( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) هذه من آية هي في المنافقين . سؤالي : هو هل ذكر الله فرض ؟ وإن كنت لا أذكر الله ، لكني أصلي ، وأقوم بكل الفرائض ، فهل أنا منافقة ؟ وهل كل من يذكر الله قليلا يكون منافقا ؟
فضل ذكر الله تعالى ، وهل كل من يذكر الله قليلا يكون منافقا ؟
السؤال: 253005
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ذكر الله تعالى قد يكون واجبا كتكبيرة الإحرام، وقد يكون مستحبا .
جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (21/ 222): ” حكم ذكر الله تعالى :
الذكر محبوب مطلوب من كل أحد مرغب فيه في جميع الأحوال ، إلا في حال ورد الشرع باستثنائها ، كحال الجلوس على قضاء الحاجة ، وحال سماع الخطبة على ما يأتي .
ودليل استحبابه أن الله أمر به في آيات كثيرة ، ونهى عن ضده من الغفلة والنسيان ، وعلق الفلاح باستدامته وكثرته ، وأثنى على أهله وجعلهم أهل الانتفاع بآياته ، وأنهم أولو الألباب ، وأخبر عن خسران من لها عن الذكر بغيره ، وجعل ذكره تعالى لأهله جزاء ذكرهم له ، وأخبر أنه أكبر من كل شيء ، وجعله قرين الأعمال الصالحة ، وجعله مفتتحها ومختتمها ، في آيات كثيرة يرد بعضها أثناء هذا البحث لا نطيل بذكرها هنا .
ويزداد استحباب الذكر في مواضع يأتي تفصيلها .
وقد يكون واجبا ، ومن الذكر الواجب بعض أذكار الصلاة ، كتكبيرة الإحرام وقراءة القرآن .
ومن الذكر الواجب الأذان والإقامة على القول بأنهما يجبان على الكفاية ، ورد السلام والتسمية على الذبيحة . فينظر تفصيل أحكام كل منها في موضعه .
وقد يكون الذكر حراما ، وذلك كأن يتضمن شركا ، كتلبية أهل الجاهلية ، أو يتضمن نقصا ، مثل ما كانوا يقولونه في أول الإسلام : السلام على الله من عباده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات . . . فإن السلام إنما يطلب لمن يحتاج إليه ، والله هو السلام ، فالسلام يطلب منه ولا يطلب له ، بل يثنى عليه به نحو ” اللهم أنت السلام ومنك السلام “.
وقد يحرم الذكر في أحوال خاصة كالذكر في حال خطبة الجمعة” انتهى.
والمؤمن المصلي المحافظ على الفرائض لا ينفك عن ذكر الله تعالى، من أذكار الصلاة، وما بعد الصلاة، وغير ذلك .
ومن شأنه الذي ينبغي ألا ينفك عنه : أذكار الطعام والشراب والدخول والخروج، فإنه إذا أكل أو شرب سمى الله تعالى، وإذا فرغ حمده، وإذا دخل بيته سمى، وإذا خرج سمى، وينبغي ـ كذلك ـ أن يحافظ على أذكار الصباح والمساء والنوم.
وأما المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، أو هو في شك وريب من الدين، فإنه لا يحرص على الذكر، ولا يطمئن إليه، ولا يأتي منه إلا ما يفعله رياء ونفاقا.
قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/142
قال ابن كثير رحمه الله: “قوله: ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) : هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة ؛ إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ، ولا خشية، ولا يعقلون معناها .
كما روى ابن مردويه، من طريق عبيد الله بن زحر، عن خالد بن أبي عمران، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله تعالى وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية: وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى
وروي من غير هذا الوجه، عن ابن عباس، نحوه.
فقوله تعالى: ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) هذه صفة ظواهرهم، كما قال: ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى [التوبة: 54] ، ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال: يراءون الناس أي: لا إخلاص لهم ، ولا معاملة مع الله ، بل إنما يشهدون الصلاة ، تقية من الناس ومصانعة لهم؛ ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يُرون غالبا فيها ، كصلاة العشاء وقت العتمة، وصلاة الصبح في وقت الغلس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)…
وقوله: ولا يذكرون الله إلا قليلا أي: في صلاتهم لا يخشعون فيها ، ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون.
وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا).
وكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن، به. وقال الترمذي: حسن صحيح” انتهى من “تفسير ابن كثير” (2/ 438).
وقال أبو حيان رحمه الله :
” قال الحسن: قَلَّ ؛ لأنه كان يعمل لغير الله . وقال قتادة: ما معناه إنما قل لكونه لم يقبله، وما رده الله فكثيره قليل، وما قبله فقليله كثير. وقال غيره: قل بالنسبة إلى خوضهم في الباطل وقولهم الزور والكفر. وقال الزمخشري: إلا قليلا، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به، وما يجاهرون به قليل، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه، أولا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا. ويجوز أن يراد بالقلة العدم انتهى. ولا يجوز أن يراد به العدم، لأن الاستثناء يأباه، وقد رددنا هذا القول عليه وعلى ابن عطية في هذه السورة. وقيل: قل لأنهم قصدوا به الدنيا وزهرتها، وذلك فإن متاع الدنيا قليل، وقيل في الكلام حذف تقديره: ولا يذكرون عقاب الله وثوابه إلا قليلا لاستغراقهم في الدنيا، وغلبة الغفلة على قلوبهم.
والظاهر أن الذكر هنا هو باللسان، وأنهم قل أن يذكروا الله بخلاف المؤمن المخلص، فإنه يغلب على أحواله ذكر الله تعالى.” انتهى من “البحر المحيط” (4/110) .
فهذا حال المنافق، وأما المؤمن المحب لله ورسوله الموقن بصحة دينه، فإنه لا ينفك عن شيء من الذكر، ومهما كان مقلا، فإنه لا يكون منافقا على المعنى الذي ذكرناه للنفاق، لكن يفوته بقلة الذكر أجر عظيم وخير كثير.
ثانيا:
للذكر فوائد عظيمة، منها: صلاح القلب وطمأنينته وذهاب قسوته. قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28، وقال: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الزمر/22 .
ومنها تحصيل الأجور العظيمة بعمل يسير هو تحريك اللسان ببعض الكلمات .
قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه العظيم ” رياض الصالحين” :
” باب فَضلِ الذِّكْرِ وَالحَثِّ عليه :
قَالَ الله تَعَالَى: وَلذِكْرُ الله أكْبَرُ [العنكبوت: 45]، وقال تَعَالَى: فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ [البقرة: 152]، وقال تَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ [الأعراف: 205]، وقال تَعَالَى: وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10]، وقال تَعَالَى: إنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ … إِلَى قَوْله تَعَالَى: وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35]، وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلًا [الأحزاب: 41 – 42] الآية. والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.
وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وعنه – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم: لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ؛ وَالحَمْدُ للهِ؛ وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. رواه مسلم.
وعنه: أنَّ رسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: مَنْ قَالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ [ص:392] رِقَابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ.
وقال: مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وعن أَبي أيوب الأنصاريِّ – رضي الله عنه – عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ؛ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ. كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وعن أَبي ذَرٍّ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: ألاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟ إنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ. رواه مسلم.
وعن أَبي مالك الأشعري – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ – أَوْ تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ. رواه مسلم.
وعن سعد بن أَبي وقاصٍ – رضي الله عنه – قَالَ: جَاءَ أعْرَابيٌّ إِلَى رَسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاَمًا أقُولُهُ. قَالَ: قُلْ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالِمينَ، وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ قَالَ: فهؤُلاءِ لِرَبِّي، فَمَا لِي؟ قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي. رواه مسلم.
…
ثم ذكر أحاديث أخرى كثيرة ، طيبة ، في هذا الباب العظيم .
وينظر للأهمية : كتاب ” الوابل الصيب من الكلم الطيب” للإمام ابن القيم رحمه الله .
فمن تأمل هذا الثواب العظيم الكبير على هذه الكلمات اليسيرة، علم فضل الذكر، وأنه حري بكل مسلم ومسلمة أن يحرص على الذكر، وأن يرطب لسانه به، وأن يملأ صحائفه بجميله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق لذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب