0 / 0
64,36614/11/2017

هل حرم عمر رضي الله عنه متعة الحج؟ وهل نهى عنها ابن الزبير رضي الله عنه؟

السؤال: 258737

هل الرواية التالية من الطبراني مُخْتَلَقَة موضوعة ؟ روى قصة تستوجب الاهتمام أخبر بها الطبري شأنها توضيح فكر الخليفة عمر رضي الله عنه وسلطته ، قال عمران بن سواد : ” صليت الفجر مع عمر رضي الله عنه ثم تبعته، فسألني: ألك حاجة ؟ فقلت ” نعم، النصيحة! فقال: أحسنت، ابدأ ، قلت: ” إن الناس يجدون أخطاء في أمور عديدة ، فقال: وهو يحمل دُرَّته تحت ذقنه “حسناً؟ ، قلت: لقد نهيت عن الحج الأصغر (عمرة الحج) في أشهر الحج حين أذن بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يفعل ذلك أبو بكر رضي الله عنه ، فقال عمر رضي الله عنه: هذا لإعلام الناس بأنه لا يسقط الحج الأكبر عنهم بالعمرة ، فسألته: ” لقد نهيت عن زواج المتعة حين أذن به النبي صلى الله عليه وسلم؟ ، فقال عمر رضي الله عنه: أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم ، إن لم أحكم بالحق فكأني هجرته ” تاريخ الطبري، الجزء الرابع، صفحة (225)، فهل حرّم عمر رضي الله عنه حج التمتع؟ ولماذا منعهم من القيام بحج التمتع؟ أستغفر الله ، هناك العديد من الجُهَّال ممن يقولون : بأن عمر رضي الله عنه وقع في بدعة في هذه المسألة ؟ وما هو حكم أئمة الحديث في الرواية التالية : روى أبو نضرة : ” أن عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما طالب بالقيام بالحج متمتعاً ولبس إحرامه للعمرة في شهر ذي الحجة وبعد إنهاء عمرته ، أحرم بالحج ولبس إحرامه، ولكن ابن الزبير منعه من ذلك ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب : أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ثبت نهيه للناس عن متعة الحج، وعن متعة النكاح. فأما متعة الحج فنهيه عنها هو من باب اختيار الأفضل للأمة ، ولم ينه عنها تحريما لها، ومسألة الأفضل بين الأنساك الثلاثة في الحج ما زالت محل خلاف بين أهل العلم .   أما متعة النكاح فنهي عمر رضي الله عنها هو الصحيح الموافق لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها في آخر الأمر.   وأما الخلاف بين ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما : فالظاهر أن ابن الزبير لم يكن قد بلغه الإذن بنسك التمتع في الحج ، لكن بعد أن علم ذلك من أمه أسماء رضي الله عنها : عدل إلى مذهب ابن عباس رضي الله عنه ، ولهذا يعده أهل العلم من القائلين بالتمتع . قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : ” وأجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، واختلفوا في أفضلها … وممن روي عنه اختيار التمتع ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير … ” انتهى. “المغني” (5 / 82) .   والله أعلم .      

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

روى الطبري في تاريخه (4 / 225)؛ قال:

حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا عيسى بن يزيد بن دأب، عن عبد الرحمن ابن أبي زيد، عن عمران بن سوادة، قال: صليت الصبح مع عمر، فقرأ: (سبحان) وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت:حاجة، قال: فالحق، قال: فلحقت، فلما دخل أذن لي، فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا، قلت: عابت أمتك منك أربعا، قال: فوضع رأس درته في ذقنه، ووضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات، قلت: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج، ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وهي حلال، قال: هي حلال، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم، فكانت قائبة قوب عامها، فقرع حجهم، وهو بهاء من بهاء الله، وقد أصبت. قلت: وذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت … ) .

وهذا الإسناد ضعيف جدا؛ لأن فيه:

– عيسى بن يزيد بن داب الليثي ، ضعفه أهل العلم وحكموا عليه بنكارة الحديث .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

” عيسى بن يزيد بن داب الليثي المدني : وكان أخباريا علامة نسابة ، لكن حديثه واه.

قال خلف الأحمر: كان يضع الحديث. وَقال البُخاري، وَغيره: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال العقيلي: ما لا يتابع عليه من حديثه ، أكثر مما يتابع عليه.

وقال عبد الواحد بن علي في مراتب النحويين: كان يضع الشعر وأحاديث السمر ، كلاما ينسبه للعرب ، فسقط علمه وجفيت روايته ، وكان شاعرا وعلمه بالأخبار أكثر.

وَقال البُخاري في التاريخ: قال الأويسي عن سليمان عن عيسى بن يزيد عن عمران بن أبي حفص قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة … بحدث طويل منكر” انتهى، من “لسان الميزان” (6 / 287 – 288) .

– و عبد الرحمن ابن أبي زيد : هو ابن البيلماني .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

” عبد الرحمن بن البيلماني، مولى عمر : قال أبو حاتم: عبد الرحمن بن أبي زيد، هو ابن البيلماني … قال أبو حاتم: ليّن … وذكره ابن حبان في “الثقات”.

قلت: وقال: مات في ولاية الوليد بن عبد الملك لا يجب أن يعتبر شيء من حديثه ، إذا كان من رواية ابنه محمد ، لأن ابنه يضع على أبيه العجائب.

وقال الدارقطني: ضعيف لا تقوم به حجة.

وقال الأزدي: منكر الحديث يروي عن ابن عمر بواطيل.

وقال صالح جزرة: حديثه منكر ، ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إلا من سُرَّق        ” انتهى، من “تهذيب التهذيب” (2 / 493 – 494).

وسُرَّق : صحابيّ نزل مصر ، على ما في “الإصابة” ، لابن حجر (3/37) .

ثانيا :

أما  نهي عمر رضي الله عنه الناس عن متعة الحج ومتعة النكاح، فهو أمر ثابت .

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: ( فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا ) . رواه مسلم (1249) .

ورواه البيهقي في “السنن الكبرى” (14 / 394 – 395) بلفظ :

عن أبي نضرة، عن جابر رضي الله عنه قال: قلت: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة، وإن ابن عباس يأمر بها.  قال: على يدي جرى الحديث؛ تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر رضي الله عنه، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الرسول، وإن هذا القرآن، هذا القرآن، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما؛ إحداهما متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته في الحجارة، والأخرى متعة الحج، افصلوا حجكم من عمرتكم؛ فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم ).

– أما متعة الحج .

فهي : ” أن يهل بالعمرة فقط في أشهر الحج، ويأتي مكة فيؤدي مناسك العمرة، ويتحلل. ويمكث بمكة حلالا، ثم يحرم بالحج ويأتي بأعماله. ويجب عليه أن ينحر هديا بالإجماع” انتهى، من “الموسوعة الفقهية الكويتية” (17 / 43) .

وهو أمر مشروع نصت عليه نصوص الكتاب والسنة واتفق على مشروعيته أهل العلم، وإنما اختلفوا في الأفضل .

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى :

” الأمة مجتمعة على أن الإفراد والقران والتمتع كل ذلك جائز في القرآن والسنة والإجماع، وأنه ليس منها شيء باطلا ، بل كل ذلك حق ودين وشريعة من شرائع الإسلام في الحج، ومن مال منها إلى شيء ، فإنما مال برأيه إلى وجه تفضيل اختاره ، وأباح ما سواه ” انتهى، من “الاستذكار” (13 / 89) .

فظهر بهذا أن مشروعية حج التمتع أمر مجمع عليه بين أهل العلم ومنهم عمر رضي الله عنه؛ وإنما نهى عمر الناس عن التمتع في خلافته ، من باب اختيار الأفضل والأصلح لرعيته بحسب ما أداه إليه اجتهاده.

قال البيهقي رحمه الله تعالى :

” ولم نجده صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة الحج في رواية صحيحة عنه، ووجدنا في قول عمر رضي الله عنه ما دل على أنه أحب أن يفصل بين الحج والعمرة ، ليكون أتم لهما، فحملنا نهيه عن متعة الحج عن التنزيه، وعلى اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم ” انتهى، من “السنن الكبرى” (14 / 395) .

ومما يدل على أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لا يرى تحريم متعة الحج .

عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدُ، حَتَّى لَقِيَهُ بَعْدُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ ) رواه مسلم (1222) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وفي هذه الرواية تبيين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله: ( قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن -أي بالنساء- ثم يروحوا في الحج تقطر رؤوسهم ) انتهى .

وكان من رأي عمر عدم الترفه للحج بكل طريق، فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر الميل إلى ذلك ، بخلاف من بعد عهده به، ومن يفطم ينفطم ” انتهى. “فتح الباري” (3/ 418).

وروى ابن أبي شيبة في “المصنف” (8 / 274) بإسناد صحيح؛ قال :

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: ( لَوِ اعْتَمَرْتُ، ثُمَّ اعْتَمَرْتُ، ثُمَّ حَجَجْتُ، لتَمَتَّعْتُ ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

” وإنما وجه ما فعلوه أن عمر رأى الناس قد أخذوا بالمتعة، فلم يكونوا يزورون الكعبة إلا مرة في السنة في أشهر الحج، ويجعلون تلك السفرة للحج والعمرة، فكره أن يبقى البيت مهجورا عامة السنة، وأحب أن يعتمر في سائر شهور السنة ، ليبقى البيت معمورا مزورا كل وقت بعمرة يُنشؤ لها سفر مفرد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، حيث اعتمر قبل الحجة ثلاث عمر مفردات.

وعلم: أن أتم الحج والعمرة أن ينشأ لهما سفر من الوطن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ير لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج، وإن كان جائزا، فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات، والمستحبات ، لتحصيل ما هو أفضل منها ، من غير أن يصير الحلال حراما …

وأيضا: فخاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج : أن يبقوا حلالا حتى يقفوا بعرفة محلين، ثم يرجعوا محرمين ” انتهى، من “شرح العمدة / كتاب الحج” (1 / 528 – 529).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :

” فإن الذي كان ينهى عن متعة الحج، إنما هو عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم ولا الحتم، كما قدمنا، وإنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر؛ لتكثر زيارة البيت ” انتهى، من “البداية والنهاية” (7 / 490) .

– أما متعة النكاح :

فهو : ” قول الرجل للمرأة: أعطيك كذا على أن أتمتع بك يوما أو شهرا أو سنة أو نحو ذلك ، سواء قدر المتعة بمدة معلومة كما هو الشأن في الأمثلة السابقة، أو قدرها بمدة مجهولة كقوله: أعطيك كذا على أن أتمتع بك موسم الحج ، أو ما أقمت في البلد ، أو حتى يقدم زيد، فإذا انقضى الأجل المحدد : وقعت الفرقة بغير طلاق.

ونكاح المتعة من أنكحة الجاهلية، وكانت مباحا في أول الإسلام ثم حرم ” انتهى، من “الموسوعة الفقهية الكويتية” (41 / 333) .

فهذا النوع من النكاح كان مأذونا فيه أول الإسلام ، ثم حرم بعد ذلك ، كما هو الشأن في تدرج الشرع في تشريع عدد من الأمور ، كالمثال المشهور في التدرج في تحريم الخمر.

فنهي عمر رضي الله عنه عن نكاح المتعة هو موافق لآخر الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم هذا النوع من النكاح.

قال البيهقي رحمه الله تعالى:

” لكنا وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة عام الفتح ، بعد الإذن فيه، ثم لم نجده أذن فيه بعد النهي عنه ، حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وسلم، فكان نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نكاح المتعة موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،  فأخذنا به ” انتهى، من “السنن الكبرى” (14 / 395) .

عَنْ عَلِيِّ  بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ ) رواه البخاري (4216) ومسلم (1407) .

وعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ الْفَتْحِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ ) رواه مسلم (1406) .

وفي لفظ له (1406) عن الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ) .

فتبين بهذا أن عمر رضي الله عنه لم يبتدع تحريم نكاح المتعة ، وإنما كان متبعا للوحي.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

” عمر لم ينه عنها اجتهادا ، وإنما نهى عنها مستندا إلى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع التصريح عنه بذلك ، فيما أخرجه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن حفص ، عن ابن عمر قال: ( لما ولي عمر خطب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها ) .

وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : ( صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ) .

وفي حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه في صحيح ابن حبان: ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هدَمَ المتعةَ: النكاح ، والطلاق ، والعدة ، والميراث ) .

وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي ” انتهى، من “فتح الباري” (9 / 172 – 173) .

ثالثا:

نقاش ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما لم نقف عليه بهذا اللفظ والصيغة؛ لكن قد صح وقوع الإختلاف بينهما حول متعة الحج، كما في حديث أبي نضرة الذي سبق ذكره.

وعَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؟ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِيهَا، فَادْخُلُوا عَلَيْهَا فَاسْأَلُوهَا، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ) رواه مسلم (1238) .

وروى الإمام أحمد في “المسند” (26 / 28) بإسناده: عن إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: ( إِنَّا لَبِمَكَّةَ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَنَهَى عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ صَنَعُوا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: وَمَا عِلْمُ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِهَذَا، فَلْيَرْجِعْ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَلْيَسْأَلْهَا ! … فَبَلَغَ ذَلِكَ أَسْمَاءَ فَقَالَتْ: قَدْ وَاللهِ صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ … ).

ولا يعلم أن ابن الزبير خالف بعد ذلك .

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على مسند الإمام أحمد :

” فالظاهر أن ابن الزبير- بعد أن سمع هذا من أمه- صار يفتي به، ويرويه مرفوعاً، ويكون من مراسيل الصحابة.

وهي متصلة صحيحة عند أهل العلم ” انتهى .

وذكر هذا التعليق بعد أن صحّح رواية الإمام أحمد بسنده، عن عبد الله بن شرِيك العامري قال: ( سمعت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزُّبير، سُئلوِا في العمرة قبل الحج في المتعة؟ فقالوا: نعم، سُنةُ رسول الله صلي الله عليه وسلم ، تقْدَم فتطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثمِ تَحِلّ، وإن كان ذلك قبل يوم عرفةَ بيوم، ثمِ تهِل بالحج، فتكون قد جمعت عمرةً وحَجَّةً ، أو – جَمَع الله لك عمرةً وحِجَّةً – ). “المسند / بتعليق أحمد شاكر” (5 / 478) .

فالخلاصة :

أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ثبت نهيه للناس عن متعة الحج، وعن متعة النكاح.

فأما متعة الحج فنهيه عنها هو من باب اختيار الأفضل للأمة ، ولم ينه عنها تحريما لها، ومسألة الأفضل بين الأنساك الثلاثة في الحج ما زالت محل خلاف بين أهل العلم .

أما متعة النكاح فنهي عمر رضي الله عنها هو الصحيح الموافق لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها في آخر الأمر.

وأما الخلاف بين ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما : فالظاهر أن ابن الزبير لم يكن قد بلغه الإذن بنسك التمتع في الحج ، لكن بعد أن علم ذلك من أمه أسماء رضي الله عنها : عدل إلى مذهب ابن عباس رضي الله عنه ، ولهذا يعده أهل العلم من القائلين بالتمتع .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :

” وأجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، واختلفوا في أفضلها …

وممن روي عنه اختيار التمتع ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير … ” انتهى. “المغني” (5 / 82) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android