيها ، فهل أدخل في
الرشوة ، وهل علي لو فعلت مثل هذا ؟
ج1 :
إذا كان ما قام به من إجراء لإخراج صك لك بالأرض ليس من طبيعة عمله الواجب عليه
بحكم وظيفته ، فليس ما دفعته له من المال رشوة ، وإذا كان مما يجب عليه القيام به
بحكم وظيفته فلا يجوز ) انتهى.
وينظر:
سؤال رقم : (107750) .
ثانيا:
إذا
كانت معاملتك من الرشوة المحرمة – بحسب التفصيل السابق- فالواجب عليكم التوبة إلى
الله تعالى، وعدم العود لمثل ذلك، ولا حرج عليك من الانتفاع بالأرض، إذا كانت تنطبق
عليك شروط منحها.
جاء في
” فتاوى اللجنة الدائمة ” (23/561): (في عام 1397 ه تقريبا أو قريبا منه قمت بدفع
مبلغ ثلاثة آلاف ريال (3000) لأحد الجماعة ؛ ليستخرج لي أرض منحة ، وليست بيعا ، من
بلدية القرية التي أسكن فيها ، علما بأنه أبان لي أن رئيس البلدية لا يخرجها إلا
بهذا المبلغ ، ولا أدري آنذاك ما معنى هذا ، هل هو رشوة أم بيع ، وأكثر الظن مني
آنذاك أنها رشوة ، والذي حدث أنني قمت بإعطائه ذلك المبلغ ، وحصلت الأرض بعد فترة ،
ورهنتها في صندوق التنمية العقاري ، وأنشأت بها عمارة موجودة حتى الآن ، علما بأن
الاستمارة التي خرجت من البلدية بهذه الأرض بعنوان منحة ، وليست بيعا ، أود من
سماحتكم توضيح ما يجب علي لأكون بريئا ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى
الله بقلب سليم .
الجواب
: الذي يظهر أن ما فعلت هو من قبيل الرشوة المحرمة ، والواجب عليك التوبة إلى الله
من ذلك وعدم العودة لمثل ذلك ، ومناصحة هذا المسئول إن استطعت ، فإن لم يمتثل فعليك
أن تبلغ عنه من يأخذ على يده ، ويمنعه من هذا الفعل المحرم والكسب الخبيث ، وتعطيل
مصالح الناس ، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش” انتهى .
الشيخ
بكر أبو زيد … الشيخ عبد العزيز آل الشيخ … الشيخ صالح بن فوزان الفوزان …
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
ثالثا:
لا يجوز
لك إعطاء قيمة نصف الأرض لهذا الشخص في حال كونها رشوة؛ لأن بذلها محرم، والوفاء
بها لا يجب؛ لكونها معصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ
فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ) رواه مسلم (1641).
وإذا
كان هذا في النذر المؤكد، فعدم الوفاء بالمعصية في غير نذر أولى.
والله
أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة