تقوم شركة الكهرباء باحتساب ثمن الوحدة الكهربائية بسعر محدد ، لكن إن تجاوز الاستهلاك 1000 وحدة يزيد ثمن الوحدة المحدد مسبقا ، وهكذا كلما زاد الاستهلاك زاد السعر. ما حكم اختلاف سعر السلعة في البيع بحسب الكمية ؟
إذا جهل الثمن عند العقد وكان مآله إلى العلم وعقود الإذعان المشتملة على ذلك
السؤال: 259362
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
اتفق الفقهاء على اشتراط العلم بالثمن، في عقود المعاوضات، كالبيع والإجارة، ثم اختلفوا في ضابط ذلك، فذهب جمهورهم إلى أنه يشترط العلم بقدر الثمن عند العقد.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه يشترط العلم بقدر الثمن عند العقد، أو أن يؤول إلى العلم فيما بعد، على وجه لا يؤدي إلى المنازعة والاختلاف بين العاقدين.
ولهذا جوز البيع بما ينقطع به السعر، وبمثل ما باع الناس، بل لو باع ولم يسم الثمن صح بثمن المثل.
قال رحمه الله: “ويصح البيع بالرقم [ وهو الثمن المكتوب على السلعة] ، ونص عليه أحمد، وتأوله القاضي ، وبما ينقطع به السعر، وكما يبيع الناس ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد.
ولو باع ولم يسم الثمن : صح بثمن المثل، كالنكاح” انتهى من الاختيارات ضمن الفتاوى الكبرى (5/ 387).
قال الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله: ” فعلى هذا القول لا تلزم تسمية الثمن في مجلس العقد، فيكفي أن يتفق العاقدان على طريقة منضبطة لتحديد الثمن. وهذا القول رواية في مذهب الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم –رحمهما الله- وهو قول لبعض الأحناف” انتهى من بحث “البيع والإجارة بالسعر المتغير” ص7، ضمن أبحاث الدورة الثانية والعشرين لمجمع الفقه الإسلامي.
وقال الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي في بيان شروط البيع: “السابع: معرفة الثمن، فلو قال: بعتك هذه السلعة بعشرة حالَّة ، أو عشرين نقداً ، ثم تفرقا ولم يبين أحدهما، أي الثمن أبرم العقد عليه : فهذا لا يصح لجهالة الثمن.
ولو قال: أبيعك بمثل ما باع به عبد الرحمن ، ولم نعلم عبد الرحمن بكم باع فقال: قبلت، إذاً بعد يوم نتصل على عبد الرحمن يخبرنا بكم باع؟ فهل يصح هذا؟
نقول: الأئمة الأربعة يمنعون، وجوزه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن هذا لا بأس به؛ لأن هذه الجهالة ليست جهالة مطلقة، وإنما هي جهالة تؤول إلى العلم، والجهالة الممنوعة هي الجهالة المطلقة أو الجهالة التي لا تؤول إلى العلم.
يقول ابن تيمية : والمنع من ذلك إنما هو بسبب التنازع والاختلاف، والإنسان ربما لا يحسن البيع. مثلاً: الآن بعض الشباب المراهقين يبيع في سوق الخضرة، فيقول له المشتري: بكم تبيع؟ قال: والله ما أدري، لكن أبيعك بمثل ما يبيع الوالد، هذه الصورة موجودة، فهل يصح؟
على مذهب الأئمة الأربعة لا يصح، وعلى اختيار ابن تيمية يصح؛ لأنه يمكن أن يؤول إلى العلم .
والله أعلم” انتهى من شرح كتاب البيوع من عمدة الأحكام.
وقد استدل الجمهور بالنهي عن الغرر ، وأن عدم معرفة الثمن عند العقد يؤدي للغرر.
وأجاب شيخ الإسلام بأن الغرر هو البيع مجهول العاقبة. وينظر: القواعد النورانية، ص138
فإذا وجد أمر منضبط لا يؤدي للنزاع ، يمكن ربط الثمن به مستقبلا : فلا غرر.
وعليه : فالصورة المذكورة لا تصح عند الجمهور؛ لأن الثمن غير محدد عند العقد. وتصح عند شيخ الإسلام لأنها جهالة تؤول إلى العلم ولا تؤدي للنزاع، فالمستهلك يعلم أنه إن تجاوز الألف إلى كذا، حسبت الوحدة الكهربائية بكذا، وإن نقص عن الألف حسبت عليه بكذا، فإذا تم الشهر علم ما يلزمه من الثمن.
ثانيا:
التعاقد مع الشركة العامة كشركات الكهرباء والماء والهاتف، يدخل ضمن ما يسمى بعقود الإذعان، وهي العقود التي لا يملك الفرد تعديلا لبنودها، ولا خيار أمامه إلا أن يقبلها كما هي، أو يرفضها، وفي رفضها حرج بالغ؛ إذ يشق عليه أن يعيش بلا كهرباء أو ماء.
وهذه العقود إن اشتملت على مخالفات أو شروط تعسفية مضرة، فالإثم على من وضعها، وعلى الدولة أن تراقب هذه العقود ، وأن تزيل ما فيها من ذلك.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرار بشأن عقود الإذعان في دورته الرابعة عشرة بالدوحة (دولة قطر ) في الفترة من 8 إلى 13 ذو القعدة 1423 هـ الموافق 11-16 كانون الثاني ( يناير ) 2003 م . جاء فيه:
” بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع ( عقود الإذعان ) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله
قرر ما يلي :
1ـ عقود الإذعان مصطلح قانوني غربي حديث لاتفاقيات تحكمها الخصائص والشروط الآتية :
أ ـ تعلق العقد بسلع أو منافع يحتاج إليها الناس كافة ، ولا غنى لهم عنها ، كالماء والكهرباء والغاز والهاتف والبريد والنقل العام … إلخ .
ب ـ احتكار – أي : سيطرة – الموجب لتلك السلع أو المنافع أو المرافق ، احتكارا قانونيا أو فعليا ، أو على الأقل سيطرته عليها بشكل يجعل المنافسة فيها محدودة النطاق .
ج ـ انفراد الطرف الموجِب بوضع تفاصيل العقد وشروطه ، دون أن يكون للطرف الآخر حق في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله .
د ـ صدور الإيجاب ( العرض ) موجها إلى الجمهور ، موحدا في تفاصيله وشروطه وعلى نحو مستمر …
3ـ نظرا لاحتمال تحكم الطرف المسيطر في الأسعار والشروط التي يمليها في عقود الإذعان ، وتعسفه الذي يفضي إلى الإضرار بعموم الناس ، فإنه يجب شرعا خضوع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة ابتداء ( أي قبل طرحها للتعامل بها مع الناس )، من أجل إقرار ما هو عادل منها، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلم بالطرف المذعن ، وفقا لما تقضي به العدالة شرعا .
4 ـ تنقسم عقود الإذعان في النظر الفقهي إلى قسمين :
أحدهما : ما كان الثمن فيه عادلا ، ولم تتضمن شروطه ظلما بالطرف المذعن ، فهو صحيح شرعا ، ملزم لطرفيه، وليس للدولة أو للقضاء حق التدخل في شأنه بأي إلغاء أو تعديل ، لانتفاء الموجب الشرعي لذلك ، إذ الطرف المسيطر للسلعة أو المنفعة باذل لها ، غير ممتنع عن بيعها لطالبها بالثمن الواجب عليه شرعا ، وهو عوض المثل ( أو مع غبن يسير ، باعتباره معفوا عنه شرعا ، لعسر التحرز عنه في عقود المعاوضات المالية ، وتعارف الناس على التسامح فيه ) ولأن مبايعة المضطر ببدل عادل : صحيحة باتفاق أهل العلم .
والثاني : ما انطوى على ظلم بالطرف المذعن ، لأن الثمن فيه غير عادل ( أي : فيه غبن فاحش ) أو تضمن شروطا تعسفية ضارة به ، فهذا يجب تدخل الدولة في شأنه ابتداء ( قبل طرحه للتعامل به ) وذلك بالتسعير الجبري العادل ، الذي يدفع الظلم والضرر عن الناس المضطرين إلى تلك السلعة أو المنفعة ، بتخفيض السعر المتغالى فيه إلى ثمن المثل ، أو بإلغاء أو تعديل الشروط الجائرة…” انتهى من قرارت وتوصيات مجمع الفقه، ص237 ترقيم الشاملة.
وعلى هذا : فكون هذا العقد يشتمل على غرر –على مذهب الجمهور- لا خيار فيه للمشترك، ولا إثم عليه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب