تنزيل
0 / 0

استعمال المرأة التورية مع زوجها ، ونظرها للرجال في الأسواق .

السؤال: 247413

ما الدليل على جواز التورية ؟
وكيف نجمع بينها وبين أن الدين الاسلامي يأمرنا ويحثنا على الوضوح ، وعلى الشفافية مع الآخرين ، وألا نكون مخادعين مناورين لهم بحجة التورية ، حتى لو لم تترتب عليها مفسدة ؟ ولكن ألا يعتبر ذلك مناورة وخداع ؟
وأريد أن أعرف كيف أميز الآن أن من يحدثني ، ويحلف لي بأنه صادق معي ، أو إنه يستخدم التورية ؟ كيف أثق في كلام الآخرين ؟
فحتى زوجتي أصبحت أشك في كلامها لي ، وفي كل ما حلفت عليه سابقا لي ، بأنه كله خداع ومناورة مستخدمة التورية ، فزوجتي كلما حدثتني في أمر بادرت إلى الحلف لأصدقها دون أن أطلب منها ذلك ، وكنت أصدقها ، على الرغم أنه في بعض الأحيان كان الأمر واضحا لي بأنها غير صادقة ، ولكن كنت أسلم بصدقها ؛ لأني أعلم أنها تخاف من الله ، ولن تحلف كاذبة ، إلى أن حدثتني يوما عن التورية ، وأن الانسان يستطيع أن يتحدث ، وأن يحلف دون أن يعتبر كاذبا ، وذلك باستخدام التورية ، ألا يحق للمتلقي وللمستمع أن يعرف الحقيقة من المتكلم ، ألا يحق للزوج أن تحدثه زوجته بصدق ، ووضوح ، وشفافية ؟
فمثلا : زوجتي كانت تكثر من النظر إلى الرجال إذا نزلنا إلى الأسواق ، والأماكن العامة ، وأنا أثق فيها ، وأثق بأن هذا النظر لا يتجاوز الفضول والنظر ، ولكنه مفسدة حتى لو كان نظرا فقط ، فناصحتها بلطف كثيرا ، وأخبرتها بثقتي فيها ، وشرحت لها مفسده هذا الأمر ، وكنت أنزل معها إلى الأسواق ، وفي كل مكان عام ؛ لأنه عند نزولي معها كانت تخجل مني أن تنظر إلى الرجال ، دون أن أبين لها أن سبب نزولي معها هو نظرها للرجال ، وبعد مناصحتي لها كانت كلما نظرت لرجل بادرت هي إلى الحلف بأنها لم تنظر إليه ، رغم وضوح ذلك ، حتى لمن تنظر إليهم ، ولكني بعد حلفها لي في كل مرة تنظر إلى الرجال أصدقها ، وأسلم بما تقول ، وأصبحت أسمح لها أن تنزل لوحدها إلى الأسواق ، والأماكن العامة ، واكتشفت أن ذلك كان تورية .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:
“التورية : وهي أن تطلق لفظا ظاهرا ( قريبا ) في معنى ، تريد به معنى آخر ( بعيدا )
يتناوله ذلك اللفظ ، لكنه خلاف ظاهره ” انتهى من الموسوعة الفقهية (12/247).
قال البخاري في صحيحه: “بَاب الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ . وَقَالَ
إِسْحَاقُ : سَمِعْتُ أَنَسًا : مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ : كَيْفَ
الْغُلَامُ ؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : هَدَأَ نَفَسُهُ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ
قَدْ اسْتَرَاحَ ، وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ ” انتهى.
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم صنيع أم سليم ولم ينكر عليها.
فقد روى البخاري (5470) ، ومسلم (2144) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: ” كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ
فَقُبِضَ الصَّبِيُّ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي
قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ
الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ : وَارُوا
الصَّبِيَّ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: ( أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ ؟ )
، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا) ” .
قال النووي في ” شرح مسلم” (14/ 124): ” وفى هذا الحديث مناقب لأم سليم رضى الله
عنها ، من عظيم صبرها وحسن رضاها بقضاء الله تعالى ، وجزالة عقلها في إخفائها موته
على أبيه فى أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن ، ثم عشته وتعشت ، ثم تصنعت له ،
وعرضت له بإصابته فأصابها، وفيه استعمال المعاريض عند الحاجة لقولها : (هو أسكن مما
كان) ، فإنه كلام صحيح ، مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو فى الحياة .

