هل هناك سيدة ديوثة ؟ مثلا إذا علمت أم أن بناتها يتحدثون مع أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهي غير راضية ، ولكن لا تحاول أن تمنعهم ، فهل تعد بذلك ديوثة ؟
المرأة التي لا تغار على بناتها وتقرهم على العلاقات مع الشباب هل تكون ديوثة؟
السؤال: 251104
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
في تعريف الدياثة قالت “الموسوعة الفقهية” (21/ 96): “الدياثة لغة : الالتواء في اللسان ، ولعله من التذليل والتليين ، وهي مأخوذة من داث الشيء ديثا ، من باب باع : لان وسهل ، ويعدّى بالتثقيل فيقال: ديث غيره . ومنه اشتقاق الديوث ، وهو الرجل الذي لا غيرة له على أهله ، والدياثة بالكسر : فعله.
وفي اصطلاح الفقهاء : عرفت الدياثة بألفاظ متقاربة يجمعها معنى واحد لا تخرج عن المعنى اللغوي ، وهو عدم الغيرة على الأهل والمحارم ” انتهى .
وجاء في السنة تعريف الديوث بأنه الذي يقر الخبث في أهله ، وبأنه الذي لا يبالي بمن يدخل على أهله.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ) رواه أحمد (5372) من حديث ابن عمر ، وصححه الألباني في “صحيح الجامع”، وصححه محققو المسند.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا : الدَّيُّوثُ وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ، فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ ، قَالَ : ( الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ دَخُلُ عَلَى أَهْلِهِ ) ، قُلْنَا : فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ؟ قَالَ : ( الَّتِي تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ) .
قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحا وشواهده كثيرة. وقال الألباني: صحيح لغيره. انتهى من “صحيح الترغيب والترهيب” (2/299).
فمن أهل العلم من قصر الديوث على من يقر الزنا في أهله .
ومنهم من جعله أعم من ذلك ، فكل من لا يغار على أهله ويقر فيهم المنكرات كالتبرج والاختلاط فهو ديوث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” والديوث: الذي لا غيرة له ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (32/ 141).
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ” قال العلماء : الديوث الذي لا غيرة له على أهل بيته” .
انتهى من “الزواجر عن اقتراف الكبائر” (2/ 347).
وقال الملا على القاري رحمه الله : ” (والديوث) بتشديد التحتية المضمومة (الذي يقر) بضم أوله أي يثبت بسكوته (على أهله) أي من امرأته أو جاريته أو قرابته (الخبث) أي الزنا ، أو مقدماته . وفي معناه سائر المعاصي ، كشرب الخمر وترك غسل الجنابة ونحوهما، قال الطيبي: أي الذي يرى فيهن ما يسوءه ، ولا يغار عليهن ولا يمنعهن ، فيقر في أهله الخبث” .
انتهى من “مرقاة المفاتيح” (6/ 2390).
