0 / 0
19,80929/10/2016

حكم القول عن مدرس إنه لا يصلح للتدريس

السؤال: 245157

أنا طالب في كلية التجارة بمصر ، ولقد ابتلينا بفتن آخر الزمان ، ومنها توكيل الأمر لغير أهله ، فكثيرا ما نجد ظالمين وفاسدين وغير أكفاء في وظائفهم ، لدينا في كليتنا الكثير من الدكاترة ممن لا يستطيعون الشرح ، والتدريس ، أو ممن لا يقومون بعملهم علي الوجه الأكمل ، مع تقاضيهم مستحقاتهم .
سؤالي هو : هل يجوز ذكر عيوب هؤلاء الدكاترة ـ من قلة كفاءة ، وتقصير ، وظلم ، وإهمال ـ لزملائي الطلاب ، ومساعدي الدكاترة ؛ ليعرفوهم علي حقيقتهم ويأخذوا حذرهم ؟
مع العلم أنه لا يوجد سلطة أعلى نشكو إليها ، فالنظام لدينا يعطي الدكتور سلطة مطلقة بدون رقيب ولا محاسب إلا الله سبحانه وتعالى ، كثير منهم ـ ربي بهم أعلم ـ لا يتقون الله في طلابهم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

المدرس الذي يقصر في عمله ، ولا يقوم بالواجب عليه ، فلا يحسن الشرح ، مع قدرته على ذلك ، وتمكنه منه لو أراد ، ولا يعدل بين الطلبة ويستخدم نفوذه وسلطته فيما ينفعه شخصيا من غير مراعاة لمنفعة الطلبة ومصلحتهم :
فهذا فاسق لا حرمة له وتجوز غيبته .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى :
” وذكر الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) : إنّ المظهر للمحرمات تجوز غيبته بلا نزاع بين العلماء … ” انتهى من ” الآداب الشرعية ” (1 / 274) .
ومما يستدل به على هذا حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، حيث قَالَتْ: ( اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ائْذَنُوا لَهُ ، بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ ، أَوِ ابْنُ العَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الكَلاَمَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الكَلاَمَ ؟ قَالَ : أَيْ عَائِشَةُ ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ) رواه البخاري (6054) ، ومسلم (2591) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” وقوله في الحديث : (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ) استئناف كلام كالتعليل لتركه مواجهته بما ذكره في غيبته ، ويستنبط منه أن المجاهر بالفسق والشر لا يكون ما يذكر عنه من ذلك من ورائه من الغيبة المذمومة ” انتهى من ” فتح الباري ” (10 / 471 – 472) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
” فقد استثني من هذا الباب [أي : تحريم الغيبة] من لا غيبة فيه من الفساق المعلنين المجاهرين ، وأهل البدع المضلين … وأصل هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم ، في الأحمق المطاع عيينة بن الحصين الفزاري ( بئس ابن العشيرة ) ” انتهى من ” الاستذكار ” (27 / 329 – 330).

لكن يجب أن يتقيد الإخبار عن فسوقه هذا بأمرين :
الأمر الأول : أن لا يخرج الكلام عن المسألة التي فسق بها ، إلى حد السخرية بخلقته أو شيء من هذا كما هو حاصل بين فئات من الطلاب حيث يتجاوزون إلى الفحش في الكلام .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وصححه الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (1 / 634) .

الأمر الثاني : أن لا يخرج الكلام عنه عن حد الاعتدال والحاجة ، إلى حد الإسراف وتضييع الأوقات ، وكثرة القيل والقال فيصبح بهذه الصفة منهيا عنه .
عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ : عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ البَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ) رواه البخاري (2408) ، ومسلم (593) .

ثانيا :
وأما إن كان تقصير المدرس يقع منه عن غير تعمد وإصرار ، كما لو كان لا يحسن غير الطريقة التي يشرح بها ، أو كان ظلمه للطلبة وتعاليه عليهم ليس سلوكا عاما له ، وإنما تقع منه مثل هذه الهفوات المرة بعد المرة ، فمثل هذا ينبغي نصحه – إن أمكن – ولا تجوز غيبته إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة ، كتحذير طالب يريد الاكتفاء بدروس هذا المدرس أو يريد منه أن يكون مشرفا على بحث يقوم به .. ونحو ذلك .
أما إذا لم يكن هناك مصلحة مترتبة على غيبته ، وإنما هي تنفيس غيظ ، وتقضية وقت ، وشغل مجالس ، كما هو الغالب الأعم فيما نعرفه من مثل هذه الأحوال ، فالواجب حفظ اللسان عن الوقوع في غيبة مثل هذا ، والإعراض عن لغو القول ، وما لا فائدة فيه .

ومما يستدل به على هذا : حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لما خطبها مُعَاوِيَةُ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَأَبو جَهْمٍ ، فَقَالَ لها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا أَبُو جَهْمٍ ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ) رواه مسلم (1480) .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :
” قوله ( أما معاوية فصلعوك لا مال له وأما أبو جهم فلايضع عصاه عن عاتقه ) : ففيه دليل على أن قول المرء في غيره ما فيه ، إذا سئل عنه عند الخطبة : جائز ، وأن إظهار ما هو عليه من عيب فيه : صواب لا بأس به ، وليس من باب الغيبة في شيء …
والذي عليه مدار هذا المعنى : أن من استشير لزمه القول بالحق ، وأداء النصيحة ، وليس ذلك من باب الغيبة ، لأنه لم يقصد بذلك إلى لمزه ، ولا إلى شفاء غيظ ، ولا أذى ، ويكون حديث الغيبة مرتبا على هذا المعنى ” انتهى . ” التمهيد ” (19 / 159 – 160) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” قال العلماء تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا ، حيث يتعين طريقا إلى الوصول إليه ” انتهى من ” فتح الباري ” (10 / 472) .

فالغيبة إنما تجوز إذا كانت على وجه النصيحة ، أو طلب مصلحة شرعية راجحة .
ويجب على المتكلم في هذه الحالة : أن يحسن نيته ، فيكون قصده النصيحة ، وتحصيل المصلحة ، وليس الإساءة إلى من يتكلم في حقه ، أو الانتقام منه ونحو ذلك من المقاصد التي لا تبيح له الغيبة ، بل ربما تزيدها قبحا وإثما.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android