وشرط المعاريض المباحة : أن لا يضيع بها حق أحد . والله أعلم” انتهى.
وقال عمر: ” أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب ؟ “.
وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: ” إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب” رواهما
البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح . “صحيح الأدب المفرد” (1/ 327، 337).

وقد أرشد النبي صلى الله
عليه وسلم إلى استعمال التورية لرفع الحرج :
روى أبو داود (940) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ
فِي صَلَاتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ)
والحديث صححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
قال الطيبي : “أمر بالأخذ ليخيل أنه مرعوف ( والرعاف هو النزيف من الأنف ) ، وليس
هذا من الكذب ، بل من المعاريض بالفعل ، ورُخِّص له في ذلك لئلا يسوِّل له الشيطان
عدم المضي استحياء من الناس ” انتهى من ” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” ( 3
/ 18 ).

والحاصل : أن التورية مشروعة
عند الحاجة ، وقد استعملها الأئمة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” روي أن مَهَنّا كان عنده [أي عند الإمام أحمد]، هو
والمروذي وجماعة ، فجاء رجل يطلب المروذي ، ولم يرد المروذي أن يكلمه ، فوضع مهنا
أصبعه في كفه ، وقال : ليس المروذي هاهنا ، وما يصنع المروذي هاهنا ؟ يريد : ليس هو
في كفه ، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله ” انتهى من “المغني” (9/ 420).

وقد ذكرنا أمثلة لذلك من فعل
الأئمة في جواب السؤال رقم : (27261)
وذكرنا فيه أنه ينبغي للمسلم ألا يستعمل التورية إلا في حالات الحرج البالغ ، وذلك
لأمور ، منها :
1-أن الإكثار منها يؤدي إلى الوقوع في الكذب .
2-فقدان الإخوان الثقة بكلام بعضهم بعضاً ، لأن الواحد منهم سيشك في كلام أخيه هل
هو على ظاهره أم لا ؟
3-أن المستمع إذا اطلع على حقيقة الأمر المخالف لظاهر كلام الموري ، ولم يدرك تورية
المتكلم ، كان الموري عنده كذاباً ، وهذا مخالف لاستبراء العرض المأمور به شرعاً .

4-أنه سبيل لدخول العجب في نفس صاحب التورية ، لإحساسه بقدرته على استغفال الآخرين
.

وقد أخطأت زوجتك باستعمال
التورية على نحو ما ذكرت ، مما أدى إلى فقدان ثقتك بكلامها.
ولاشك أن الحياة الزوجية لا تستقيم مع الإكثار من التورية ؛ لأن مبنى هذه الحياة
على الثقة المتبادلة بين الزوجين واطمئنان كل منهما للآخر.

وقد ذهب بعض العلماء إلى
تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
انظر “الاختيارات” ص 563 .
فنصيحتنا أن تبين لزوجتك هذا، وأنك لا تطمئن إليها إن استعملت التورية ، ولا ترضى
بذلك.

ثانيا:
المرأة مأمورة بغض البصر عن الرجال، كما قال تعالى: ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ
يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/31، ولكن نظرها
للرجال ليس كنظر الرجل للنساء عند الجمهور؛ لأن الأصل في نظرها الحل ، والأصل في
نظره الحرمة، لكن لا يعني هذا أن تنظر للغادي والرائح، بل ينبغي أن يقتصر نظرها على
الحاجة عند أمن الفتنة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( نظر المرأة للرجل لا يخلو من حالين ، سواء كان
في التلفزيون أو غيره :
نظر بشهوة وتمتع ، فهذا محرم لما فيه من المفسدة والفتنة.
نظرة مجردة لا شهوة فيها ولا تمتع ، فهذه لا شيء فيها ، على الصحيح من أقوال أهل
العلم ، وهي جائزة ، لما ثبت في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى
الحبشة وهم يلعبون ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسترها عنهم، وأقرها على ذلك.
ولأن النساء يمشين في الأسواق وينظرن إلى الرجال وإن كن متحجبات. فالمرأة تنظر
الرجل وإن كان هو لا ينظرها ، ولكن بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة. فإن كانت شهوة
أو فتنة فالنظرة محرمة في التلفزيون وغيره) نقلا عن ” فتاوى علماء البلد الحرام ” ص
482

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى
تحريم نظرها للرجال، فلا أقل من الاحتياط، وغض البصر إلا للحاجة.
ففي ” الموسوعة الفقهية ” (40/ 357): ” القول الثالث : أن حكم نظر المرأة إلى الرجل
الأجنبي كحكم نظره إليها ، فلا يحل أن ترى منه إلا ما يحل له أن يرى منها ، وهذا هو
قول للشافعية في مقابل الأصح ، ورواية عن أحمد ، قدمها في الهداية والمستوعب
والخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير ، وقطع بها ابن البنا واختاره ابن عقيل ، لكن
النووي جعله هو الأصح من مذهب الشافعية ، تبعا لجماعة من الأصحاب وما قطع به صاحب
المهذب .
وقد تقدم أن القول الصحيح الذي عليه الفتوى عند الشافعية : أن الرجل لا يحل له أن
ينظر من المرأة الأجنبية الشابة إلى أي شيء من بدنها ، وأن مقابله جواز نظره إلى
الوجه والكفين مع الكراهة .
وبناء على القول الصحيح في حكم نظر الرجل إلى المرأة ، يكون مقتضى هذا القول في حكم
نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي : هو التحريم مطلقا ، لكن قال الجلال البلقيني : هذا
لم يقل به أحد من الأصحاب ، واتفقت الأوجه على جواز نظرها إلى وجه الرجل وكفيه عند
الأمن من الفتنة ” انتهى.

وينبغي إحسان الظن بالمسلم
والمسلمة ، لا سيما بين الزوجين ، كما ينبغي عدم التدقيق والتفتيش، في هذا فإنه
مدعاة للشك والوسوسة وفساد ذات البين.

ثالثا:
الإكثار من الحلف مذموم ؛ لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89،
ولا سيما إذا صاحب التورية ، فقد يقود ذلك إلى الكذب، والكذب في اليمين من كبائر
الذنوب؛ لما روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ).
والعبرة بنية الحالف إلا إن حلفه من له ولاية التحليف كالقاضي والمحكَّم.

قال في “مغني المحتاج” (4/
475): ” ( وتعتبر ) في الحلف ( نية القاضي المستحلف ) للخصم سواء أكان موافقا
للقاضي في مذهبه أم لا لحديث : (اليمين على نية المستحلِف) رواه مسلم وحمل على
الحاكم ، لأنه الذي له ولاية الاستحلاف . والمعنى فيه : أنه لو اعتبرت نية الحالف
لبطلت فائدة الأيمان ، وضاعت الحقوق ، إذ كل أحد يحلف على ما يقصد…
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقول : من له ولاية التحليف بدل القاضي ، ليشمل الإمام
الأعظم والمحكم ، أو غيرهما ممن يصح أداء الشهادة عنده…
أما إذا حلّفه الغريم أو غيره ممن ليس له ولاية التحليف ، أو حلفه من له ذلك بغير
طلبه ، فالعبرة بنية الحالف. وكذا لو حلف هو بنفسه ابتداء ، كما قاله في زيادة
الروضة ” انتهى.

نسأل الله أن يصلح حالكما
وأحوال المسلمين.

والله أعلم.

المصدر

موقع الاسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android