0 / 0

هل لأبيه أن يأخذ ماله ليتزوج الثالثة مع حاجة الابن وعزوبته ؟

السؤال: 259684

هل من حق الأب أخذ مال ابنه من دون رضاه وهو غير محتاج وأخذ المال وذلك للزواج من امرأة ثالثة علما بأن الابن شاب ولم يتزوج حتى الآن ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

جاءت السنة بجواز أن يكتسب الأب من مال ابنه ويأخذ منه ما يسد به حاجته، متى كان محتاجا.

دليل ذلك : ما رواه أحمد (6678) ، وأبو داود (3530) ، وابن ماجه (2292) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : ” أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن والدي يجتاح مالي قال: ( أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ ؛ إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا ) وله طرق وشواهد يصح بها ، وينظر : ” فتح الباري ” (5/211) ، و ” نصب الراية ” (3/337) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ اللهِ لَكُمْ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ؛ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ ؛ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا) رواه الحاكم ( 2 / 284 ) ، والبيهقي ( 7 / 480 )، والحديث صححه الشيخ الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (2564) .

وأما أخذه من مال ابنه مع استغنائه وعدم حاجته ، فهو محل خلاف بين العلماء .وقد سبق تفصيل هذه المسألة ، وبيان أن الراجح : إن الأب ليس له أن يأخذ من ماله ابنه ، إلا إذا كان محتاجا إليه، وهذا هو مذهب جمهور العلماء .

وينظر جواب السؤال رقم (4282) ، (9594) .

ثانيا :

إن لم يكن للابن مال زائد عن حاجته ، بل هو محتاج إليه لنكاح ، أو معيشة ، فليس للأب أن يأخذ من ماله ابنه ؛ لأن إنفاق الإنسان على نفسه ، وزوجته وولده : أوجب من إنفاقه على والديه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا ، بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَعَنْ يَمِينِكَ ، وَعَنْ شِمَالِكَ ) أخرجه مسلم (997).

وينظر جواب السؤال (129344) .

وأما هذا الحديث المذكور آنفا حين قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ” إن والدي يجتاح مالي؟ قال: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ) ، فواقعة عين مخصوصة ، قد يكون الأمر فيها مبنيا على أن الابن يبالغ في أخذ أبيه من ماله ، حتى ادعى استئصاله واجتياحه ، مع أن الحقيقة خلاف ذلك ، أو غير ذلك من الأسباب التي تعتري قضايا الأعيان ولا توجب التعارض .

قال المناوي :

“فإذا احتاج [يعني: الأب] فله أن يأخذ منه قدر الحاجة ، فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة .

ولوجوب نفقة الأصل على فرعه شروط مبينة في الفروع ؛ فكأنه لم يذكرها في الخبر لكونها معلومة عندهم ، أو متوفرة في هذه الواقعة المخصوصة” انتهى من “فيض القدير” (3/49) .

وقال الخطابي رحمه الله :

“ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو سبب النفقة عليه، وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة عليه شيء كثير ، لا يسعه عفو ماله ، والفضل منه ، إلاّ بأن يجتاح أصله ، ويأتي عليه !!

فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرخص له في ترك النفقة عليه، وقال له أنت ومالك لوالدك ؛ على معنى : أنه إذا احتاج إلى مالك ، أخذ منك قدر الحاجة ، كما يأخذ من مال نفسه .

وإذا لم يكن لك مال ، وكان لك كسب : لزمك أن تكتسب ، وتنفق عليه.

فأما أن يكون أراد به إباحة ماله ، وخلّاه واعتراضه ، حتى يجتاحه ويأتي عليه -لا على هذا الوجه- : فلا أعلم أحداً ذهب إليه من الفقهاء” انتهى من “معالم السنن” (3/166) .

وبوّب البخاري في صحيحه : “باب الهبة للولد.. وما يأكل من مال ولده بالمعروف ، ولا يتعدى”.

قال ابن حجر :

“ففي الترجمة إشارة إلى ضعف الحديث المذكور ، أو إلى تأويله.. فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به ، فتعين تأويله” انتهى من “فتح الباري” (5/211) .

بل إن الحنابلة الذين يجيزون للأب أن يتبسّط في مال ابنه ، ولو كان غنيا غير محتاج ؛ لم يجيزوا للأب أن يأخذ مال الابن الذي هو محتاج إليه .

قال ابن قدامة ، في رد استدلال الجمهور بما روي مرفوعا (كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) :

“وَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ، فَأَحَادِيثُنَا تَخُصُّهَا وَتُفَسِّرُهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مَالَ الِابْنِ مَالًا لِأَبِيهِ، بِقَوْلِهِ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك) فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا.

وَقَوْلُهُ: (أَحَقُّ بِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ) مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ حَقِّهِ عَلَى حَقِّهِ، لَا عَلَى نَفْيِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ .

وَالْوَلَدُ أَحَقُّ مِنْ الْوَالِدِ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ” انتهى من “المغني” (6/63) .

والحاصل :

أن الوالد المذكور في السؤال ، ليس له أن يأخذ من مال ابنه ، ما يحتاجه لنفقته ، أو يحتاجه ليعف نفسه بالنكاح ، أو نحو ذلك من حاجاته .

وأما ما ذكر في صورة السؤال ، من رغبته في زوجة ثالثة ، وابنه لم ينكح بعد ، فأثرة وعدوان على حق الولد وماله ، لا يجاب إليه ، ولا يطاع فيه .

قال الشيخ ابن عثيمين :

“إن كان يضر الولد : فإنه ليس له أن يأخذ، مثل أن يأخذ منه غداءه وهو مضطر إليه، فهنا ليس له ذلك، أو يأخذ منه لحافه وهو مضطر إليه ، لدفع البرد، فإنه لا يُمكَّن؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ابدأ بنفسك)…

وليس له أن يأخذ ما تتعلق به حاجة الابن، مثال ذلك: الابن عنده فرش في البيت ليست ضرورية، لكنه يحتاجها إذا جاءه ضيوف، أو عنده زيادة على قوت يومه وليلته ، لكنه يحتاجها، فليس للأب أن يتملك هذا؛ لأن هذا تتعلق به حاجة الابن .

ومن ذلك سُرِّيَّة الابن ، إذا كان يحتاجها ، ولو كان عنده إماءٌ كثير؛ لأنها تتعلق بها نفسه” .

انتهى من “الشرح الممتع” (11/93) .

والله أعلم .
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android