مجموعة من الأصدقاء ذهبوا في رحلة إلى البحر ، دخل اثنان منهم إلى البحر ، وكاد أحدهما أن يغرق ، فـجاء صاحبه الذي دخل معه وحاول إنقاذه لكنه لم يفلح ، وفي أثناء محاولته لإنقاذه حصلت منه حركة بطريقة معينة ـ يظن أنها كانت سببًا في غرق صاحبه ـ ، وهو أنه قد دفعه ـدون قصد ـ وهو يحاول إنقاذه ، فابتلع من الماء ، ونزل رأسه تحت الماء وتنفس تحته ، ولم يستطع بعدها إنقاذه ، وكاد كلاهما أن يغرق ، حتى جاءت مركبة بحرية ، ولم تستطع إنقاذ ذلك الذي نزل تحت الماء ، وغرق على إثرها ، وعثروا على جثته بعدها بيومين ـ رحمة الله عليه ـ ،
والسؤال:
هل على الذي حاول إنقاذه آثم ؟ لأنه يظن أنه قد قتله بتلك الحركة الخاطئة التي فعلها دون قصد ، وهل يعتبر من قبيل القتل الخطأ الذي فيه الكفارة ؟ ، مع أنه كان يحاول إنقاذه ، وبذل كُل ما في وسعه من أجل ذلك ، ولم يكن يريد قتله ، وفعل تلك الحركة دون قصد ، وبسبب التوتر ومحاولة الإنقاذ .
أراد إنقاذ غريق فدفعه دون قصد ، فابتلع الماء ، ولم يمكن إنقاذه ؟
السؤال: 255361
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يجب إنقاذ الغريق على من يقدر على ذلك ، ولو كان في صلاة ، أو كان صائما وكان الإنقاذ يستلزم فطره ، ويأثم بترك إنقاذه .
وفي “الموسوعة الفقهية” (31/ 183):” إغاثة الغريق والعمل على إنجائه من الغرق : واجب على كل مسلم متى استطاع ذلك ، يقول الفقهاء : يجب قطع الصلاة لإغاثة غريق إذا قدر على ذلك، سواء أكانت الصلاة فرضا أم نفلا ، وسواء استغاث الغريق بالمصلي ، أو لم يعيّن أحدا في استغاثته ، حتى ولو ضاق وقت الصلاة ؛ لأن الصلاة يمكن تداركها بالقضاء ، بخلاف الغريق”.
واختلف الفقهاء فيما يترتب على من ترك إنقاذ الغريق:
ففي المصدر السابق (31/ 183): ” اتفق الفقهاء على أن المسلم يأثم بتركه إنقاذ الغريق معصوم الدم ، لكنهم اختلفوا في حكم تركه إنقاذه ، هل يجب عليه القصاص ، أو الدية ، أو لا شيء عليه ؟
فعند الحنفية والشافعية والحنابلة – عدا أبي الخطاب – على ما يفهم من كلامهم : أنه لا ضمان على الممتنع من إنقاذ الغريق إذا مات غرقا ؛ لأنه لم يهلكه ، ولم يحدث فيه فعلا مهلكا ، لكنه يأثم .
وعند المالكية وأبي الخطاب من الحنابلة يضمن ؛ لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه ، قال المالكية : وتكون الدية في ماله إن ترك التخليص عمدا ، وعلى عاقلته إن تركه متأولا” انتهى.
ثانيا:
إذا شرع الإنسان في إنقاذ الغريق ، فتشبث به فخشي على نفسه الهلاك، تركه.
قال الشوكاني رحمه الله: ” لا شك أن إنقاذ الغريق من أهم الواجبات على كل قادر على إنقاذه ، فإذا أخذ في إنقاذه ، فتعلق به حتى خشي على نفسه أن يغرق مثله : فليس عليه في هذه الحالة وجوب ، لا شرعا ولا عقلا، فيخلص نفسه منه ، ويدعه، سواء كان قد أشرف على النجاة أم لا، بل ظاهر قوله تعالى: ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة: 195]، أنه يجب عليه تخليص نفسه.
والآية هذه ، وإن كانت واردة على سبب خاص ، كما في سنن أبي داود وغيرهما ؛ فالاعتبار بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب ، كما تقرر في الأصول ، وهو الحق” انتهى من السيل الجرار، ص892 .
ثالثا:
يظهر من السؤال أن المنقذ دفع صاحبه ، من غير قصد ، فأدى ذلك إلى ابتلاعه الماء، وربما كان السبب في غرقه.
ويتعلق بهذا أمران:
الأول: الإثم: فلا إثم عليه ، إن كان ذلك دون قصد؛ لما تقرر في الشريعة من رفع الجناح والإثم عن المخطئ، ولأنه إنما أراد إنقاذ أخيه ، لا إهلاكه.
الثاني: الضمان وكون هذا من باب القتل الخطأ أو التسبب في القتل: وهذا يُرجع فيه إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: إن هذا الدفع سبب في الغرق، فإنه يضمنه، فتلزمه الكفارة، والدية على عاقلته. والكفارة صيام شهرين متتابعين.
وينظر الكلام على الدية والكفارة في جواب السؤال رقم : (52809) ، ورقم : (130703) .
وإن قال أهل الخبرة: إن هذا الدفع لا يترتب عليه غرق، أو إن هذا من وسائل الإنقاذ، فلا شيء عليه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة