فتاة خرجت من بيتها ، وهي مهمومة مكروبة ، فأرادت أن تقطع الشارع ، فقطعته وهي ذاهلة ، فتفاجأت بسيارة فوقفت في الشارع من صدمتها، فهرب عنها سائق السيارة كي لا يدعسها مما أدى إلى قلب سيارته ، وتأثره بجروح ، فأصاب الفتاة همّا لشعورها أنها سبب للحادث ، فهل يجب عليها أن تساعد صاحب السيارة بالمال لكونها متسببة للحادث؟
وقفت في الطريق فتفاداها السائق فانقلبت سيارته فهل تضمن؟
السؤال: 246714
ملخص الجواب
والحاصل : أنه يرجع إلى أهل الخبرة ومن رأى الحادث ، فإن قالوا: إن السائق كان يمكنه تفادي الفتاة دون انحراف كبير يؤدي للانقلاب ، فلا ضمان عليها. وإن قالوا: إنه لم يكن ممكنا له تفاديها إلا بهذا الانحراف، فهي ضامنة ؛ لأنها متعدية بوقوفها في الطريق. وإن كان خطؤهما مشتركا فالضمان بينهما. والله أعلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه المسألة فيها تفصيل:
1-إذا كان وقوف الفتاة في الشارع سببا في وقوع الحادث، بحيث لم يكن ممكنا للسائق تفادي ذلك، فإنها تضمن ما نتج عن ذلك من تلف ، أو ضرر ، في الأنفس ، أو في الأموال؛ لتعديها بهذا الوقوف.
2-وإن أمكن للسائق تفادي الفتاة دون انحراف يؤدي إلى الانقلاب ، لكنه بالغ في الانحراف فانقلبت سيارته ، فلا تعتبر الفتاة سببا في الحادث ، ولا يلزمها ضمان.
3-وإن كان الحادث بسبب منها ومن السائق معا، كما لو كان لا يمكنه تفاديها إلا بهذا الانحراف ، وكان يسير بسرعة زائدة عن المسموح به، فأدى ذلك للانقلاب، فهما متسببان، والضمان بينهما، بحسب ما يقدره أهل الخبرة، مناصفة أو غير ذلك.
ومثل هذا الأمر يحتاج إلى نظر أهل الخبرة وتقديرهم ، لمعرفة المتسبب في وقوع الحادث.
وهذه المسألة اجتمع فيها المباشر –وهو السائق فإنه انحرف بنفسه- والمتسبب، والأصل تضمين المباشر، لكن يضمن المتسبب إن كان متعديا ولم يتعد المباشر.
ومن كلام الفقهاء في تضمين المتسبب مما هو قريب من مسألتنا:
قال في “زاد المستقنع” : ( وإن ربط دابة بطريق ضيق ، فعثر به إنسان : ضمن ).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” فإذا ربط دابة بطريق ضيق ، فعثر بها إنسان وانكسر ، أو هلك : فعليه الضمان ؛ لأنه متعد في ربطها في هذا المكان الضيق.
وعلم من كلام المؤلف: أنه لو ربطها بطريق واسع : فلا ضمان عليه .
وهذا متجه إذا لم يربطها في طريق المارة ، فإن ربطها في طريق المارة ، فهو كما لو ربطها في طريق ضيق : عليه الضمان.
فإن قال قائل: الطريق الواسع ، وإن كان مطرق الناس ـ في وسطه مثلا ـ فإن الإنسان يستطيع أن ينحرف يمينا أو شمالا.
قلنا: لنسأل هل هذا الرجل الذي ربط الدابة في الطريق الواسع ـ في مطرق الناس ـ معتد أو غير معتد؟
الجواب: معتد، وإذا كان معتديا فهو ظالم، وقد قال الله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) [الشورى: 42] .
نعم لو ربطها في طريق واسع في أحد جوانبه فلا ضمان” انتهى من ” الشرح الممتع” (10/200).
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : ” فقوله: (ومن ربط دابته في طريق ضيق فعثر به إنسان) هنا اجتماع السببية والمباشرة ، فصحيح أن العثر وقع بمشي الشخص ، وهو الذي باشر المشي في هذا الموضع ، فسقط، لكن وجود هذه الدابة وهذا الحبل ، في هذا الموضع ، على هذا الوجه : موجب للضمان” .
وقال: “ينبغي أن يعلم أن هناك ثلاثة أمور لا بد من توفرها في الضمان، وهذه الثلاثة الأمور كالآتي:
أولاً: وجود الاعتداء.
وثانياً: أن يترتب على الاعتداء ضرر.
وثالثاً: أن توجد سببية تربط بين الاعتداء وبين الضرر” انتهى من “شرح زاد المستقنع “.
وقال في “كشاف القناع” (6/ 10) في تصادم الأشخاص: ” ( وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا ) أو قاعدا ( فعلى عاقلة السائر دية الواقف ) والقاعد ؛ لأنه قتيل خطأ ( وعليه ) أي السائر ( ضمان دابته ) ، أي دابة الواقف أو القاعد ، لأن العاقلة لا تحملها ( فإن مات الصادم أو ) تلفت ( دابته : فهدر ) ، لأنه لم يجن عليه أحد ، بل هو الجاني على نفسه . ( وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه ، فهما كالسائرين ) ، على ما سبق تفصيله.
هذا كله إذا وقف أو قعد في طريق واسع ( فإن كان الواقف ) يعني غير السائر ( في طريق ضيق غير مملوك له ) حال كونه ( قاعدا أو واقفا ، فلا ضمان فيه ) لأن السائر لم يتعد عليه، بل القاعد والواقف هو المتعدي” انتهى.
وصدر عن مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الثامن المنعقد في ( بروناي دار السلام ) سنة 1414هـ الموافق 1993م قرار بخصوص حوادث السير ومما جاء فيه:
” الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية ، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال ، إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ، ولا يعفى من المسؤولية إلا في الحالات التالية :
أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها ، وتعذر عليه الاحتراز منها ، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان .
ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة .
ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه ، فيتحمل الغير المسؤولية … ”
” ثالثاً : ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها ، إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء .
رابعاً : إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر ، كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال .
خامساً :
أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ، ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب : فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرّطاً .
ب – إذا اجتمع المباشر مع المتسبب : كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب ؛ إلا إذا كان المتسبب متعدياً ، والمباشر غير متعدّ .
ج – إذا اجتمع سببان مختلفان ، كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر .
وإذا استويا ، أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما : فالتبعة عليهما على السواء”.
انتهى من ” مجلة المجمع الفقهي” العدد الثامن ، الجزء الثاني ص 372
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الاسلام سؤال وجواب