0 / 0

عقوبة العجب والفخر والخيلاء وطريق التخلص منها .

السؤال: 260962

نود أن نعرف الفرق بين العجب والفخر والخيلاء ، وهل هي أمراض في النفس ، أم تكتسب من المحيط ، والبيئة ، والأسرة ؟ وكيف يمكن للمرء أن يعرف أنها موجودة فيه ؟ وما سبل التخلص منها ؟ وما عقوبتها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

العجب : شدة سرور المرء بخصال نفسه .

قال ابن القيم عن العجب ” أصله : رؤية نفسه ، وغيبتُه عن شهود مِنَّة ربه وتوفيقه ” انتهى من الفوائد ص(152) .

والخيلاء : أن يرى نفسه فوق ما هي عليه ، أو ما تستحقه ، أو يُرِى الناس عظمةَ نفسه .

والفخر : هو التمدح بالخصال وذكر المناقب ، بتفضيل نفسه على غيره .

وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة ، خاصة الفخر والخيلاء ؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة منها ، فيسلم من أختها .

وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو : الكبر ، وتخيل عظمة نفسه وفضله ، وَإِرَادَة تَعْظِيم الْخلق لَهُ ، وحمدهم له .

ولذلك كثيرا ما نجدها مقترنة مع بعضها ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء : 36 ، وقوله سبحانه : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ، لقمان : 18 :( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) سورة الحديد : 23 .

قال ابن عطية : “يقال خال الرجل يخول خولا : إذا تكبر وأعجب بنفسه” انتهى من “المحرر الوجيز” (2/51) .

وقال ابن كثير : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ  مُخْتَالا فَخُورًا ) أَيْ : مُخْتَالًا فِي نَفْسِهِ ، مُعْجَبًا مُتَكَبِّرًا ، فَخُورًا عَلَى النَّاسِ ، يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ ، وَعِنْدَ النَّاسِ بغيض ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (2/301) .

وقال ابن القيم :

“فالْفَخْر والبطر والأشر وَالْعجب والحسد وَالْبَغي وَالْخُيَلَاء وَالظُّلم وَالْقَسْوَة والتجبر والإعراض وإباء قبُول النَّصِيحَة والاستئثار وَطلب الْعُلُوّ وَحب الجاه والرئاسة وَأَن يحمد بِمَا لم يفعل وأمثال ذَلِك = كلهَا ناشئة من الْكبر” انتهى من “الفوائد” ص(209) .

ثانيا :

من الناس من يكون مجبولا على شيء من الصفات السيئة من الخيلاء والعجب والفخر والكبر وغيرها ، فيجاهدها حتى يعافيه الله منها .

ومنهم من يكون معافى منها ، ولكنه لا يزال يسير في طريق اكتسابها ومصادقة أصحابها ، حتى تصير وصفا ملازما له .

ولا يخلو قلبٌ من القلوب من أسقام لو أُهلمت تَراكمت وترادفت ، وجميع الناس يكون فيهم شيء من صفات الخير ، وشيء من صفات الشر ، فمنهم من ينمّي الصفات الحسنة فيه ، ويتخلص من الصفات السيئة حتى يصير كالذهب الصافي ، كما قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) الشمس/9 .

 ومنهم بعكس ذلك ، وقد قال الله تعالى عنهم: ( وقد خاب من دساها ) الشمس /10

وينظر جواب السؤال (101023) .

ثالثا :

عقوبة الكبر والخيلاء والفخر :

الكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، فمن نازع الله فيها أهلكه الله وقصمه وضيق عليه ، وبما أن الفخر والخيلاء كلاهما من شعب الكبر ، فلكل متصف بشيء من ذلك نصيبه من الوعيد الوارد في الكِبر .

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ) رواه مسلم ( 2620 ) وأبو داود (4090) واللفظ له .

وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين .

فالذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى ، جزاء ما كان منه من الكبر .

فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُحشر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُساقون إِلَى سِجْنٍ مِنْ جَهَنَّمَ يُسَمَّى: بُولَس تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ؛ طِينَةَ الْخَبَالِ ) رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ( 2025) .

ومما ورد في عقوبة المعجب بنفسه ، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ رَأسَهُ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ) رواه البخاري ( 3297 ) ومسلم ( 2088 ) .

والنصوص في الوعيد على المتصف بهذه الصفات كثيرة ، وينظر في ذلك جواب السؤال (118095) .

رابعا :

طريق معرفة هذه الآفات في النفس وسبل التخلص منها :

كثير من الناس جاهلون بعيوب أنفسهم ، يرى أحدُهم القذى في عين أخيه ، ولا يرى الجذع في عين نفسه ، فمن أراد أن يعرف نفسه ، أهو متصف بهذه الصفات السيئة أو لا ؟ وأراد أن يتخلص منها ، فله عدة طرق ، منها :

– أن يكون له شيخ عالم ، مؤدب مرب ، يدل على عيب نفسه ، ويعينه على التخلي عن رذائل الأخلاق ومساوئها ، والتحلي بمعالي الآداب والأخلاق .

– أن يتنبه إلى عيب نفسه ، من خلال نصح الناصحين ، وإرشاد الإخوان ، والمخالطين والمعاشرين له ، ولا يحمله غضبه لنفسه ، ولا حب الانتصار له على جحد الحق ، وهجر نصيحة الناصح له. وقد كان عمر رضي الله عنه يقول : “رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي “.

– أن يقرأ في كتب الأخلاق، ويتعرف منها على صفات المتكبرين والمعجبين بأنفسهم ، ويتعرف على أعمالهم، ويقيس ذلك على نفسه ، فقد يكون فيه بعض تلك الصفات وهو لا يشعر.

– أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه ، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مُشاحن يذكِّرُهُ عيوبَه ، يكون أكثرَ من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ ، يُثني عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه .

– أن يخالط الناس ، فكل ما رآه مذموما من أخلاق الناس وتصرفاتهم ، طالب نفسه باجتناب ذلك. قيل لعيسى عليه السلام : مَن أدَّبك ؟ قال : ما أدبني أحد ، رأيت جهل الجاهل شَينًا، فاجتنبته .

– أن ترى نفسك كالناس ، وأنهم مثلك ولدوا من أم وأب كما ولدت وأن التقوى هي المعيار الحق ، قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات / 13 .

– أن يعلم أن الله عز وجل حقه أكبر مما عمل ، وأنه لو وزن أعماله كلها يوم القيامة ما ساوت نعمة البصر مثلا! فكيف بنعمة الهداية! وكيف بنعمة الإيمان! ويعلم أن الله هو الذي وفقه لهذا العمل ؛ فلماذا العجب ؟

– أن يكثر من دعاء الله تعالى بالهداية والتوفيق للأخلاق الحسنة واجتناب الأخلاق السيئة ، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ) رواه مسلم (771) .

وينظر جواب السؤال (9229) ، (118095) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android