0 / 0

الأمر بإغلاق المحلات التجارية في أوقات صلاة الجماعة

السؤال: 245289

هل يجوز للحاكم إجبار أصحاب المحلات التجارية على أغلاق محلاتهم أثناء أوقات الصلاة ومعاقبتهم إذا لم يستجيبوا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
سبق بيان وجوب صلاة الجماعة على الرجال القادرين كما في الفتاوى رقم : (8918) ، و (120) ، و(40113) .
ثانيا :
من مسئوليات الحاكم أن يأمر بصلاة الجماعة ويعاقب المتخلفين عنها ، ويلزم أصحاب المحلات بإغلاق محلاتهم أثناء صلاة الجماعة .
ومما يدل على ذلك :
1- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب باتفاق العلماء ، لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ُ: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) .
والحاكم له من القدرة على ذلك ما ليس لأفراد الأمة .
ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغييره ، ومعاقبة من خالف ذلك : من أهم مسئوليات الحاكم المسلم .
قال الله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) الحج/41 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية ؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور ؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات …
( والتعزير ) أجناس ؛ فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام . ومنه ما يكون بالحبس . ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن . ومنه ما يكون بالضرب .
فإن كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة … فإنه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي الواجب ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (28 / 107) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” فعلى متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس …
واعتناء ولاة الأمور بإلزام الرعية بإقامة الصلاة أهم من كل شيء ، فإنها عماد الدين ، وأساسه وقاعدته … ويأمر بالجمعة والجماعة وأداء الأمانة والصدق ” .
انتهى من ” الطرق الحكمية ” (2 / 627 – 628) .
2- قد صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد همّ بتحريق بيوت من يتخلف عن الصلاة في الجماعة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَات ِ، فَقَالَ: ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا ، فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ ، بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ … ) رواه البخاري (644) ، ومسلم (651) واللفظ له .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ، أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ ) رواه ابن ماجه (795) وصححه الألباني في ” صحيح سنن ابن ماجه ” .
وهذا يدل على أنه يشرع للحاكم أن يعاقب المتخلف عن صلاة الجماعة ، حتى على قول من يرى أن صلاة الجماعة سنة وليست واجبة .
قال ابن بطال رحمه الله تعالى :
” وفيه : العقوبة فى الأموال على ترك السنن ؛ لأن نبى الله لم يهم من الإحراق إلا بما يجوز له فعله ” انتهى من ” شرح صحيح البخاري ” (2 / 271) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” والمصر على ترك الصلاة في الجماعة : رجل سوء ينكر عليه ، ويزجر على ذلك ، بل يعاقب عليه ، وترد شهادته ، وإن قيل إنها سنة مؤكدة ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (23 / 252) .
3- الحاكم راع للأمة ومسؤول عنها يوم القيامة .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (5200) ، ومسلم (1829) .
ومن أهم وظائف الحاكم ومسؤولياته التي يجب أن يرعاها ويحرص عليها ؛ هي أن يقيم دين الأمة ويحافظ عليه ، ومن ذلك الحفاظ على شعيرة صلاة الجماعة .
ثالثا :
كان السلف يتركون محلاتهم وأسواقهم ويذهبون إلى صلاة الجماعة في المسجد ، وهذا مما يشمله قول الله تعالى : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) النور/37 .
رأى ابن مسعود رضي الله عنه قوما من أهل السوق حيث نودي بالصلاة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة ، فقال : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) .
وكان ابن عمر في السوق فأقيمت الصلاة وأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) .
ومَّر سالم بن عبد الله بن عمر بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم ، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد فتلا هذه الآية : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) ثم قال : هو هؤلاء .
انظر : ” تفسير ابن جرير ” (17/321) ، وابن كثير (6/68) .
وكان السلف يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أن يلزمهم الحاكم بذلك ، لعظم شأن الدين والصلاة في نفوسهم ، فلما ضعف دين الناس وقل اهتمامهم بالصلاة ، فينبغي للحاكم أن يلزمهم بذلك سعيًّا في إصلاح دينهم وإكماله .

فيتبيّن بهذا أن أمر الحاكم بإغلاق المحلات أوقات صلوات الجماعة له أصل في الشرع يعتمد عليه ، وهو أمر يحقق مصلحة مجمعا عليها ، ولا يلحق مفسدة ـ في غالب الأمر ـ بالتجار والمشترين ؛ لأنه زمن يسير ، وما زال التجار يغلقون محلاتهم للأكل والشرب وقضاء الحاجات، فإغلاقها لما هو أهم وما خلقنا لأجله أولى وأعظم .
وعلى الرعية طاعته في ذلك ، وعدم مخالفته ، حتى وإن كانوا يتبعون قول من يفتى بسنية صلاة الجماعة وعدم وجوبها .
قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) النساء (59) .
قال المناوي رحمه الله تعالى :
” الإمام إذا أمر بمندوب أو مباح : وجب ” .
انتهى من ” التيسير بشرح الجامع الصغير ” (2 / 72).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android