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (17/ 197): “هل يطلق اسم (الديوث) على من يترك بناته بغير لباس إسلامي؟ فقد سمعنا من أحد الإخوان، أن الديوث ليس فقط الذي يرى امرأته أو أخته أو زوجته تزني، وفسر هذا الأخ الحديث الذي ذكر فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- المنكر وهو: الديوث الذي يرى المنكر في أهله ويسكت، بإظهار المحاسن، وليس بمن رأى الزنى في أهله. إذا من هو الديوث؟ هل الذي يرى الزنا في أهله؟ وما هو المنكر الذي ذكر في الحديث النبوي الشريف؟
الجواب: روى أحمد عن ابن عمر -رضي الله- عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة قد حرم الله -تبارك وتعالى- عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): فيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات، وروى الطبراني عن عمار بن يسار -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث، والرَّجُلة من النساء، والمدمن الخمر، قالوا: يا رسول الله: أما المدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله “، قلنا: فما الرجلة؟ قال: “التي تتشبه بالرجال قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): (فيه مساتير، وليس فيهم من قيل إنه ضعيف). وروى البزار والطبراني عن مالك بن أحيمر -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يقبل الله من الصقور يوم القيامة صرفا ولا عدلا، قلنا: يا رسول الله: وما الصقور؟ قال: الذي يُدخل على أهله الرجال قال الهيثمي: فيه أبو رزين الباهلي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وعلى هذا فمن نظر إلى ما جاء في الرواية الأولى أطلق كلمة (الديوث) على كل من أقر الخبث في كل من له ولاية عليه؛ من زوجته وبنته وأخته ونحو ذلك، سواء كان الخبث زنا ، أو وسائل إلى الزنا، من كشف عورة أمام أجنبي وخلوة به ، وتطيب عند الخروج ونحو ذلك مما يثير الفتنة، ويغري بالفاحشة، ورأى أن الأحاديث الخاصة الواردة في هذا داخلة في عموم الحديث الأول، لكن هذه الأحاديث فيها من المطاعن ما تقدم بيانه، مع العلم بأن سكوت الإنسان عن المنكر محرم، سواء كان في أهله أم في غيرهم، إلا أن سكوته عن إنكاره فيمن ولاه الله أمرهم أشد نكرا، وأعظم إثما؛ لكونه ولي أمرهم الخاص، سواء سمي ذلك السكوت دياثة ، أم لم يسم بذلك، فهو منكر على كل حال؛ للآيات والأحاديث العامة الدالة على ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم” انتهى .
الشيخ عبد الله بن قعود … الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” نحن نعلم بأن (الديوث هو: الذي يقر الفاحشة في أهله) -أعاذنا الله من ذلك- فهل تطلق كلمة ديوث على صاحب الدش، لأنه مقر بدخول الدش إلى بيته، ومعرفته أن أهله يشاهدون المحرمات؟
فأجاب: لا. ليس بديوث؛ لأن الفاحشة الزنا والعياذ بالله بأن يعلم بأن امرأته تزني فيقر الفاحشة” انتهى من ” الفتاوى الثلاثية “( ص15) .
وقال رحمه الله : “ما جاء ضمن السؤال: هل وجود الدش يعتبر من الدياثة؟ نقول: هذا ليس من الدياثة؛ لأن الديوث هو الذي يقر الفاحشة في أهله، وهذا الذي عنده الدش لو رأى رجلاً يحوم حول بيته ، فضلاً عن أن يفعل الفاحشة في أهله لقاتله، فلا يمكن أن نقول: إن هذه دياثة، لكن نقول: إنه سببٌ للشر والفساد” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” (48/ 2).
والذي يظهر والله أعلم أن الدياثة دركات ، فأعلاها إقرار الزنا في أهله ، ومنها إقرار غير الزنا مما يدخل في عدم الغيرة ، كإقرار الاختلاط ، ودخول الرجال على أهله.
والدياثة من كبائر الذنوب، لما روى النسائي (2562) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ) وصححه الألباني في ” صحيح النسائي ” .
قال ابن حجر الهيتمي: ” الكبيرة الثانية والثمانون والثالثة والثمانون بعد المائتين : الدياثة والقيادة بين الرجال والنساء” انتهى من “الزواجر عن اقتراف الكبائر” (2/ 346).
ثانيا:
لم نقف على من وصف المرأة بالدياثة ، سواء أقرت زوجها أو بناتها على الزنا، أو على ما يدل على ضعف غيرتها.
لكن يلزم من رأى المنكر أن ينكره بيده أو بلسانه أو بقلبه ، رجلا كان أو امرأة ، بحسب القدرة، وإلا كان آثما.
وفي صحيح مسلم (1829) : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ،أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .
وحديث الفتيات مع الرجال عبر مواقع التواصل لا يخلو – في الغالب – من محرمات ، فقد يكون حديثا منكرا فيه خضوع بالقول ، أو إغراء بالحرام، أو حديثا عن الحب والعشق، فيجب إنكار المنكر من ذلك ، ويحرم السكوت عليه من أم وغيرها، سواء وصف الساكت بأنه ديوث أو لا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب